| موفق محادين
القليل من الذكاء والحرص والشجاعة والضمير والأخلاق، يحيل عمل الموساد كله إلى عروض سينمائية، رديئة ومكلفة لا تتعدى القتل أو التجنيد تحت الابتزاز المالي أو الجنسي.
من الأدوات التي سبقت تأسيس الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية المحتلة، ومهّدت لذلك بعشرات الاغتيالات والمذابح ضد القرى الفلسطينية، الخلايا الإرهابية التابعة لعصابات الهاغاناه وشتيرن و
الأرغون وغيرها، والتي أعيد تشكيلها باسم الموساد.
إضافة إلى “الجيش” الصهيوني وحملاته العدوانية التي لم تتوقّف ضد الفلسطينيين والعرب عموماً، كان الموساد يدير استراتيجية الاغتيالات والاختراقات، بل إن هذه الاستراتيجية أخذت دور الجيش نفسه مرات عديدة وصارت سمة من سمات هذا الكيان، ولم يتوان العديد من ضباط الجهاز عن نشر مذكّراتهم التي نستعرض بعضها في ذكرى النكبة، إضافة إلى موضوعات أخرى ذات صلة بهذا الجهاز الإجرامي.
طريق الخداع
عادة ما يقال إن الكتب والمذكّرات التي تصدر عن قادة وضباط الاستخبارات، تصدر بإيحاءات مبرمجة سلفاً، ولتأدية وظيفة ما، من باب التضليل والتمويه أو الترويج أو التهويل أو التخلّص من “النفايات السامة” لبعض التحالفات أو الأوراق أو الملفات، أو تقاليد العمل التي أصبحت مكشوفة.
وبصرف النظر عمّا يهدف إليه كتاب “الكاتسا” للضابط العامل السابق في جهاز الموساد الإسرائيلي فكتور اوستروفسكي “طريق الخداع” المترجم عام 1990، فإن الكتاب يؤكد حقيقة واحدة، وهي أنه إذا كان الموساد الإسرائيلي يشكّل تجربة خاصة في عالم الاستخبارات، فذلك لسبب واحد فقط، هو استعداده للأعمال والأساليب القذرة، وليس لأي سبب فني أو سیاسيّ آخر.
وهو ما يؤشّر كذلك على الطبيعة العدوانية العنصرية للقضية التي يعمل الموساد من أجلها. فالقضايا العادية تعبّر عن نفسها بأساليب كفاحية نظيفة، فيما مشروع كالمشروع الصهيوني لا يمكن أن يعبّر عن نفسه إلا بأساليب قذرة.
إن الصورة القبيحة لثلاثي المال والجنس والخداع في أبعادها السياسية-الأمنية، هي كل ما يتضمّنه هذا الكتاب، ولا أجد سبباً آخر يدعو أوستروفسكي والموساد إلى تسويق هذه الصورة، إلا إذا كان الموساد لا يرى فيها ما يتعارض مع السلوك البشري الطبيعي.
وبحسب أوستروفسكي أيضاً، فإن هذه الصورة لا تقتصر على النشاط الخارجي للموساد، بل تبدأ أولاً من حياة كبار الضباط أنفسهم، وتتجاوز العلاقات مع المجنّدات العاملات في الجهاز، إلى التحرّش بزوجات الضباط المتدرّبين، خلال انقطاعهم عن منازلهم في فترات التدريب المختلفة.
ويذهب أوستروفسكي إلى أبعد من ذلك، وما لا يمكن تصديقه لو صدر ما قاله عن جهات عربية، ويعتقد، أيضاً، أن رفضه وإدانته للعلاقات الجنسية غير الطبيعية، أحد أسباب إبعاده عن الجهاز. هذا بالنسبة للموساد من الداخل، أما بالنسبة للنشاطات الخارجية فالكتاب يتوقّف عند عشرات المحطات والمواقف والأسرار التي تدين هذا الجهاز، أكثر مما تخدمه.
(1) فالكتاب يعترف بمسؤولية الموساد عن إسقاط طائرة الركاب الليبية المدنية، وعن اغتيال العالم المصري النووي يحيى المشد.
(2) يفسّر الكتاب قضايا وموضوعات عشناها فعلاً بعد صدور الكتاب بعدة سنوات، ومنها دور الموساد في اغتيال رابين (الإشارات الواضحة والمتكرّرة في الكتاب للخلاف بين رابين والموساد حول الصلاحيات، ومحاولة الموساد تدبير فضيحة اختلاس مالي لرابين).
والأخطر من كلّ ذلك، المختبر الخاص الذي يملكه جهاز الموساد لسرقة وتزوير الوثائق والأختام وشهادات المنشأ وجوازات السفر الأجنبية والعربية، وخاصة الكندية، حيث يعترف أوستروفسكي بوجود آلاف الجوازات الكندية الفارغة داخل هذا المختبر.
وإضافة إلى وثائق السفر والوثائق المختلفة، يتحدث أوستروفسكي عن مطبخ خاص للتعامل مع البنوك، ولتسجيل وتسويق مئات بل آلاف الشركات التجارية، ومكاتب الاستيراد والتصدير، في قبرص وكندا وهولندا وبلجيكا والدنمارك واليونان والنرويج ولندن وأستراليا إلخ… وتقديم أصحاب هذه الوكالات والشركات كمواطنين أجانب.
(3) يلقي الكتاب إضاءات خطيرة ومهمّة على مستوى الانحطاط الدولي والمصالح القذرة، التي تحكم الموساد في عمله مع الأصدقاء أنفسهم! ومن ذلك:
– استعداد الموساد للقتل مقابل خدمات معينة. فمحطة الولايات المتحدة التابعة للموساد أقدمت على اغتيال وزراء سابقين معارضين للطاغية التشيلي بينوشيت، مقابل تأسيس محطة للموساد في سانتياغو، وتمرير صفقة مخدّرات لتمويل صفقة عسكرية في أميركا الجنوبية.
– استعداد الموساد لاستغلال العواصم والهيئات الصديقة لهم والتضحية بعملائه الصغار والكبار على حد سواء. فالموساد مثلاً، هو الذي اقترح على حكومة سيلان إقامة “مجری عظیم جديد لنهر مهاويلي”، وإقناع البنك الدولي بتمويل هذا المشروع الوهمي، من أجل تسديد ثمن أسلحة إسرائيلية لحكومة سيلان.
– إقامة علاقات مع أطراف متحاربة، في الوقت نفسه وتدريب كل منها ضد الآخر: المعارضة التاميلية والحكومة السيلانية، بل إن استروفسكي يتحدّث عن تزويد الحكومة هناك بقوارب سواحل إسرائيلية خاصة، وتزويد التاميل بصواريخ مضادة لها.
ويكشف الكتاب أيضاً، مستوى الازدراء الذي كان يتعامل به الموساد مع هؤلاء القادمين من جزيرة الشاي للتدرّب في “إسرائیل”، بإشاراته للعديد من التعليقات الساخرة حولهم “فالقردة القادمون من سيريلانكا للتدرّب في قواعدنا، بحاجة إلى الموز وجوز الهند أكثر من حاجتهم إلى الأسلحة، وهكذا… فيما حاول ضابط موساد آخر إقناعهم بشراء أجهزة رادار قديمة، (بقوله إنها تكشف نوع الأحذية ومقاساتها تحت الماء).
ويضيف اوستروفسكي: مع أن هؤلاء المساكين كانوا متحمسين لقضيتهم وسذجاً أكثر من اللازم، إلا أنهم لم يقتنعوا بوجود أنظمة رادار من هذا النوع فيما تمكّنت “إسرائيل” من بيع صواريخ هوك وطائرات رديئة لأصدقاء أكثر ذكاء، مقابل عمولات لیست دسمة للمتنفّذين في هذه البلدان.
أخيراً إذا كان لا بدّ من تعقيب ما على الكتاب، فهو أن القليل من الذكاء والحرص والشجاعة والضمير والأخلاق، يحيل عمل الموساد كله إلى عروض سينمائية، رديئة ومكلفة لا تتعدى القتل أو التجنيد تحت الابتزاز المالي أو الجنسي.
إن لعبة الجنس والمال والخداع وعمليات القتل والتزوير والابتزاز المختلفة تؤكد أننا ما زلنا إزاء مافيا أو عصابة دولية، أكبر قليلاً من عصابات الأرغون وشتيرن والهاجاناه التي اعتقدت أنها تحوّلت إلى دولة بدعم الولايات المتحدة وحكوماتها السرية في العالم.
مهنتي كرجل مخابرات… مذكّرات يعقوب بيري
ابتداءً، لاحظت أن النسخة العربية لكتاب بيري تختلف عن النسخة العبرية. كما أخبرني صديق مهتم قام بإطلاعي على النسختين، وقد خلت العربية الصادرة عن دار الجليل من أكثر من قضية بينها قضية اغتيال ناجي العلي.
ومما يضمّه كتاب بيري الكثير من القضايا التي تفاجئ القارئ وتثير اهتمامه، ومن ذلك على سبيل المثال:
– أساليب التحقيق الإسرائيلية: التعذيب – المحقّق الطيب والشرير – التقليل من أهمية المحقَّق معه ومن معلوماته – إثارة مشاعره – تشتيت أفكاره – تخويفه مباشرة أو من خلال زرع عميل يحدّثه عمّا تعرّض له من تعذيب شديد – العصا والجزرة – إلخ…
– أساليب اختراق المجتمعات والأوساط الشعبية والسياسية (طلاب وباحثون في عادات وأنماط الحياة والعادات والنخب والفولكلور، إلخ…).
– العلاقات الاجتماعية التي أقامها موشي دايان مع شخصيات وصالونات سياسية ولا سيما في نابلس.
– تشكيل (خلايا مقاومة وهمية) لاكتشاف الخلايا الحقيقية أو لاصطياد عملاء أو لتشويه صورة المقاومة أو للتأثير على الرأي العام الدولي أو على عاصمة محدّدة.
– دور العميل صوان المزدوج (الاسم السري توزان) وهو أستاذ في الأدب الإنكليزي (قتلته المقاومة عام 1990 بالسكاكين)، لدوره في كشف خلية أولاد الملاعبي في القدس وخلية المطران كبوتشي (مواليد سوريا 1922) وكان يرأس الكنيسة اليونانية الكاثوليكية في القدس منذ عام 1965، وقد استفاد من صفته هذه لإدخال كميات كبيرة من الأسلحة إلى المقاومة، وكذلك دور صوان في اغتيال الفنان ناجي العلي.
داني ياتوم.. غسيل الأعمال القذرة
رغم إخفاقاته العديدة عندما كان على رأس الجهاز، بدأ ياتوم بإنشاء شركة خاصة للتعهّدات الأمنية وتجارة الأسلحة وأعمال أخرى من هذا الطراز. فما الذي يفسّر إقدام ياتوم على خطوة كهذه إذا كان قد فشل عملياً وهو على رأس جهاز رسمي كبير كجهاز الموساد، وهل يعود ذلك فقط إلى أن العمل الخاص الجديد هذا، سيحرّر یاتوم من أي تبعات رسمية ويحصر مسؤوليته وإخفاقاته المنتظرة ضمن حدود مالية وشخصية، أم أن المسألة أكبر وأخطر من ذلك بكثير.
سيقول البعض إن الشركات الأمنية عمل عادي ومفهوم تماماً في العديد من البلدان الرأسمالية، وإن الإدارات المحلية في الولايات المتحدة مثلاً، تدار عملياً من خلال شبكات أمنية وحقوقية خاصة. وينسى هذا البعض أننا نتحدث عن شركة أمنية خاصة لرئيس الموساد السابق في “إسرائيل”، البلد الذي يدير أكبر حرب غربية ضد الشرق، والبلد الذي يتداخل فيه المجتمع بالثكنة، والصناعة المدنية بالصناعة العسكرية، ولا يزال شديد التحفّظ على الخصخصة التي قد تخرج قليلاً من منظومة السيطرة الاستراتيجية الإسرائيلية.
وهو ما يعني أن شركة ياتوم الأمنية هي على الأغلب شركة حكومية مستترة وبنك خاص لغسيل الأعمال القذرة، مثلها في ذلك مثل العديد من البنوك والمؤسسات الخاصة التي تتولّى تنظيف أموال المخدّرات والتجارة السوداء للمافيات العالمية المختلفة.
وعلينا أن ننتظر من السيد ياتوم وشركته الجديدة الكثير من الزبائن والعمليات التي لا تحمّل “إسرائيل” أي تبعات أمنية، ولا تسيء لعلاقاتها المميزة مع البلدان التي ترتبط معها باتفاقيات خاصة، أو تشكّل بالنسبة لها مصدراً مهماً للوثائق والتسهيلات أو جوازات السفر المزوّرة.
ومن الواضح، أخيراً، أن تجربة القتل وتصفية الخصوم عبر الميليشيات ومافيات القطاع الخاص في جمهوريات الموز في أميركا اللاتينية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من سياسات العولمة وشبكاتها في هذا الحقل أيضاً.
تجفيف المستنقع… الطاحونة
الطاحونة أو “مجرسة” بحسب كتاب موشي زاك، هو الاسم السري للعملية الإسرائيلية التي استهدفت أهالي قرية السموع الفلسطينية والقوة الأردنية المرابطة فيها في تشرين الثاني/نوفمبر 1966.
وكان الهدف من العملية بحسب ما قاله رئيس الاستخبارات العسكرية، اهارون ياريف، والعقيد أبراهام إيلون رئيس الشعبة التاريخية في هيئة أركان جيش العدو، هو إلحاق الأضرار بممتلكات الأهالي، وإجبارهم على التخلي عن المقاومة، وتوسيع المخاوف المتبادلة بينهم وبين الجيش الأردني.
ويؤشّر الكتاب على النتائج المخيّبة لهذا التكتيك، حين انفجرت المظاهرات الشعبية المندّدة بالعدوان، وحين اكتشف الملك الراحل أن علاقاته مع الإسرائيليين لم تمنعهم من التعرّض للأردن، الذي ربما انحاز لعبد الناصر في حرب حزيران 1967 بسبب خيبة كهذه.
أما الأخطر من ذلك، فهو السيناريو الثاني لوظيفة هذه العملية وهو التحضير لهجوم واسع ضد البلدان العربية بما فيها الضفة الغربية. ولم يكن السيناريو المذكور غائباً عن أحد وكان الجميع بانتظاره. القاهرة ودمشق اللتان ربطتا بين مجزرة السموع 1966 وعدوان وشيك، وبين مجزرة قلقيلية وعدوان 1956 وكذلك وصفي التل، رئيس وزراء الأردن، الذي طلب من الملك الراحل عدم الانضمام إلى عبد الناصر إذا أراد الحفاظ على الضفة الغربية.
كانت الطاحونة أول اختبار للانتقال من “مطاردة الذباب” في عيلبون إلى تجفيف المستنقع المصري في سيناء، والسوري في الجولان، والأهم من ذلك فيما يتعلق بالحلقة الأردنية-الفلسطينية وهو عدم الاكتراث بالصداقة المبكرة مع عمان وتجفيف مستنقع الضفة مقدّمة لبقية الأراضي المالحة.
برنامج السموم الإسرائيلي
تحتفظ “تل أبيب” بأخطر برنامج لتطوير السموم في العالم وذلك من خلال سلاح العلوم التابع ومعهد فايتسمان ومركز يتس تسيونا، كما نعرف أن الأجهزة الإسرائيلية قامت باغتيال عرفات باستخدام هذه السموم، وكذلك بمحاولة اغتيال الرئيس الأوكراني يوتشينكو تمهيداً لوضع أصدقاء “إسرائيل” في السلطة مثل زيلينسكي.
ونعرف أيضاً أن اليهود برعوا في تحضير واستخدام هذا السلاح عبر التاريخ، بل إن الطبيب والفيلسوف اليهودي موسی بن میمون ألّف كتاباً في هذا الفن!!
وهناك التباسات أخرى تؤشّر على دور اليهود في استخدام هذا السلاح ضد شخصيات سياسية أخرى في العالم، ناهيك عن السموم الجماعية التي دمّرت محاصيل زراعية كاملة في مصر، وفقاً لدراسة صادرة عن اللجنة المصرية المناهضة للتطبيع (أحمد بهاء الدين شعبان وعبد العزيز الحسيني).
الحالات السابقة تنطوي على قدر من الموضوعية أكبر بكثير من الأوهام والظنون وعقلية المؤامرة التي يفضّلها اليساريون العقلانيون جداً، ومعظمهم من أنصار التطبيع مع “إسرائيل” وانتظار الدبابات الأميركية للخلاص في الشرق الأوسط.
وليسمح لنا الدكتور عبد الوهاب المسيري أيضاً بالاختلاف معه قليلاً في قضية المحافل اليهودية السرية ومؤامراتها، فما يجري في الواقع يؤكد هذه المسألة التي تبعث على الاستغراب فعلاً، بل إن الدراسات اليهودية نفسها لا تنفي ذلك تماماً، بما فيها دراسة اليهودي الماركسي العقلاني العلماني (أبراهام ليون) التي لا تنفي (الأساليب) اليهودية بل تحاول تفسیرها.
ومما له دلالة أن الوظائف القديمة التي كانت تنسب لليهود في التاريخ، لا تزال قائمة، من الربا الذي أصبح عنوان الرأسمالية كما يقول ماركس في رأس المال إلى تجارة البغاء، كما تدلل على ذلك الدراسات الأوروبية حول شبكة الرقيق الأبيض، إلى الدسائس وعمليات الاغتيال السياسي ومعاهدها مثل معهد يتس تسيونا للسموم.
العملية هبرون
ما قام به الأستاذان الأميركيّان في جامعة هارفارد: ستیفن والت وجون میرشهايمر، عمل مهم بالتأكيد ولكنه ليس التحذير الأول الذي يطلقه أميركيون ضد اللوبي اليهودي وتأثيره على القرارات الأميركية عموماً في الشرق الأوسط خصوصاً، فقبله جاء تحذير الرئيس الأميركي بنيامين فرانكلين، وتحذير رجل المال والسيارات الأميركي فورد في كتابه الشهير “اليهودي العالمي” وهو موجود في الأسواق.
أوّل ما أودّ إضافته أو ألفت الانتباه إليه هو ما أورده المفكّر والصحافي العربي المصري محمد حسنين هيكل في كتابه (العربي التائه، الصفحات 140-186) وأظن أنه موجود في الأسواق أيضاً.
في هذا الكتاب يلخّص هيكل للقارئ العربي رواية أصدرها ضابط سابق في الاستخبارات الأميركية هو أريك جوردن، وتدمج الرواية (العملية هبرون) بين بعض الوقائع وبين خيال جوردن، وتدور أحداثها حول فكرة غير مألوفة في ثقافة ومیدان عمل هذا الضابط، وملخّصها أن رئيساً للولايات المتحدة بعد أن استشعر في سنواته الأخيرة خطر اللوبي اليهودي راح يحضّر خليفة له يقوم بتطويق هذا اللوبي والحد من خطره.
الموساد الإسرائيلي، ردّ بدوره على هذا السيناريو بإعداد مرشح آخر وتمكّن من إنجاحه بعد أن قام بتصفية كل النشطاء الآخرين، إلخ…
هيكل لم ينخدع بالحكاية التي تريد أن تسوّق السياسة الأميركية كما لو أنها مجرّد ظلال للنشاط اليهودي، ولكنه أيضاً لم يقلّل منها، وأراد أن يربط من هذا الاستعراض بين مصالح “إسرائيل” وتركيبة اللوبي اليهودي، ومصالح جماعات عديدة في المنظومة الرأسمالية الأميركية، ولكنها في الوقت نفسه ليست منظومة مطلقة بصرف النظر عن الاستراتيجية المطلوبة لمواجهتها أو مخاطبتها أو رفضها.
لا يجوز التعويل على أي ثغرات في الجدار الأميركي، ولكن صدور انتقادات أميركية هنا وهناك للسيطرة اليهودية ليس مؤامرة ضدنا بل تعبيرات موضوعية تحتاج إلى القراءة أو التمعّن، مع تأكيد أنّ بناء القوى الذاتية الغربية على قاعدة الصدام التاريخي مع الولايات المتحدة، هو الخيار الموضوعي أمام الأمة وقواها الحية.
علماء ومثقفون اغتالهم الموساد الصهيوني
أولاً: العلماء العرب
1. أول العلماء الشهداء في القرن العشرين هو اللبناني حسن كامل الصباح الذي تنسب إليه مئات الاختراعات في مجال الكهرباء والطاقة والهندسة، وقد قتل في حادث سير مدبّر في أميركا (نيويورك) عام 1935.
2. الفيزيائي المصري، سمير نجيب الذي قتل في حادث سيارة مدبّر في أميركا (ديترويت) عام 1967.
3. الفيزيائي المصري، نبيل قليني الذي اختطف واختفى من براغ عام 1975.
4. العالم النووي المصري، يحيى المشد الذي عمل في العراق ووجد مهشّم الرأس في غرفته في فندق باريسي عام 1980.
5. عالم الفضاء المصري، سعيد السيد بدير الذي هرب من أميركا بعد تهديده بالقتل ثم قتل في الإسكندرية عام 1988.
6. الفيزيائي اللبناني، رمال حسن رمال الذي قتل بعد تهديدات خلال عمله في فرنسا.
7. العالم السوري: عزيز أسبر (2018). وقبله العديد من علماء الطاقة (2014).
8. العالم المصري، إسماعيل أدهم (1940).
9. العالم المصري، مصطفى مشرفة (1950).
10. ومن العالمات: الفيزيائية المصرية سميرة موسى (قتلت في أميركا عام 1951)، والباحثة المصرية في الوثائق الصهيونية سلوى حبيب، وجرّاحة الدماغ من الجزيرة العربية سامية عبد الرحيم، واللبنانية عبير عياش.
11. كما احتلّ العراق اهتمام الموساد والأجهزة الأطلسية خاصة بعد العدوان عليه واحتلاله، حيث قتل مئات العلماء العراقيين واعتقل المئات.
ومن العلماء الشهداء الذين استهدفتهم يد الإجرام الصهيونية والأطلسية:
إبراهيم الظاهر، محمد الراوي، عماد سرسم، محمد الدليمي، عبد الله الفضل، محمد حسين علي، علي عبد الحسين، محمد حسين طالقاني، محيي الدين حسين، مروان الهيتي، محمد الإزميرلي.
ثانياً: علماء إيران:
حسن فخري زاده (2020)، مصطفى روشن (2012)، مسعود محمدي (2010)، مجيد شهرياري (2010)، أروشير حسن بور (2007)، ودرويش رضائي.
ثالثاً: المثقفون المقاومون
خسرت الثقافة العربية عشرات المثقفين الذين قتلوا على يد عملاء مزدوجين من الموساد الصهيوني والأجهزة الأطلسية وشبكاتهم المحلية، ومن أبرزهم على الصعيد الفلسطيني، ناجي العلي وماجد أبو شرار وغسان كنفاني وكمال ناصر وحنا ميخائيل.
وذلك إضافة إلى العديد من المثقفين العرب الذين اهتموا بتاريخ ووثائق الصراع العربي – الصهيوني، مثل العراقي باسل الكبيسي، والمسرحي الجزائري محمد بودية، والناشط والمثقّف المغربي المهدي بن بركة الذي تعاونت المخابرات الأميركية والفرنسية والصهيونية في اختطافه وتذويبه بالأسيد. كما يشار إلى شبهات إسرائيلية خلف وفاة المفكّر المصري جمال حمدان، وكذلك إلى دور للموساد في اختطاف ابن الجزيرة العربية ناصر السعيد.
درس ليبرتي
لا أحد استعار مكيافللي ونظريته الشهيرة (الغايات تبرّر الوسائل) مثل اليهود في التاريخ، الذين لم يتورّعوا عن تنفيذ عمليات واغتيالات وتفجيرات بين اليهود أنفسهم أو مع حلفائهم وأصدقائهم.
ولمن لا يريد أن يصدّق أن الموساد والأجهزة الإسرائيلية جاهزة للتورّط في أي جريمة تخدمهم، بما في ذلك اغتيال الحريري وبقية المسلسل في لبنان وغير لبنان، وهي مستعدة في أي وقت للانقلاب على أصدقائها وتصفيتهم، نذكّره بالمحطات التالية ولعلها تكون عبرة لمن لم يعتبر حتى الآن ويصمّ أذنيه عن صوت الحق، عن حسن نية أو تحت ثقافة الكراهية.
أولاً: لم يعد سراً أن الحركة الصهيونية وقّعت عدة اتفاقيات مع الغستابو الألماني النازي، من شأنها خلق مناخات طاردة تجبر اليهود الألمان وفي البلدان التي وقعت تحت الاحتلال الألماني على الهجرة إلى فلسطين، بما في ذلك بعض المذابح والتفجيرات في الأحياء اليهودية.
ثانياً: لم يعد سراً أيضاً أن أوساطاً من اليهود العرب الذين تركوا بلدانهم الأصلية في العراق واليمن وليبيا ومصر والمغرب وذهبوا إلى فلسطين، فعلوا ذلك بسبب سلسلة من التفجيرات التي تثبت أن الحركة الصهيونية نظّمتها بالاتفاق مع الأجهزة في هذه البلدان مقابل أجر معلوم.
فيما يخص حرائق بغداد، فإن أبرز كتاب حول هذا الموضوع هو كتاب المدارس اليهودية والإيرانية في العراق لمؤلّفه الدكتور فاضل البراك الذي كان رئيساً للمخابرات العراقية حتى ساعة إعدامه.
في هذا الكتاب يسرد البراك حكاية الانفجارات التي وقعت في شوارع ومناطق كان يسير عليها اليهود عام 1951، مثل شارع الملك غازي وأبو نواس وعمارة مرجان وشركة بيت لاوي ومكتب الاستعلامات الأميركية في شارع الرشيد. وقد لاحظ البراك أن الانفجارات وقعت في أماكن تخص اليهود من دون خسائر في الأرواح، وبالتزامن مع حملة محلية يهودية لتحريض الإدارة الأميركية من جهة، واليهود على هجرة العراق من جهة أخرى.
وقد تبيّن لاحقاً أن هذه الانفجارات تمت بإشراف وتدبير يهودا مئير منشي واسمه المستعار “إسماعیل مهدي صالحون” ونسیم موشي نسیم ويوسف بصري وشالوم مالي شالوم ماكس ماكوفسكي وامرأة روسية يهودية تدير “بانسيوناً” في بغداد تعرف باسم مدام كابوف، وروبرت رودني ويهودي آخر كان يقيم في محلة “كرد الباشا”، وقد اعترفوا جميعاً وفق ملفات الشرطة التي كان يتابعها عبد الرحمن حمود السامرائي الذي كشف النقاب أيضاً عن تواطؤ العديد من المسؤولين المحليين الذين حاولوا بضغط من السفارتين الأميركية والبريطانية إغلاق هذه الملفات.
ثالثاً: في دراسة ليوري إيفانوف ورد أنّ العصابات اليهودية هي التي فجّرت الباخرة باترييه في ميناء حيفا (25/11/1940)، التي كانت تقلّ مئات اليهود الهاربين من النازية بعد أن رفض هؤلاء المهاجرون مغادرة الباخرة والنزول إلى فلسطين، حيث كانت الوكالة اليهودية قد كذبت عليهم وقالت لهم إن الباخرة متوجّهة إلى الولايات المتحدة.
رابعاً: على غرار التفجيرات التي نفّذتها الأجهزة الإسرائيلية ضد مصالح أميركية في القاهرة فيما عرف بفضيحة إسحق لافون (وزير الدفاع آنذاك)، وذلك لتخريب العلاقات بين عبد الناصر والولايات المتحدة، لم تتورّع الحكومة الإسرائيلية عن تدمير أهم سفينة تجسّس أميركية في البحر المتوسط بعد أن أصبح لدى هذه السفينة أهم أرشيف اتصالات قبل وخلال وبعيد حرب حزيران 1967.
ويذكر ستيفن غرين في كتابه (الانحياز)، أن السفينة ليبرتي التابعة لوكالة الأمن القومي الأميركي، والتي كانت مزوّدة بأحدث أجهزة الالتقاط والاتصالات، تعرّضت يوم الثامن من حزيران/يونيو لهجوم ساحق ماحق بهدف تدميرها بالكامل، فبعد سلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية عليها هوجمت قوارب النجاة نفسها بزوارق طوربيد إسرائيلية قتلت معظم ملّاحي السفينة.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين