الرئيسية » مجتمع » المشرّعون السود في الولايات المتحدة: تاريخ من الطرد والاضطهاد العنصري

المشرّعون السود في الولايات المتحدة: تاريخ من الطرد والاضطهاد العنصري

|

الجريمة العنصرية الصارخة المتمثلة بإزاحة شابين أسودين من منصبيهما، تمّ ارتكابها بواسطة هيئة تشريعية استخدمت أغلبيتها البيضاء أساليب غير قانونية، مثل قمع الناخبين وحرمانهم من حقوق التصويت.

نعم، صدّق، في الولايات المتحدة، إذا كنت أسمر البشرة،  فمن غير المستبعد أن تتلقى رصاصة في رأسك لمجرد أنك قرعت بالخطأ جرس باب منزل رجل أبيض متطرف، ولا يهم كم عمرك، سواء كنت صغيراً أو رجلاً بالغاً، كما حصل مع الطفل رالف يارل (من أصول أفريقية) في مدينة كانساس سيتي بولاية ميزوري.

والأسوأ أن هذا البلد لا يتوانى قادته عبر عقوباتهم الجائرة عن محاسبة دول وشعوب بذريعة عدم التقيد بالمعايير الديمقراطية، وتصدر لوائح وتشريعات لهذه الغاية ـــ وأصبح  ينجرف أكثر فأكثر نحو العنصرية المقيتة المجبولة بالحقد والكراهية واضطهاد الأعراق الأخرى، خصوصاً السود.

إذ لم يحدث أبداً، في تاريخ العالم، أن تمّ استدعاء رجل أمام هيئة تتمتع بوظائف تشريعية أو قضائية أو تنفيذية، واتهم بجريمة كون لونه أغمق من زملائه، تماماً  كالحادثة الفضيحة (المدوية) التي كان تعرّض لها نائبان من أصحاب البشرة السمراء في أوائل شهر نيسان/أبريل الحالي، وتردد صداها في العالم كله وليس أميركا فقط.

ما قصة هذين النائبين، ولماذا تم طردهما من منصبيهما التشريعيين؟

في 6 نيسان/أبريل الحالي، طرد مجلس النواب في ولاية تينيسي الأميركية، اثنين من المشرّعين الجدد من السود، وهما جاستن جونز وجوستين بيرسون، لممارستهما حقوق التعديل الأول (يمنع صوغ أي قوانين تحد من حرية التعبير، أو التعدي أو التدخل في  حق التجمع السلمي)، واحتجاجهما على عنف السلاح، وذلك باستخدام مكبرات الصوت، والمطالبة باتخاذ إجراء تشريعي للدولة بشأن السيطرة على الأسلحة.

المخزي أن حادثة الطرد هذه جرت بعد أن قتل أحد المجرمين 6 أشخاص بسلاحه الفردي، بينهم ثلاثة أطفال، في مدرسة ناشفيل ما أدى إلى إضراب طلابي على مستوى البلاد، فضلاً عن اندلاع احتجاجات طلابية ضخمة في مبنى الكابيتول بالولاية.

الطامة الكبرى أن الجريمة العنصرية الصارخة المتمثلة بإزاحة شابين أسودين من منصبيهما، تمّ ارتكابها بواسطة هيئة تشريعية استخدمت أغلبيتها  البيضاء أساليب غير قانونية مثل قمع الناخبين وحرمانهم من حقوق التصويت، والتلاعب في تقسيم الدوائر الانتخابية، والأخطر هو استعمالها قواعد تعسفية لإسكات هؤلاء المشرعين في قاعة مجلس الولاية.

أما قمة العنصرية فكانت نجاة النائب غلوريا جونسون ــ  وهي مشرعة ثالثة  من الطرد بسبب بشرتها البيضاء التي شفعت لها، وفقاً لقولها.

لكن مهلاً، بقدر ما كانت عمليات الطرد هذه صادمة للكثيرين، فإن لأميركا تجارب تاريخية طويلة في فصل  المشرعين السود  وطردهم من مناصبهم، وقمع المعارضة والعبث في إرادة الناخبين، بهدف  تكريس القوة الغاشمة، ومقاومة التغيير الديموغرافي، والحفاظ على هيمنة البيض من خلال وسائل غير ديمقراطية وديكتاتورية.

ما  أبرز حوادث الطرد والإقصاء في التاريخ الأميركي التي تعرض لها المشرعون والمسؤولون السود؟

خلال عصر إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية، خدم 2000 مسؤول حكومي أسود في جميع أنحاء البلاد، و 600 مسؤول منتخب في المجالس التشريعية للولايات، و 16 في الكونغرس.

كان المجلس التشريعي لجنوب كارولينا لعام 1868، هو الأول في البلاد ذو الأغلبية السوداء. أما  في ولاية ميسيسيبي، فقد فاق عدد السود، نظراءهم البيض، حيث  كان دستور الولاية لعام 1868، من أوائل الدساتير التي أقرت تعليماً عاماً مجانياً للأطفال بغض النظر عن العرق.

لكن النكبة أنه تمّ محو السلطة السياسية للسود في جميع أنحاء الجنوب؛ بسبب عنف  البيض المؤيدين للكونفدرالية، إذ قتل 35 مسؤولاً أسود على يد كو كلوكس كلان KKK  وآخرين، والاتفاقيات الدستورية البيضاء المصممة لانتزاع حقوق السود ، والقضاء على القيادة السياسية السوداء ودعم هيكل السلطة العنصري. (إشارة إلى أن “حركة كو كلوكس كلان” تأسست في العام 1865، ثم امتدت  إلى كل ولاية جنوبية تقريباً بحلول عام 1870، وبالتالي أصبحت وسيلة لمقاومة البيض الجنوبيين لسياسات عصر إعادة الإعمار، التي تهدف إلى تحقيق المساواة السياسية والاقتصادية للأميركيين السود).

وعلى المنوال ذاته،  في أيلول/سبتمبر 1868، تم طرد 33 مشرعاً أسود من الجمعية العامة في جورجيا (التي يهيمن عليها الجمهوريون) لكونهم من السود. بعدها، أعلن الديمقراطيون البيض الذين يسيطرون على الجمعية، أن انتخابات عام 1868 التي فاز بها الحاكم الجمهوري روفوس بولوك كانت مزورة وغير شرعية، وأن دستور الولاية الجديد لم يمنح المشرعين السود الحق في تولي مناصبهم.

ما تجدر معرفته، أن روفوس بولوك، يعدّ محتالًا وغير شرعي، جادل بأن المستبعدين سابقاً من أصول أفريقية ليس لهم الحق في التصويت.  إضافة الى  ذلك، فإن 24 من المشرعين المطرودين من الوزراء  المعروفين باسم “الأصل 33″، كان من بينهم ممثل جنوب غرب جورجيا النائب فيليب جوينر الذي قاد في 19 أيلول/ سبتمبر  1868 تجمعاً احتجاجياً على هذا الإقصاء، لكن البيض أصرّوا على منعهم، وأطلقوا النار على المحتجين السود، ما أسفر عن مقتل نحو عشرة، وإصابة ثلاثين آخرين، في مذبحة عرفت باسم كاميلا.

ومع أنه في نهاية المطاف، نجح المشرعون في جورجيا في الضغط على الحكومة الفيدرالية من أجل إعادة منصبهم، واجه ربع هؤلاء الرجال ردود فعل عنيفة، تراوحت بين التهديد والسجن والضرب والاغتيال، ما ساهم في استعادة المتعصبين البيض  في جورجيا نفوذهم من خلال نظام إرهاب KKK. وعليه، أدت حملة الترهيب وانتصارات الديمقراطيين في انتخابات عام 1870 إلى تآكل تمثيل السود وقوتهم.

 ماذا عن معاناة المشرعين السود في الولايات الأخرى؟

عملياً، في العديد من الولايات بشر المتعصبون البيض بنهاية التمثيل الأسود المنتخب من خلال استبداد قوانين جيم كرو (مصطلح ازدرائي للأميركيين من أصل أفريقي)  التي بقيت سارية المفعول حتى الستينيات من القرن التاسع عشر، وكرست الفصل العنصري في جميع المرافق العامة في الولايات الكونفدرالية الأميركية السابقة وفي بعض الولايات الأخرى، بدءاً من سبعينيات ذلك القرن.

ففي ولاية ميسيسيبي ذات الأغلبية السوداء، اعتمد المؤتمر الدستوري لعام 1890 – كان 133 من أصل 134 مندوباً من البيض – دستوراً جديداً للولاية مع إقرار ضريبة الاقتراع، وفرض اختبار محو الأمية، المصمم لحرمان الناخبين السود من حق التصويت. ولهذا، لم يشغل السود مناصب منتخبة في ولاية ميسيسيبي منذ عام 1890.

من هنا، كان آخر أعضاء الكونغرس السود المتبقين الذين تمّ انتخابهم أثناء إعادة الإعمار  جورج هـ. وايت من ولاية كارولينا الشمالية، حيث اختار الأخير عدم الترشح لإعادة الانتخاب، لأن قمع الناخبين وحرمان الناخبين السود، قوّضا فرصه في الفوز. وبذلك، لم يوجد في الكونغرس الأميركي، أي عضو أسود آخر حتى عام 1929، عندما انتخب النائب أوسكار إس دي بريست من إلينوي.

اللافت أن هذه الممارسة المقلقة المتمثلة في استهداف المسؤولين المنتخبين ديمقراطياً، استمرت حتى القرن العشرين، حتى بعد تمرير التشريعات الفيدرالية مثل قانون الحقوق المدنية لعام 1964، وقانون حقوق التصويت لعام 1965.

هل انتهى عصر طرد المشرعين السود في القرن العشرين؟

في الحقيقة، بقي الإرث العنصري متغلغلاً في نفوس الكثير من القيادات الأميركية خلال القرن العشرين، ففي كانون الثاني/يناير 1966، رفض مجلس النواب الجورجي تعيين الناشط الحقوقي جوليان بوند لأنه عارض حرب فيتنام.

غير أنه بعد التظاهرة التي تزعمها القس مارتن لوثر كينغ في مبنى الكابيتول في أتلانتا، احتجاجاً على رفض مقعد بوند، قضت المحكمة العليا الأميركية في  أيلول/سبتمبر من ذلك العام، بأن جورجيا استبعدت بوند بشكل غير دستوري.

ماذا عن علاقة ولاية تينيسي بالعنصرية المشهودة ضد السود؟

تاريخياً، تميزت ولاية تينيسي بالعنف العنصري لفترات طويلة، ولم تتم معالجته، حتى الآن، لا سيما أنها الولاية التي أنجبت حركة KKK المتطرفة. ومن الأمثلة الحية، أن  حشداً أبيض غاضباً، كان أجبر الصحفية إيدا ب. ويلز بارنيت على الفرار من الولاية، وأحرقوا مكتب صحيفتها لكتابتها عن إعدام الرجال السود. والأهم أن القس كينغ، كان اغتيل في ممفيس في  الولاية ذاتها أثناء قتاله من أجل عمال النظافة.

أما حالياً، وبالرغم من إعادة تعيين النائبين  جونز وبيرسون في منصبهما التشريعي، تعمل تينيسي وغيرها من الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون على تحييد سلطة المسؤولين السود المنتخبين، إضافة الى سنّ سياسات قهرية تعسفية تتناقض مع تطلعات الجمهور، زد على ذلك استخدام ولاياتهم كمختبرات لسياسات جيم كرو الجديدة،  بحيث يعزز الرجعيون البيض سلطتهم، من خلال التلاعب في تقسيم الدوائر الانتخابية وقمع الناخبين.

أما خير شاهد على ذلك، فهو مدينة ناشفيل الزرقاء للغاية التي ليس لها تمثيل ديمقراطي في الكونغرس لأن الجمهوريين قاموا بتقسيم المدينة إلى مناطق على مقاسهم الانتخابي.

أكثر من ذلك، يقوم المجلس التشريعي للحزب الجمهوري في ميسيسيبي ذو الأغلبية البيضاء – في ولاية يشكل فيها الملونون 44 في المائة من السكان – بإنشاء نظام محاكم، وقوة شرطة تسيطر عليها الولاية في العاصمة جاكسون ذات الأغلبية السوداء، وهو ما يرقى إلى استيلاء البيض على بلدية سوداء.

بالمقابل، أعلن مسؤولو ولاية تكساس الاستيلاء على منطقة مدارس هيوستن المستقلة ذات الأغلبية اللاتينية والسوداء، وهي الأكبر في الولاية، من دون تفسير ووسط احتجاج أولياء الأمور.

في المحصّلة، في أميركا لا شيء يمنع مستقبلاً تكرار ما حدث مع النائبين جونز وبيرسون ما دامت آفة العنصرية  مرجحة للانتشار بقوة، خصوصاً، مع تصاعد حدة الخطاب السياسي استعداداً للانتخابات الرئاسية في العام 2024.

لذلك، يطرح بعض القادة السود إنشاء تحالف عرقي من الأميركيين من ألوان مختلفة، يعمل على قلب حكم الأقلية البيضاء التي لطالما حاولت مصادرة خيارات الشعب وتصويته، وهو ما عبّر عنه النائب جاستن بيرسون بعد عودته إلى منصبه  بقوله”لقد أيقظوا عملاقاً نائماً”.

 

سيرياهوم نيوز3 – الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هكذا نخفف من قلق أطفالنا وتوترهم خلال فترة الامتحانات

تعدّ فترة الامتحانات من أكثر الفترات توتراً وضغطاً على الطلاب، حيث يتعرضون للضغوطات النفسية والمدرسية نتيجة التحضير للامتحانات والضغط لتحقيق النجاح. ويرى الخبراء أنه يقع ...