أمیر دبیری مهر
في تاريخ العلاقات الدولية، دائماً ما تترك الحروب آثاراً مهمة وعمقية على الدول المتورطة فيها. فهي تؤثر على الحكومات وطريقة حكمها، وعلى الشعوب وثقافات المجتمعات. لذلك، يقول بعض الخبراء إن الحروب، بالإضافة إلى التدمير والقتل والعنف الذي يمثل الوجه القبيح، لها أيضاً وجه إيجابي وبناء، وهو تحديد نقاط الضعف وطرق تعزيز القوة الوطنية. عندما يواجه أطراف الحرب حقائق كانوا يرفضون قبولها سابقاً، ومع وقوع الحرب، يعودون إلى رشدهم كما يُقال، ثم يسعون بعد ذلك للعمل بذكاء وحكمة أكبر، لكي يتجنبوا أولاً الحروب الجديدة من خلال زيادة الردع، وثانياً، في حال فرض حرب من قبل عدو معتدٍ، يمتلكون القدرة على مواجهتها.
أمثلة تاريخية على غزوات إيران
على سبيل المثال، في القرن الماضي، تعرضت إيران للغزو من قبل أعداء خارجيين ثلاث مرات: المرة الأولى عام 1941 خلال الحرب العالمية الثانية (حيث احتلت قوات بريطانية وسوفياتية أجزاء من إيران لمدة حوالي 5 سنوات، حتى عام 1946)، والمرة الثانية في عام 1980 على يد نظام البعث العراقي، والمرة الثالثة عام 2025 على يد إسرائيل. في الحرب العالمية الثانية، أدرك رجال السياسة الإيرانيون أن استبداد رضا شاه، رغم قدرته على إنشاء البنى التحتية الاقتصادية والإدارية لإيران الحديثة داخلياً، إلا أنه لم يكن قادراً على مواجهة العدو الخارجي. هذه التجربة المرة جعلت إيران تعزز قواتها العسكرية والاقتصادية وتطور تعاونها الدولي في عهد محمد رضا شاه، مما جعلها لمدة 38 عاماً غير مرغوبة لأي دولة معتدية.
بعد الثورة الإسلامية عام 1979، اعتقد صدام حسين أن الجيش الإيراني، خاصة بسبب إعدام وفرار قادته العسكريين الكبار، قد انهار تنظيمياً، وأنه يمكنه احتلال المناطق العربية في إيران، فدخل الحرب. ورغم الدعم المتزامن من الولايات المتحدة وروسيا لبغداد، لم يتمكن من الفوز في الحرب، لأن الشعب الإيراني وقف متحدًا وطنياً للحفاظ على سلامة أراضيه أمام العدو المعتدي لمدة 8 سنوات.
فترة السلام الطويلة واستعدادات إيران
في الـ37 عاماً الأخيرة، أي بين عام 1988 (عام انتهاء حرب إيران والعراق) وعام 2025 الذي هاجمت فيه إسرائيل إيران، كانت إيران والولايات المتحدة، وإيران وإسرائيل، وحتى إيران وطالبان على أعتاب مواجهة عسكرية مرات عديدة، لكنها لم تحدث حرب، لأن إيران اعتمدت على تجاربها التاريخية السابقة: أولاً، لم تكن ميالة للحرب، وثانياً، استثمرت بشكل واسع في المجال العسكري والدفاعي لتكون جاهزة لأي مواجهة محتملة، وكانت الأجهزة الاستخباراتية الأميركية والإسرائيلية على علم بهذه الحقيقة.
حرب الـ12 يوماً: الكشف عن القوة والضعف
في حرب الـ12 يوماً في يونيو/حزيران 2025، التي قيل إن خطتها تم رسمها وتصميمها منذ سنوات، ظهر ضعف نظام الدفاع الجوي الإيراني (مما أدى إلى إقالة قادة القوات الجوية للجيش وقيادة الدفاع الجوي في إيران)، لكن قوة الصواريخ الهجومية الإيرانية أصبحت واضحة لجميع المراقبين الدوليين. في الحرب الأخيرة مع إسرائيل، كان عدد الصواريخ الإيرانية التي تخترق نظام الدفاع الإسرائيلي المعروف بـ”القبة الحديدية” (Iron Dome) و”مقلاع داود” (David’s Sling)، تتزايد كل يوم، وزادت قدرتها التدميرية، إلى درجة أن معهد وايزمان الاستراتيجي (Weizmann Institute of Science، وهو مركز بحثي علمي واستراتيجي) في مدينة رحوفوت الإسرائيلية تم تدميره أيضاً. هذه الحقيقة اكتسبت رضا عدد من الحكومات والشعوب العربية في المنطقة بحجة أن دولة في الشرق الأوسط تمكنت لأول مرة، دون أي خوف، من مهاجمة الأراضي المحتلة بشكل مدمر. لم تقتصر إيران على استهداف إسرائيل فحسب، بل هاجمت أيضاً قاعدة العديد الأميركية في قطر.
إعادة بناء القوة العسكرية الإيرانية
بعد الحرب، خصصت إيران كل طاقتها لإعادة بناء قدراتها الدفاعية، وفي هذا الصدد، تم التوصل إلى اتفاقات مع الصين. من ناحية أخرى، رغم أن 6% فقط من مواقع إطلاق الصواريخ الإيرانية تضررت في الحرب، إلا أن طهران تعمل على تعزيز هذه المواقع للحرب المحتملة في المستقبل، إلى درجة أن يُقال إن إيران لديها خطة قيد التنفيذ لإطلاق 2000 صاروخ في وقت واحد نحو إسرائيل في حال وقوع صراع جديد.
وبناءً على ذلك، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في زيارته الأسبوع المقبل إلى الولايات المتحدة ليصور قوة الصواريخ الإيرانية كتهديد خطير ضد أميركا وأوروبا، ليمهد الطريق لمشاركة أميركية في هجوم جديد على إيران. في أذهان صناع القرار الإسرائيليين، لا يمتلك نظام الدفاع الجوي الإيراني القدرة الدفاعية اللازمة أمام الطائرات المتطورة جداً مثل F-35، لكن منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية يمكن أن تلحق بإسرائيل ضرراً لا يمكن تعويضه، لذا تسعى تل أبيب إلى إضعاف أو تدمير هذا الجانب من القوة العسكرية الإيرانية.
الجوانب غير العسكرية: التحديات الداخلية
أما بخلاف الجانب العسكري، فإن حرب الـ12 يوماً لم تنجح في دفع الجمهورية الإسلامية، كما كان متوقعاً، نحو إعادة النظر في طريقة تعاملها مع المجتمع والشعب. كان الكثيرون يتوقعون استمرار الانفتاح السياسي والاجتماعي والثقافي الذي حدث في إيران خلال الثلاثة أشهر التالية للحرب، لكن يبدو أن مع مرور الوقت وانخفاض التهديدات الخارجية، ينوي صناع القرار في الجمهورية الإسلامية العودة إلى أيام ما قبل الحرب. هذه السياسة أدت إلى عدم الرضا واحتجاجات بين الشعب، خاصة أن الوضع الاقتصادي في إيران أصبح مقلقاً جداً.
ويقول الخبراء إن حرب الـ12 يوماً كشفت أن الجمهورية الإسلامية لا تستطيع البقاء بدون دعم ومساندة الشعب، وإذا انقلب الشعب عن النظام لأي سبب، مع الأخذ بعين الاعتبار التحالف الجديد بين إسرائيل وأميركا ضد طهران، فإن احتمال سقوطها وانهيارها في مستقبل غير بعيد وارد. لذلك، الدرس الأهم الذي يجب أن تتعلمه الجمهورية الإسلامية من حرب الـ12 يوماً هو الاعتماد على الشعب، والاستماع إلى مطالبه، وفهم التغييرات الاجتماعية والثقافية، واتخاذ الإجراءات اللازمة المتوافقة معها داخل النظام السياسي.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
