آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » المارونية السياسية في لبنان “أعدقاء” في الميزان

المارونية السياسية في لبنان “أعدقاء” في الميزان

كمال خلف

بينما كنت أقلّب في الهاتف المحمول كما هي عادة جُل سكان الأرض في هذه العصر من حياتنا مع التكنولوجيا، مر أمامي مقطع فيديو لأحد القياديين المحسوبين على حزب القوات اللبنانية “هو حزب مسيحي ماروني” يتّخذ أقصى حدود اليمينية في السياسية، أو ما كان يطلق عليه في مرحلة تاريخية “الانعزالية”. لفت انتباهي جملة من مجمل الهرطقة السياسية والاجتماعية التي كان يتحدّث بها الرجل. وهي قوله إننا في هذه الأرض وأنا ماروني من 1600سنة ولا يمكن لمجموعة مسلحة أن تلغينا. طبعا يقصد حزب الله الذي لم يعلن يوما انه يريد ان يلغي احدا في لبنان. انما ظل متلقيا للهجمات الداخلية والمؤامرات وحملات التشويه والشيطنة والاتهامات بصمت وحكمه، وعينه على الحدود.

لكن هذه الجملة للقيادي القواتي أعادتني إلى كتاب قرأته منذ زمن “للكاتب عبد الله أبي عبد الله” استعرض فيه نشأت الموارنة وعصرهم الذهبي داخل الإمبراطورية الرومانية وامتدادها في الشرق، وثم انحسار انتشارهم الذي كان يمتد الى وسط سورية نحو جبال لبنان بعد غزوات البيزنطيين من جهة ووصول الفتح العربي الى سورية والبقاع والجنوب والساحل. اعتصم الموارنة حينها في جبال وعرة وصعبة الوصول والغزو، وانضم اليهم بقايا الحاميات الرومانية من جراجمة، ومردة “. لم يستطع الجيش العربي الاموي اقتحام تلك الجبال، وهو المعتاد على حروب السهول. وكبديل عن الفتح العسكري ابرم الخلفاء العرب معاهدات مع قادة المارونية و بقيت هذه السلالة محافظة على نوع من الاستقلال الذاتي والتكتل الاجتماعي منذ الحكم العربي 636م، حتى دخول المماليك لبنان 1305م. وما بعد ذلك التاريخ.

في المقابل ظل ثمة رابط عبر التاريخ بين المارونية السياسية بشكلها القديم والمعاصر والقوى الاوربية المسيحية باشكالها التاريخية. فتحالفوا مع الروم لضرب الدولة العباسية، واغاروا على التخوم العربية لصالح الفرنجة وانضموا للحملات الصليبية وغيرها من الاحداث عبر عصور متتالية. ويمكن الاستنتاج من ذلك ان الانتماء المسيحي من مصدره الروماني والجذور التاريخية للمنتمين للواء البطرياركية المارونية في العصر الروماني مشكلين جيشها الصلب على سفوح جبال لبنان وبين اخاديده، كان حائلا للاندماج الكامل مع تقلبات الحقب في المنطقة العربية. فوقف الموارنة ضد الفتح العربي مثلما وقفوا ضد المشروع القومي العربي الذي قاده الرئيس جمال عبد الناصر بعد ذلك بقرون. وبتالي طابع التغريب لدى النخبة السياسية المارونية ليس وليد التاريخ المعاصر. وما المواقف السياسية اليوم لقادة الأحزاب السياسية في لبنان سوى امتداد لجذر تاريخي تم توارثه عبر أجيال.

لم تكن المارونية السياسية في لبنان صديقة للشعب الفلسطيني، في مراحل تاريخية مبكرة من عمر النكبة الفلسطينية، حتى قبل ان يحمل الفلسطيني السلاح، ولأسباب متعددة منها ماهو مرتبط بالانا السياسي الجغرافي وكراهية الغريب، خاصة ان كان هذا الغريب من المحيط القريب العربي.

 وبكل الأحوال مفهوم الغريب او الاخر كان ينطبق وفق منظور المارونية السياسية على اهل البلاد من طوائف اخرى. وليست مصطلحات دارجة اليوم في لبنان في وسائل اعلام وعلى لسان نخب سياسية مارونية ” من قبيل “لا يشبهنا”، او” نريد لبنان يشبهنا ” او التهجم على ثقافات مجتمعات وطوائف أخرى بذريعة انها لا تشبهنا ” الا تجسيد يومي لهذا المفهوم.

ومنها طبعا ما هو مرتبط بجذر النشأة والتكوين وظروف حكم لبنان في بداية اعلان نشأته باسم لبنان الكبير عام ١٩٢٠.

 كان الفرنسيون يأملون في إقامة وطن قومي للموارنة، مقابل الوطن القومي لليهود الذي كانت بريطانيا تعمل على ولادته في فلسطين. مع فارق كبير هو ان الموارنة من اهل الأرض الاصلاء، وليسوا طارئين عليها كما المهاجرون اليهود.

 كان يمكن ان تكون حدود تلك الدولة ضمن النطاق الجغرافي التاريخي الماروني ” حدود متصرفية جبل لبنان “. لكن الجنرال غورو خالف مستشاري الانتداب الفرنسيين ووسع حدود الدولة الى الحدود الراهنة. كانت ربما وصفة “غورو” تهدف الى معاقبة سورية المتمردة او إيجاد مقومات لدولة تحتاج الى السهول الزراعية والساحل والامتداد نحو حدود الدولة اليهودية التي كانت بريطانيا قد أعطت وعدا بها. لكنها في المحصلة حملت في طياتها الصراع الدامي الذي شهده لبنان خلال القرن الماضي. واسس لدولة قائمة على لعنة الطائفية السياسية التي حلت على أجيال لبنانية.

 لم يقبل المسلمون ان يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية وان تكون الدولة مسيحية مارونية، استغل المسلمون خروج الاحتلال الفرنسي وبروز المشروع العربي بعد ثورة الضباط الاحرار في مصر وبداية الطروحات الوحدوية العربية، واندلعت اول حرب أهلية في لبنان عام 1958. وتلتها الحرب الاهلية عام 1975 التي اشتركت فيها قوى الثورة الفلسطينية. تحالفت القوى المارونية مع إسرائيل والولايات المتحدة لاخراج المنظمة عام 82. ثم كانوا نواة حركة سياسية داخلية مدعومة من الخارج أخرجت الجيش السوري من لبنان عام 2005. وكان من الطبيعي وفق مقياس المسار والفكر السياسي التاريخي ان يتجهوا نحو سلاح حزب الله وقوته.

لا يهتم الفكر السياسي الماروني ان كان سلاح المقاومة اللبنانية يحقق الردع ضد اسرائيل او يحمي الحدود او يحقق معادلة توازن عسكري على مستوى الإقليم، المهم هو التوازن الداخلي ضمن عقلية التفوق الماروني والبلاد التي هي لنا، ولسنا الأقوى فيها من ناحية ومن ناحية أخرى هذا السلاح يحاربه الغرب أوروبا والولايات المتحدة. هذا هو منشأ الهجمات التي تشنها اليوم قوى مثل حزب الكتائب او القوات اللبنانية او الاحرار او غيرها من القوى ذات القيادة السياسية المارونية على حزب الله وسلاحه تحت شعارات بناء الدولة او الحياد او غيرها من الصيغ السياسية التي لا تعكس حقيقة جوهر الفكر.

ويجب الاعتراف ان المارونية سواء السياسية او الروحية ليست طارئه او عابرة، هم أبناء هذه الأرض ولهم جذور فيها ولهم ثقافة وتاريخ. وتمثل الكنيسة المارونية منارة روحية وفكرية لنشر تعاليم يسوع المسيح الداعية للتسامح والاخاء والعدالة الإنسانية، وقد كانت ومازالت لنخب مسيحية مارونية مساهمات جليلة في تاريخ لبنان والمنطقة في مجالات شتى من العلوم الى الادب والشعر والفن الى الصحافة والسياسية وعالم الاعمال والتجارة. وقد زرت الصرح البطرياركي في بكركي رمز الطائفة المارونية في لبنان ووقفت عند عظمة وروحية هذا المعلم الحضاري

 اما الجانب العسكري فهم وان بدوا اهل مدنية وناشدين للسلم الاجتماعي والرخاء والرفاهية في المجتمع، الا انهم اهل حرب وقتال وليسوا ضعفاء او قليلو حيلة او لقمة سائغة. وان الاختلاف السياسي او حتى الفكري مع النخبة السياسية المارونية وان كان جذريا، لا يجب يوما ان يتحول الى اقتتال. وإذ كانت حقب التاريخ وعصوره لم تلغيهم، فلا يجب ان يفكر احد في ذلك حاضرا ومستقبلا.

كاتب وإعلامي فلسطيني

 

 

سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الديناصور الإسرائيلي الثقيل وحزب الله الرشيق ٠ مالم يتوقعه الديناصور ٠

نارام سرجون         صار من الواضح ان قبعة الساحر نتنياهو لم يعد فيها أي قدرة على ادهاش الحضور والجمهور .. فاذا نظرنا ...