تزداد الأعباء المعيشية على المواطن السوري جراء الارتفاع غير المنضبط والمنطقي للأسعار تبعاً لانخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار، الأمر الذي يرتب مسؤوليات إضافية أمام الحكومة والجهات التنفيذية لتخفيف هذه الأعباء وعدم الاكتفاء بالخطوات الجزئية أو الآنية التي سرعان ما يزول تأثيرها على الأسواق.
إن الأخطر من مسألة ارتفاع الأسعار أن تظهر الحكومة وأدواتها عاجزة عن فعل شيء تجاه هذا الواقع الذي يعطل جانباً مهماً من النشاط الاقتصادي والاجتماعي، ويترك المستهلكين عرضة للاستغلال الجشع من التجار بفئاتهم المختلفة.
لا شك أن المواطن السوري يدرك الضغوط الاقتصادية العدوانية على سورية وعواقب الحصار الاقتصادي والمالي وسرقة الولايات المتحدة وميلشياتها للموارد السورية، ولكن يرفض بشكل قاطع ألا يحاسب من يقوم بمساعدة الأعداء على زيادة معاناته المعيشية.
جميع دول العالم عندما تتعرض للعدوان كما هو الحال في سورية تتخذ إجراءات صارمة في موضوع السلع الأساسية التي توفر الحياة المقبولة للشرائح الواسعة من المجتمع، وتقوم الحكومات بالعمل على توفيرها والرقابة الصارمة على بيعها ومنع استغلالها مسخرة كل أدواتها القانونية والتنفيذية لهذه الغاية، ولكن ذلك لا يلمسه المواطن على أرض الواقع بشكل فاعل في كل الجوانب.
واقع الأسواق المحلية اليوم تجاوز حالة الرقابة إلى الفوضى، وبات لزاماً على الحكومة التفكير بخيارات جدية وسريعة عوضاً عن الآنية والاستثنائية التي ترهق المؤسسات، ولا تحقق الغاية المنشودة، وهذا الأمر أشبه بمعركة وليس أمام الحكومة إلا خوضها والفوز بها.
إن المطلوب من الحكومة اليوم حصر السلع الأساسية للمواطن السوري وفي مقدمتها أولوية السلع الغذائية والعمل على أخذ المبادرة في الإشراف على استيرادها وبيعها وتوزيعها بشكل عادل وعلى المستحقين وفرض إجراءات قانونية وعقابية صارمة على المستغلين أو المتلاعبين ببيع هذه السلع.
قد يرى البعض أن مثل إجراء كهذا أشبه بالمستحيلات في ظل العقوبات الاقتصادية على سورية والمتابعة الآنية من أعداء سورية لنشاط الحكومة التجاري مع العالم، وهذا يحمل كثيراً من الصحة، ولكن ليس أمام الحكومة في ظل معركة ارتفاع سعر الصرف والتأثير السلبي للتطورات الاقتصادية والسياسية في لبنان إلا البحث عن حل تعتمد فيه على فئة من التجار القادرين على توريد السلع الأساسية ومن ثمَّ إدارة توزيعها وبيعها وضبط أسعارها في الأسواق.
وكذلك الأمر على الحكومة والسلطات التنفيذية أن تشدد رقابتها على السلع المنتجة محلياً والتي تنخفض في إنتاجها المواد الأولية المستوردة دون العشرين في المئة، فمن غير المقبول أن تواكب مثل هذه السلع الارتفاع الحدي للدولار وتحقيق أرباح عالية على حساب المستهلكين، بينما تعفى من الضرائب أو تدفع ضرائب قليلة، والمقصود هنا السلع الغذائية والحيوانية والزراعية.
إن إعادة النظر بدراسة كلف أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية أصبحت ضرورية لتتمكن الحكومة من العمل على تلافي الثغرات التي تؤدي إلى ارتفاع سعر أي سلعة محلية، فمن غير المقبول أن تساوي كلفة الشحن أو النقل ما نسبته من 20 إلى 40 بالمئة من القيمة السعرية لبعض السلع المنتجة محلياً.
وأيضاً من غير المنطقي أن يبيع بعض التجار (جملة أو مفرق) السلع التي تمول من البنك المركزي بسعر السوق السوداء للدولار، وأن يقوم بتحديث سعري وفقاً لذلك صعوداً ولا يفعل ذلك نزولاً.
لا شك أن الحكومة والمواطن شريكان في تجاوز تحدي فوضى الأسعار، وإن كانت المسؤولية الأساسية تقع على الجهات المعنية، فيمكن للمواطن أن يسهم في مساعدة السلطات التنفيذية بملاحقة المخالفين والجشعين والمحتكرين، وهذا يسهم بشكل مباشر في ضبط الأسواق وتقديم المخالفين للقضاء.
إن توفير الحاجات الأساسية للمواطن يجب أن تكون لها الأولوية في كل نشاط للحكومة، ولا معنى لأي أنشطة ونجاحات أخرى ما دامت هذه المشكلة تتفاقم والحلول جزئية أو معدومة، وعلى الحكومة أن تبادر سريعاً لمعالجة وضع بعض السلع التي يؤثر ارتفاع سعرها أو فقدانها بشكل خطير على حياة الناس.
(سيرياهوم نيوز-الثورة7-3-2021)