ريم هاني
دأب المسؤولون الإيرانيون، منذ الأيام الأولى التي تلت الهجوم الإسرائيلي على بلادهم، والذي وصفه عدد من المراقبين بـ«المحدود»، وذهبوا حدّ اعتباره «نهاية» التصعيد بين تل أبيب وطهران، على التشديد على ضرورة عدم «التقليل» من شأن الاعتداء على الأراضي الإيرانية، رغم الادعاءات الإسرائيلية «الكاذبة» الهادفة إلى «تضخيمه»، ما أنذر بوجود رغبة سياسية فعلية، داخل طهران، في الردّ على الاعتداء المشار إليه، رغم محاولة حلفاء تل أبيب، وعلى رأسهم واشنطن، إقناع طهران بـ«الاكتفاء» بهذا القدر من الجولات المتبادلة مع الكيان. وبالفعل، بدأت، أخيراً، التصريحات الرسمية الإيرانية تؤكد اقتراب الرد، وكان آخرها ما جاء على لسان القائد العام لـ«الحرس الثوري»، اللواء حسين سلامي، الذي أكد، الخميس، أنّ إسرائيل «أخطأت» مرة جديدة، وأنها سوف «تتذوّق رداً لا يمكن تصوّره»، بعد عملية «الوعد الصادق 2»، التي فضحت عمل «الدرع الصاروخي» الإسرائيلي، على حدّ تعبيره. كذلك، توعّد محمد محمدي، رئيس مكتب المرشد الإيراني، أخيراً، بردّ «قاسٍ ومؤلم» على الكيان.
توعّد رئيس مكتب المرشد الإيراني أخيراً بردّ «قاسٍ ومؤلم» على الكيان (أ ف ب)
وعلى المقلب الآخر، نشرت وسائل إعلام غربية وإسرائيلية معلومات تشير إلى أنّ طهران تعتزم شنّ هجومها «في غضون أيام قليلة». وفي السياق، أفاد موقع «أكسيوس»، نقلاً عن مسؤولَين إسرائيليين، بأنّ المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية تشير إلى أن إيران «تستعد لمهاجمة إسرائيل من الأراضي العراقية في الأيام المقبلة، قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية». وبحسب المعلومات المشار إليها، «من المتوقع أن يتم تنفيذ الهجوم من العراق، باستخدام عدد كبير من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية»، فيما قال مسؤول أميركي للموقع إنّ «إيران قادرة على القيام باستعداداتها بسرعة، في حال قررت أنّه سيتم تنفيذ الهجوم قريباً»، مشيراً إلى أنّ واشنطن «لا تعرف» ما إذا كان قد تم اتخاذ القرار بالفعل. كذلك، نقلت شبكة «سي أن أن» الأميركية، عن «مصدر رفيع»، قوله إنّ الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على إيران «ستقابل برد نهائي ومؤلم»، من المرجح أن يأتي قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية. كما نقلت الشبكة، في وقت لاحق، عن مصدر عسكري إسرائيلي قوله إنّ إسرائيل في «أعلى مستويات الجهوزية للرد على الهجوم الإيراني المحتمل».
ومن جهتها، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين قولهم إنّ «المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، أصدر تعليماته إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، الإثنين، بالاستعداد لمهاجمة إسرائيل»، بعد مراجعة «تقرير عن الأضرار» التي تسبب فيها الهجوم الإسرائيلي، تبين من خلاله أنّه «من غير الممكن تجاهل» هذه الأخيرة. على أنّه على عكس التقييمات الإسرائيلية، أردفت المصادر نفسها أنّه من المتوقع أن يقع الهجوم بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية كي «لا يكسب المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، أي أفضلية في السباق». كما نقلت الصحيفة عن سينا أزودي، الخبيرة في شؤون الجيش الإيراني والأستاذة المساعدة في جامعة «جورج واشنطن»، أنّ إيران تبدو مستعدة «للمخاطرة» في ما يتعلق بالرد، لأنّ الأهم بالنسبة إليها أن لا «تبدو في موقع ضعف»، وتحافظ «على مصداقيتها في الداخل والخارج».
لن تسمح طهران بتمرير الرد الإسرائيلي من دون «ترسيخ» الردع في ما يتعلق باستهداف أراضيها
وينسحب الرأي المشار إليه على عدد من المحللين الذين يرون أنّ طهران لن تقبل بمرور الاستهداف الإسرائيلي من دون أن ترسّخ معادلة الردع، في ما يتعلق بمنع استهداف أراضيها. وفي هذا الإطار، أورد موقع «ريسبونسبل ستيت كرافت»، نهاية الشهر الماضي، تقريراً جاء فيه أنّ طهران تعتقد، على الأرجح، أنّ الامتناع عن الرد سيكون بمنزلة «تطبيع» مع الهجمات الإسرائيلية على طهران أو أي من المدن الإيرانية الأخرى، ويؤدي إلى محو الخطوط الحمراء القائمة. وبحسب أصحاب هذا الرأي، فإنّ السؤال المطروح حالياً في أذهان صناع القرار في طهران، هو أنّه في حين أن الضربات السابقة لم تستهدف، حتى الآن، إلا الأهداف العسكرية، فما الذي سيثني إسرائيل «عن استهداف البنية التحتية الاقتصادية في المرة القادمة، في ظلّ غياب أي ردع موثوق؟»، ما يجعل العودة إلى الوضع الذي كان قائماً بين تل أبيب وطهران، قبل السابع من أكتوبر العام الماضي، «غير كافٍ»، من وجهة نظر الأخيرة. ويشير التقرير إلى أنّ التحذيرات الصادرة عن قوى غربية، لا سيما من بريطانيا وألمانيا، تفقد «وزنها»، مع استمرارهما في تقديم دعم غير مشروط تقريباً لما يقولون إنّه «حق إسرائيل في الدفاع عن النفس»، والاكتفاء بـ«التشدق» بضرورة احترام إسرائيل لـ«القانون الدولي وقوانين الحرب»، مضيفاً أنّه في حال عدم تغير ذلك النهج، فإنّ التحذيرات الأحادية الجانب من قبل تلك الأطراف لطهران، ستظل تُقابل بـ«آذان صماء»، وتؤدي إلى الحكم على الإستراتيجية والديبلوماسية الأوروبية، باستمرار، بأنّها «ليست ذات صلة». وفي حين يولي عدد من المراقبين أهمية خاصة للانتخابات الأميركية، في ما يتعلق بـ«تشكيل» الحرب في الشرق الأوسط، بما يشمل التصعيد بين إسرائيل وإيران، يحذّر مراقبون، في مقال رأي أوردته صحيفة «واشنطن بوست»، من أنّه في مدة ما بعد الانتخابات، وحتى شهر كانون الثاني كحد أدنى، فإنّ المشكلات في الشرق الأوسط ستكون «شبيهة» بما نراه حالياً؛ إذ من المرجح أن تستمر الأعمال العدائية في غزة، حيث قُتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين ونزح الملايين، وأن تستمر الحرب في لبنان، وتتزايد «الشكوك» داخل الدول العربية، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، في إمكانية التوصل إلى خطة ذات معنى لـ«اليوم التالي» في القطاع، فيما من المرجح، على الضفة نفسها، أن «يحتدم» الصراع بين إسرائيل وإيران، والذي قد يصل حدّ «الغليان».
سيرياهوم نيوز١_الاخبار