محمد نور الدين
أخيراً، أعلنت المعارضة التركية، ممثَّلة في «طاولة الستّة»، برنامجها الانتخابي، عشيّة الرئاسيات المنويّ إجراؤها في 14 أيار المقبل. برنامجٌ يمكن تلخيصه بالدعوة إلى محو كلّ أثر للسياسات التي اتّبعها رجب طيّب إردوغان داخلياً وخارجياً، و«تصفير» العدّاد والبدء من جديد. ومع اتّفاق أقطاب «الطاولة» على رؤية مشتركة كانت حتى وقت قريب مستبعدة، يتولّد زخم جديد للسير بمرشّح مشترك أيضاً، يرجَّح أن يكون كمال كليتشدار أوغلو، بعدما ضاقت الخيارات، وباتت الساحة شبه خالية لهذا الأخير
ad
وضعت المعارضة التركية، المتمثّلة في «لقاء الستّة»، محرّكاتها قيْد التشغيل، إذ اجتمع زعماؤها أوّل من أمس، وخرجوا إلى الرأي العام بأوّل خطوة من شأنها تظهير نوعٍ من الجدّية في عملهم المشترك، وشيء من القدرة على تقديم البديل من حُكم الرئيس رجب طيب إردوغان. وانعقد اللقاء في قاعة المؤتمرات التابعة لـ«غرفة تجارة أنقرة»، بحضور أكثر من ثلاثة آلاف شخص، وقادة الأحزاب الستّة، وهُم: كمال كيليتشدار أوغلو (الشعب الجمهوري)، مرال آقشينير (الجيّد)، أحمد داود أوغلو (المستقبل)، علي باباجان (الديموقراطية والتقدّم)، تيميل قره مللا أوغلو (السعادة)، وغولتيكين أويصال (الديموقراطي). وطَرح المجتمعون وثيقة بعنوان: «نصّ اتّفاق السياسات المشتركة»، مؤلَّفة من 244 صفحة و75 عنواناً، وشاملة السياسات الداخلية والخارجية كافّة. ولعلّ من أهم الإجراءات التي ينوي التحالف، في حال فوزه بالرئاسة، اتّخاذها، إقرار انتخاب الرئيس من قِبَل الشعب، لمدّة سبع سنوات ولمرّة واحدة، شرط أن يستقيل من الحزب الذي كان ينتمي إليه، وأن تُقلَّص صلاحياته بشكل هائل، بحيث لا يمكنه العودة إلى السياسة الفاعلة أو استحداث التشريعات الضرورية لذلك (مِن مِثل استحداث منصب رئيس الحكومة). أيضاً، نصّت الوثيقة على عودة الرئيس إلى «قصر تشانقايا» الذي كان مقرّاً للرؤساء منذ عام 1923، إلى حين مجيء إردوغان رئيساً في عام 2014، حيث انتقل إلى قصر «بش تبه» (التلال الخمس) الفخم الذي بناه هو، مع تحويل الأخير وكلّ المقارّ الرئاسية التي كان الرئيس الحالي يستخدمها إلى «أماكن في خدمة الشعب».
(أ ف ب )
ad
من جهة أخرى، دعت الوثيقة إلى إصلاح القضاء، واستحداث هيئتَين قضائيتَين، وإلغاء كلّ المراسيم التي صدرت بعد انقلاب 2016، وتخفيض حاجز الدخول إلى البرلمان للأحزاب إلى ثلاثة في المئة. كما نصّت على إلغاء الصندوق السيادي الذي استحدثه إردوغان، وكان سبباً في عمليات استغلال ثروات الدولة لمنافع شخصية وعائلية، فضلاً عن إلغاء كلّ المشاريع ذات التكلفة الخيالية، والتي كان الرئيس ينوي وضْعها موضع التنفيذ، مِن مِثل «قناة إسطنبول» الموازية لمضيق البوسفور، والتركيز بدلاً من ذلك على مشاريع الريّ الكبرى للمناطق التي همّشتها سياسات إردوغان. أمّا بخصوص السياسة الخارجية، فطالب «اللقاء» بالعودة إلى شعار أتاتورك: «سلام في الوطن… سلام في العالم»، وحثّ الخُطى على طريق العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، واستمرار التعاون مع «حلف شمال الأطلسي» على أسس عقلانية، وإرساء علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة، وتقوية الأواصر مع روسيا وجعْلها مؤسّساتية، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فضلاً عن وضْع حدّ للسياسات الخارجية القائمة على أساس الأيديولوجيا والحسابات الداخلية، وإعادة تفعيل دور وزارة الخارجية في صنْع السياسات الخارجية. كذلك، دعت الوثيقة إلى «تطوير السلام والاستقرار والتعاون» مع الدول الجغرافية الجارة لتركيا، وحلّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني على أساس «حلّ الدولتَين»، وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في أقرب وقت، والبدء بإرساء السلام في سوريا والعمل على حماية وحدة أراضيها، ودعْم قرارات الأمم المتحدة وعلى رأسها القرار 2254، والسعي إلى إنهاء معاناة الشعب السوري عبر إطلاق حوار مع السلطة في دمشق وكلّ الأطراف الأخرى التي تمثّل فئات من الشعب، عدا الجماعات الإرهابية.
ad
وبالإجمال، يمكن اختصار بنود الوثيقة بأنها دعوة إلى محو كلّ أثر للسياسات التي اتّبعها إردوغان داخلياً وخارجياً، و«تصفير» العدّاد والبدء من جديد. وإلى جانب إعلانه برنامجه الانتخابي، خطا «لقاء الستّة» خطوة أخرى على طريق تحضير أوراقه للرئاسيات المرتقَب إجراؤها في 14 أيار، متمثّلة في التمهيد لإعلان مرشّح مشترك، سيكون على الأرجح، ما لم تطرأ مفاجأة كبرى، كمال كيليتشدار أوغلو، زعيم «حزب الشعب الجمهوري». وفي هذا السياق، شكّل الاجتماع الحادي عشر لزعماء «الستّة»، والذي انعقد قبل أيّام في مقرّ «الحزب الجيّد»، محطّة فاصلة في مسار اللقاء نفسه وفي الصراع على رئاسة الجمهورية، إذ خرج بيان الاجتماع بجملة مخرجات مهمّة، أوّلها أن «الستة» سيعلن مرشّحه بشكل نهائي في 13 شباط الجاري، في أعقاب اجتماع يَعقده في مقرّ حزب «السعادة»، في ما يؤشّر إلى أن قادة المعارضة توصّلوا أو اقتربوا من التوصّل إلى اتّفاق على اسم مرشّحهم، الأمر الذي يُعدّ – في حال تَحقّقه – نقلة نوعية، بعدما راهن البعض على تفكيك «الطاولة». أمّا البند الثاني، فيتمثّل في استغناء «الستّة» عن اسمها الحالي، لمصلحة اسم «تحالف الأمة»، فيما البند الثالث ينصّ على أن ترشيح إردوغان مُخالف للدستور، بعدما كان كيليتشدار أوغلو قد قال قبل أشهر عدّة إنه لا يعارض ترشيح الرئيس الحالي، وإن «الأمّة هي التي ستقول كلمتها»، وهو ما عُوتب عليه في حينه.
ad
يبدو ترشيح كيليتشدار أوغلو باسم المعارضة مجتمعةً مرجَّحاً إلى حدّ كبير
على أن ثمّة انقساماً قانونياً كبيراً بالفعل حول مسألة ترشُّح إردوغان. إذ إن الدستور يقول بعدم إمكانية ترشُّح رئيس الجمهورية أكثر من مرّتَين، إلّا إذا أُجريت انتخابات رئاسية مبكرة. وبالفعل، فإن إردوغان تَرشّح للرئاسة في عام 2014، وفاز بها كما في انتخابات عام 2018، وبالتالي لا يحقّ له خوض السباق مرّة ثالثة. لكن زعيم «العدالة والتنمية» يحاجج بأن النظام الرئاسي الجديد الذي بدأ العمل به في عام 2018، وتَرشّح في حينه على أساسه، يجعله مرشَّحاً للمرّة الأولى في السنة المذكورة، وبالتالي لا يَدخل ترشيح عام 2014 في العدّاد. أيضاً، يتحسّب إردوغان لأيّ إجراء قانوني يمكن أن تُقدِم عليه «اللجنة العليا للانتخابات»، وتَمنعه بموجبه من الترشّح مجدّداً (وهذا مستبعد كوْن اللجنة تابعة للرئيس)، وذلك من خلال تقديم موعد الانتخابات من 18 حزيران إلى 14 أيار، والذي سيتيح له، بنظره، قوننة ترشيحه الثالث. لكن المعارضة، في بيانها الأخير، ترى أن مِثل هذا التقديم ليس من صلاحيات الرئيس، وأنه يحتاج إلى موافقة ثلاثة أخماس النواب، وهو ما لا يملكه إردوغان وشريكه حزب «الحركة القومية» برئاسة دولت باهتشلي.
ad
وبالعودة إلى احتمال ترشيح كيليتشدار أوغلو، فهو يبدو مرجَّحاً إلى حدّ كبير، إذ إن قرار القضاء حبْس وحظْر أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، وهو أحد المرشَّحين الأوفر حظّاً، حال دون طرْح اسمه، فيما المرشّح الثاني، الوافر الحظّ أيضاً، والذي تؤيّده آقشينير، وهو رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، قد حسم تأييده قبل أيام قليلة لكيليتشدار أوغلو، وبالتالي، خلت الساحة لهذا الأخير. خلوٌّ ربّما أشّر إليه، قبل فترة ليست بالقصيرة، قيامه هو، وليس غيره من قيادات الحزب، بجولات في المناطق، بحيث لا يمكن التصوّر، بعد كلّ تلك الجولات، أن يأتي غيره ويحلّ محلّه. ويُضاف إلى ذلك المؤشّر، تعليق ملصق ضخم يغطّي نصف واجهة مقرّ «الشعب الجمهوري» في أنقرة، وقد كُتب فيه شعار الحملة الانتخابية لـ«تحالف الأمّة»: «كفى… الكلمة للأمّة»، مرفَقاً بصورة لكيليتشدار أوغلو نفسه وهو يَرفع كفّه اعتراضاً، في ما يشابه شعار حملة عدنان مندريس، زعيم «الحزب الديموقراطي»، في انتخابات عام 1950، والتي أدّى خلالها الحركة نفسها وفاز بنتيجتها ضدّ «الشعب الجمهوري»، مع فارق أن المعارضة الآن هي التي تقول «كفى» لإردوغان الذي يرى نفسه امتداداً لسياسات مندريس.
ad
وكانت قد ظهرت بعض الشكوك في ترشيح كيليتشدار أوغلو، مع تصريحات لنائبة رئيس «الحزب الجيّد»، جيهان باتشاجي، قالت فيها: «هناك شيء قائم: نرى معارضة في الشارع لكمال بك»، وهو ما أثار ضجّة كبيرة ومخاوف من انفجار «طاولة الستة». لكن استقالة باتشاجي لاحقاً أوقفتْ هذا السجال، وجعلت أطراف «الطاولة» يلتفّون حول كيليتشدار أوغلو، على رغم أن العديد من أطراف المعارضة يرون أن الانتماء العَلوي للأخير، ونسبياً الكردي، قد يُضعف حظوظه في الفوز. على أن الزخم الذي ولّده طرْح البرنامج الانتخابي المُعارِض أخيراً، قد يقنع المتردّدين بالمضيّ بمرشّح قوي وقادر مِن مِثل زعيم «الشعب الجمهوري»، وخصوصاً مع احتمال أن يؤيّده، ولوْ في الدورة الثانية، حزب «الشعوب الديموقراطي» الكردي، والمقدَّرة أصواته بعشرة في المئة على الأقلّ، والذي قرّر، ضمن «تحالف العمل والحرية»، أن يقدّم مرشحّاً خاصاً به.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية