آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » القدس مدينة للتعايش المشترك وحاضنة للديانات السماوية … دعوة لتعظيم دور المثقف والمؤسسات العلمية والثقافية لمواجهة الأفكار المناهضة للإنسانية

القدس مدينة للتعايش المشترك وحاضنة للديانات السماوية … دعوة لتعظيم دور المثقف والمؤسسات العلمية والثقافية لمواجهة الأفكار المناهضة للإنسانية

مصعب أيوب

 

إيماناً من الأب إلياس زحلاوي بقدرة الثقافة والقراءة على إحداث التغيير ورغبة منه في أن يسهم الكتاب الذي ألفته الباحثة الفرنسية أملي ماري غواشون تحت عنوان «القدس ما عادت المدينة الشاملة» في صحوة العرب، قدم الأب زحلاوي الكتاب مؤكداً من خلاله أن القدس مدينة الروح الكونية وأنها منذ لحظات احتلالها الأولى تعرضت وتتعرض لما تشهده اليوم غزة في زمن طوفان الأقصى من محاولات تدمير وإلغاء وإبادة وتزييف تاريخ وما إلى ذلك.

 

إرث ديني وتاريخي

 

 

 

وفي المؤلف الذي ترجمه محمد الدنيا إثبات أن إسرائيل لا تؤمن بالمشاعر وما أضحى بالنسبة لها مسلمة هو أن جاذبية إرث القدس الديني والتاريخي يعتبر مورد استثمار مكثفاً، كما أن جمال مشاهدها ومناظرها البانورامية هو بضاعة للبيع بغرض الحصول على عملات أجنبية، وبات من الطبيعي وجوب استمرار حل المشكلات المالية والسياسية العابرة من خلال الإنشاءات المتواصلة، إلا أن من شأن الحجارة والإسمنت المسلح أن يطيلا أمد الصعوبات المؤقتة في ميزان المدفوعات التجاري.

 

كما أنه في أيام المصادرات لم تكن العرب تعرف ما الذي تريده إسرائيل من الأراضي، فبدأت عمليات البناء، وابتدأ الإنشاء جدياً على التلال عام ١٩٧٠ وقد باتت موضع نزاع شديد في العام الذي تلاه، وقد وصفته حكومة الاحتلال بأنه يرتكز إلى ضرورات وطنية، وهو ما يعني ضرورة وجود استيلاء يهود، ثم راحت الوحدات السكنية تتراصف واتخذ ذلك شكل جدار على شكل سور غير متصل الأجزاء.

 

رواية السلام الإسرائيلية

 

كما نوهت غواشون بأنه بعد أن دعت الجمعية العامة للأم المتحدة ومجلس الأمن واليونسكو إسرائيل إلى إبقاء المدينة على حالها وعدم تغيير أي شيء من تاريخها وآثارها وأوابدها ومعالمها الثقافية، كانت ترد إسرائيل دائماً بأن هذا ما تسعى له تماماً، منطلقة من أن سياستها تقتضي الحفاظ على المعالم العامة ووحدة وسلام المدينة وممتلكاتها وتسهيل الوصول إلى الأماكن الدينية وحفظ جوانبها الدينية والثقافية والفنية والتاريخية.

 

وهو ما عكسته إسرائيل بأن اتخذت سياسة الضم للحفاظ على المدينة وطرد العرب لتحقيق السلام في سبيل إحلال جماعة وحيدة يهودية وتسهيل الوصول إلى الأماكن الدينية حسب رؤيتها كان بهدم البيوت.

 

تعهدات ومواثيق زائفة

 

وفي إشارة إلى عدم التزام إسرائيل بالمواثيق والتعهدات التي تبرمها أمام المجتمع الدولي والأمم المتحدة، تأكيداً على أنه وفقاً لمواد كثيرة من المواثيق التي صادقت عليها إسرائيل، فإن تسوية الخلافات الدولية من المفترض أن تتم بالوسائل السلمية، ومنعت اللجوء إلى التهديد أو القوة والعنف سواء ما يخص وحدة الأرض أو الاستقلال السياسي لكل بلد، ولكن فيما يخص حرب ١٩٦٧ فلم تلتزم إسرائيل بالمواثيق ولم تقبل بقرارات مجلس الأمن واستبدلتها بالغزو بالسلاح، وقد سارت إسرائيل وفق ما يحلو لها واستخفت بالمطالب الدولية وبالحديث عن واحد من قرارات الأمم المتحدة المهمة، وقد عمدت إلى سياسة الأمر الواقع التي ظنت أنها ستنجح لبعض الوقت وتعزز مصالحها، ولكن حقيقة الأمر أن إسرائيل خلقت لنفسها نقمة متنامية ووضعاً خارجياً وداخلياً بالغ التأثير، وهو ما أكده الملك حسين في خطاب له في واشنطن ١٩٧٠ مشيراً إلى أن الشر كله لا يأتي من انتهاك مبدأ أساسي من مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ؛ أي عدم جواز الاستيلاء على أراض بالحرب.

 

لم يحلُ لإسرائيل الاعتراف بأن سلب الأراضي التي غزيت خلال حرب الأيام الستة ١٩٦٧ بأنه غير شرعي وهو ما وقعت عليه وفقاً لقوانين عدة حين قبول عضويتها في الأمم المتحدة، وقد كان ممثلو إسرائيل يصرون دائماً على تخفيف حدودها كلما ذكرت لأنها تتعارض تماماً مع الأفعال الإسرائيلية في الأراضي المحتلة ولاسيما فيما يخص القدس وسكانها.

 

حفريات وتنقيبات

 

بدأت التنقيبات في الحي اليهودي الذي قطنه اللاجئون العرب ١٩٤٨ بعد أن احتل الإسرائيليون أراضيهم ولزم ذلك مصادرة الأراضي وتهجير السكان لسنتين إلى أن تمكن علماء الآثار من العمل، وقد عثر على بقايا من زمن الهيكل الأول والتحصينات التي سبقت غزو نبوخذ نصر وبقايا من زمن الهيكل الثاني وبقايا قصر بيزنطي، والكنيسة المكرسة للسيدة العذراء، وبدت الفترة الرومانية واضحة على شكل أحياء بقيت محفوظة بشكل ممتاز.

 

قرن من التنقيبات المثمرة كان قد سبق الحفريات الإسرائيلية وأنها أنجزت بشكل علمي من دون نزع ملكية أراض من السكان ومن دون هدم للمنازل بالبلدوزرات، ولكن إسرائيل كانت سياستها السلب والاقتطاع والانتهاك ولا يرضيها إلا أن تضع نفسها في مرمى الانتقادات والشك.

 

باحثة فرنسية

 

أما عن كيفية اكتشافه للكتاب يفيد الأب إلياس زحلاوي أنه كان بصدد ترجمة مقال من الفرنسية للباحثة أميلي ماري غواشون بعد أن كلفته وزارة الثقافة ذلك عام ١٩٧٤ وكان أن حصل ذلك ونشر المقال على دفعتين في مجلة المعرفة ومجلة المسرة، وبعد عامين سافر زحلاوي إلى باريس للعمل والعلاج والتقى الباحثة الفرنسية البالغة من العمر ما يقرب الثمانين والتي عشقت الثقافة العربية والشرقية والمختصة بالفلسفة الإسلامية، وقد قدمت له في ذلك اللقاء هذا الكتاب بعد أن روت له خبرة مريرة، وبعد تجارب عدة محدثة إياه عن خشيتها من ضياع القدس وضياع الوجود العربي كله، مشيرة إلى أنها استهجنت عدم وجود أستاذ عربي كفوء يحل محلها بعد أن تتقاعد في جامعة السوربون إذ كانت تدرّس تاريخ الحضارات الشرقية، وفي حقيقة الأمر لم تظفر بمنالها الذي رنت إليه لئلّا يؤول ذلك المنصب لأستاذ يهودي ولكن عبثاً حاولت.

 

تعايش مشترك

 

في التقديم الذي وضعه رئيس اتحاد الكتاب العرب د. محمد الحوراني أوضح أن مدينة القدس من أهم الحواضر العربية والإسلامية التي قدمت نموذجاً مثالياً للتعايش المشترك بين أبناء الديانات المختلفة، فهي تحمل عمقاً إنسانياً وحضارياً استطاعت من خلاله أن تستقبل مختلف الأجناس والأعراق، فهي أتاحت الفرصة أمام كل الأديان بممارسة طقوسها على اختلافها، مشيراً إلى أن حضارتها ضاربة جذورها في عمق التاريخ، ولكن الاحتلال الإسرائيلي أراد لها التدمير والخراب وسعى إلى تشويهها والقضاء على قيم التنوع والمحبة والتسامح فيها، ليبين لنا أننا أمام حالة جديدة لا بد للكتاب والمؤلفين من أن يشتغلوا عليها للتأسيس لحالة تشارك بشكل حقيقي بالفعل المقاوم على الأرض.

 

الخلاصة

 

ففي الكتاب دعوة للتباهي بالمقاومة الفلسطينية التي أظهرت الكيان الصهيوني على حقيقته ولاسيما في حروب الإبادة التي لا يشبعها، ودعوة ملحة لتعظيم دور المثقف والمؤسسات العلمية والثقافية على حد سواء للتذكير بمجازر الاحتلال وانتهاكاته، ولاسيما أن مثل هذه المؤلفات تدعم الفعل المقاوم وتعري الرواية الإسرائيلية الباطلة ويشكل توضيحاً كبيراً لما يدور في فلسطين منذ وقوعها تحت الاحتلال إلى اليوم، فحمل الكتاب الكثير من الأفكار المناهضة للإنسانية، ليحمل رسالة الأدب المقاوم ويعكس حركة المقاومة على أرض الواقع.

 

وقد تضمن الكتاب في آخر عشرين صفحة منه ألبوماً للصور عن بعض الكنائس والمساجد والمواقع التي دمرت وبعض الأحياء والشوارع والأبواب الأثرية والمدارس والقبور وحتى الخرائط.

 

يذكر أن الكتاب تم طرحه ضمن لقاء ثقافي أقامه اتحاد الكتاب العرب بمناسبة يوم القدس العالمي والذي صادف الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، وهو من مطبوعات الاتحاد ومؤسسة أرض الشام، كما أنه يحوي ما يزيد على أربعمئة صفحة.

 

سيرياهوم نيوز1-الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حفر اسمه بأحرف من نور نجماً متلألئاً في سماء الإبداع والتميز … عبد اللطيف عبد الحميد.. عاشق السينما السورية وعلامتها الفارقة … حقق فيلم «رسائل شفهية» نجاحاً جماهيرياً كبيراً سيبقى في ذاكرة السوريين طويلاً

وائل العدس   كان عاشقاً للسينما حد الثمالة، تعامل معها كامرأة وحيدة في حياته، أعطاها كل جهده، لم يبخل عليها بشيء، فنجح في حفر اسمه ...