كمال خلف
هل يعقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قمة مع نظيريه الإيراني إبراهيم رئيسي قريبا ؟ كثير من المؤشرات تؤكد ان الحوار المصري الإيراني لإعادة العلاقة كاملة بين البلدين لأول مرة منذ أربعة عقود ونصف حقق تقدما. المعلن عنه في تصريحات المسؤولين على الأقل يعزز هذا الاتجاه. حتى الان يسلك مسار التقارب المصري الإيراني ذات المسار الذي سلكه التقارب مع السعودية من حيث البداية في بغداد ومن ثم فتح قناة تواصل عبر سلطنة عمان، وليس مستعبدا ان يتطابق السيناريو الى حد ان تتوج الصين هذا المسار بالتوقيع على اتفاق عودة العلاقات كاملة بين القاهرة وطهران. واذ تلتزم القاهرة بمسألة الامن في دول الخليج العربية كمحدد أساسي في سياستها الخارجية، كان من الطبيعي ان تنعكس حقبة التوترات بين الدول الخليجية وايران على العلاقات مع مصر. والان ازيلت هذه العقبة من خلال اتفاق ايران والسعودية وعودة انفتاح الدول الخليجية على طهران. لكن المتضررين من عودة العلاقات المصرية الإيرانية وهم الولايات المتحدة وإسرائيل لا يمكن لحد الان معرفة قدرتهما على التأثير في هذا المسار خاصة ان زعيم المعارضة في إسرائيل ” يائير لابيد” عبر صراحة عن حجم الاثار السلبية التي ستحلق بإسرائيل جراء هذا التقارب بين دولتين وازنتين في المنطقة. وتعتبر خطوة التقارب بين القاهرة وطهران على المستوى الاستراتيجي والجيوسياسي مبعث قلق اكبر بكثير بالنسبة لتل ابيب من المصالحة السعودية والإيرانية.
ستنظر طهران الى انجاز إعادة العلاقات كاملة مع مصر باعتباره انتصارا لدبلوماسيتها، وفشل لسياسية اعدائها القائمة على عزلها في محيطها. كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تخططان منذ وقت قريب لتشكيل تكتل عربي إسرائيلي موجه ضد ايران، لكن ما يحدث الان هو العكس. ويمكن ان نتذكر ان وزير الخارجية المصرية “سامح شكري” كان صريحا خلال زيارة بايدن للمنطقة واعلانه عن مشروع تكتل إقليمي موجه ضد ايران، حين قال شكري لن نكون جزء من ذاك التحالف. وهذا الموقف يشبه مثيلا له في عهد الرئيس حسني مبارك عندما قاطع وزير الخارجية المصرية عمرو موسى وزيرة الخارجية الامريكية مادلين اولبرايت في مؤتمر صحفي مشترك وهي تعلن عن اتفاق لحظر تجاري على ايران ونفى موسى حينها ان تكون بلاده بحثت هكذا مسألة.
بالمقابل سترى القاهرة ان الاتفاق مع ايران سيساهم في حفض التصعيد في المنطقة ويعزز استقرارها، وقد تحقق مصر مكاسب اقتصادية من خلال التبادل التجاري عدا عن تدفق ملايين السياح الإيرانيين اليها.
وفي الميزان الدولي سيكون ذلك معززا لنظرية تزايد التأثيرات الصينية والروسية في المنطقة على حساب النفوذ الأمريكي.
العلاقة بين مصر وايران وان حكمتها ظروف القطيعة، ووضعتهما السياسات الإقليمية والدولية على طرفي نقيض. الا ان ثمة مميزات عميقة تربط البلدين، وثمة ارث تمدد على مساحة عصور وحقب كان السبب في ان كلا البلدين لم يذهبا الى حالة العداء الكاملة او التصعيد السياسي منفلت الضوابط. وظلت النخب السياسية وحتى الإعلامية في كلا البلدين تتهيب شن هجمات على بعضها. ظلت مصر موضع احترام لدى قادة ايران، وظل المسؤولون المصريون بعيدين عن مشاريع “شيطنة ايران”. وكما اسلفنا ثمة مشترك حضاري وارث عميق ومحطات تاريخية لا يمكن الا ان تكون مصدر هذا التميز في الاختلاف، وضابط محددات هذا العلاقة رغم الخلاف.
ولا يمكن اغفال ان اول خلافة إسلامية “شيعية” كان مركزها القاهرة، وقد أدخلت الخلافة الفاطمية في مصر التشيع الى ايران ونشرته في عموم البلاد ولا يمكن نسيان ان ملكة ايران ” فوزية ” زوجة الشاه محمد رضا بهلوي كانت مصرية وشقيقة الملك فاروق.
وقد دعم الرئيس المصري جمال عبد الناصر بعد الإطاحة بالملكية في مصر الثورة الدستورية التي قادها رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق ضد حكم الشاه. وبعد تمكن الثورة الإسلامية في ايران من الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي وهروبه الى الولايات المتحدة عام 1979 رفضت الأخيرة استقباله ولم يجد الا القاهرة ترحب به. وقد دفنت مصر الشاه عند موته بعد عام من هروبه في مقبرة الملوك المصريين.
صحيح ان ثمة تناقض جذري بين الثورة الإسلامية الإيرانية وبين الشاه وحكمه، لكن تكريم المصريين بدفن حاكم إيراني بعد موته في مقبرة تجمعه بملوك مصر نعتقد ان له حسابات أخرى من منظور تاريخي بعيدا عن السياسية. وحتى الثورة الإسلامية ذاتها لم تحرق او تهدم قصر شاه ايران بروح الانتقام، انما حولته لمتحف، يمكن للزوار التجول فيه والاطلاع على غرفه واثاثه، وحتى السيارات التي كان يستخدمها، والملابس التي كان يرتديها في المناسبات الرسمية.
لم ينقطع الاتصال بين ايران ومصر بعد الثورة الإيرانية رغم ندرة ذلك خاصة بعد اغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981 الذي اتخذت منه طهران موقفا عدائيا بسبب توقيعه معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل. وشهدت الأعوام التالية لقاءات تفاوت مستوياتها ومناسباتها لكنها ظلت دون استعادة العلاقات الدبلوماسية بشكها الطبيعي والكامل. وعلى سبيل المثال، اوفدت القاهرة عام 1990 السفير منير زهران إلى طهران لتقديم واجب العزاء في وفاة أحد المراجع الدينية الإيرانية. وفي العام الذي تلاه، عُقد اجتماع بين بطرس غالي وزير الدولة للشؤون الخارجية المصرية وعلي أكبر ولاياتي في بلغراد. وفي العام 2003 عقد قمة بين الرئيسين مبارك وخاتمي وبعد الثورة المصرية والاطاحة بالرئيس مبارك زار الرئيس محمد مرسي ايران وزار الرئيس احمدي نجاد مصر. وفي عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي التقى العام الماضي بوزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان في الأردن على هامش قمة بغداد 2. ثم بدأت هذا العام اللقاءات بين مسؤولين في البلدين في بغداد وفي مسقط لبحث إعادة العلاقات بشكل كامل..
بشكل جازم ثمة حبل مشيمة يجمع بين ايران ومصر هو خليط من التاريخي والحضاري والثقافي، لم تستطع الظروف السياسية والتحالفات الإقليمية والدولية، والقوى المهيمنة، والمصالح المتضاربة على قطعه بشكل نهائي، لكنها بالمقابل منعت ان يكون عاملا مساعدا لعلاقة طبيعية بين البلدين. تعرف مصر مصالحها جيدا، ولديها عين فاحصة تتلمس بها تغيرات البيئة الإقليمية والدولية. وتعرف طهران كذلك مدى أهمية ان تكون العلاقات المصرية الإيرانية جيدة بالمعنى الجيوسياسي. لذلك قد نكون شهودا على هذه اللحظة التاريخية قريبا جدا.
كاتب واعلامي
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم