- ميسم رزق
- الإثنين 22 آذار 2021
قبل حزيران المقبل، يتوجّب على لبنان حسم أمر حدوده البحرية الجنوبية. الجيش يقترح تعديل المرسوم الذي يرسم حدود المنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة، بما يمنح لبنان مساحة إضافية لتلك «المتنازَع عليها»، يُعتقد أنها غنية بالغاز والنفط. ثمّة معترضون على الاقتراح الذي بات موجوداً في عهدة وزارة الدفاع. فما هو مصيره؟ وهل يتجاوز الانقسام حوله، قبل أن يبدأ العدو، بعد ثلاثة أشهر، التنقيب عن الغاز في منطقة يجزم الجيش اللبناني بأن لديه من الدراسات والحجج ما يثبت أنها ملك للبنان؟
منذُ ظهور بوادر الانقسام حول أصل المرسوم ومن سيوقّعه (راجع «الأخبار» – الجمعة 8 كانون الثاني 2021، «تعديل مرسوم الترسيم البحري: هل ينفجر اللغم داخلياً؟») طرأ عاملان جديدان على هذا الملف. بحسب معلومات «الأخبار»، وبناءً على استشارة وزارة الخارجية، أصدرت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل رأياً أفتت فيه بأنه «ينبغي على مجلس الوزراء أن يجتمِع بهيئة تصريف أعمال وفقاً للمادة 64 من الدستور، ليقرّر توفر أو عدم توفر حالة الضرورة في المسألة الراهنة».
قيادة الجيش أعدّت كتاباً وأرسلته إلى وزارة الدفاع، ذكرت فيه الأسباب الموجبة لضرورة التعديل، وعدّدت هذه الأسباب بداية «بتوافر بيانات قانونية وتقنية أكثر دقة في الأعوام الماضية من خلال المسح الهيدوغرافي لخط الأساس في منطقة الناقورة الذي قامَ به الجيش اللبناني في حزيران 2018، من خلال صدور اجتهادات دولية ولا سيما من قبل محكمة العدل الدولية لقانون البحار. وقد أظهرت هذه البيانات، أن خط الحدود البحرية الجنوبية للبنان الممتدّ من النقطة الـ 18 إلى النقطة الـ 23 (هو الخط الذي سبق أن اعتمده لبنان لحدوده البحرية الجنوبية) لا يستنِد إلى أي أساس تقني ولا يتطابق مع أحكام القانون الدولي العام». وثانياً أن «خط الحدود السليم من الناحية القانونية والتقنية هو الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة ويعتمِد طريقة خط الوسط من دون احتساب أي تأثير للصخور المتاخمة لشاطئ فلسطين المحتلة ولا سيما صخرة تيخيلت». وبما أن الخط الأخير يقع جنوب الخط الحالي ويضيف إلى مناطق لبنان البحرية مساحة تُقدّر بـ 1430 كيلومتراً مربعاً، ما يؤدي إلى تقوية موقف لبنان وتأمين موقع متقدم له في أي عملية وساطة أو تفاوض غير مباشر، وبما أن هذا الخط من شأنه أيضاً تحويل حقل «كاريش» والبلوك الـ 72 من مناطق إسرائيلية صرفة الى مناطق متنازع عليها، ما يُلزم العدو بموجب القانون الدولي بوقف جميع أعمال التنقيب، وبما أن المفاوضات من دون تعديل المرسوم ستُضعف الموقف اللبناني وتُجبر الوفد التفاوض على أساس الخط الذي ينتهي بالنقطة الـ 23، «نرجو توقيع مشروع المرسوم وإحالته إلى وزير الأشغال العامة ورئيس الحكومة للاطلاع عليه».
وقد أرفقت قيادة الجيش هذا الكتاب الذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه، باقتراح تعديل مؤلف من 4 مواد: «أولاً، تُعدّل الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية للمناطق البحرية اللبنانية، وفقَ لوائح إحداثيات النقاط الجغرافية المبيّنة ربطاً والموضَحة باللون الأحمر على الخريطة البحرية الدولية الصادرة عن الأدميرالية البريطانية رقم 183. ثانياً، يُمكن مراجعة الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية للمناطق البحرية اللبنانية وتعديل لوائحها وفقاً للحاجة. ثالثاً، يكلف وزير الخارجية باتخاذ الإجراءات اللازمة لإبلاغ كافة الجهات المعنية، لا سيما منها الدوائر المختصة في الأمم المتحدة، ورابعاً يقتضي تعديل نص المرسوم تقسيم المياه البحرية الخاضعة للولاية القضائية للدولة اللبنانية إلى مناطق على شكل رقع، بما يتناسَب مع الإحداثيات المعدّلة في المرسوم».
تحذير إلى اليونان
العامل الثاني الذي طرأ على هذا الملف هو «التحذير والتنبيه اللذان وجّههما وزير الخارجية اللبناني شربل وهبة إلى سفيرة اليونان في بيروت كاترين فونتولاكي خلال لقاء جمعهما نهاية الشهر الماضي، من أن تبدأ شركة «انرجين» اليونانية العمل في حقل «كاريش» الذي أصبَح ضمن المنطقة المتنازع عليها مع «إسرائيل»، وذلِك بعدَ أن طرح لبنان خطاً جديداً للتفاوض (خط النقطة الـ 29)». بينما تقول المعلومات إن «الشركة اليونانية التي سبق أن منحها العدو امتياز التنقيب في حقل «كاريش»، وهرباً من المخاطِر الأمنية في هذه المنطقة الحدودية عادَت ولزّمت الأعمال إلى شركة فرنسية، وأن هذا التطورّ سيكون محطّ نقاش مع اليونان وربما فرنسا في المقبل من الأيام»!
أمام هذه التطورات، باتَ السؤال مُلحاً عن الخطوة المقبلة التي ستتخذها الحكومة لوضع حدّ للتعدّي الإسرائيلي أو بدء الشركة المُلزّمة، أياً كانت، من مباشرة أعمالها. هل سيُصار إلى تعديل المرسوم أو يعود لبنان ويلتزم اتفاق الإطار الذي انطلقت المفاوضات على أساسه في تشرين الأول الماضي؟ أم ينسف الصراع بينَ الأطراف الداخلية المفاوضات من أساسها؟
الدائرة القانونية في الجيش أعدّت اقتراح المرسوم وهو موجود في وزارة الدفاع منذ نحو أسبوعين. وفي حال وجود اتفاق على إقرار المرسوم، يحتاج الى توقيع وزيري الاشغال ثم الدفاع قبل ان يوقعه الرئيسان عون ودياب.
وزير الأشغال ميشال نجار أشار في اتصال مع «الأخبار» إلى أن «قرار التعديل يحتاج إلى اجتماع الحكومة». وبحسب مصادر مطلعة، فإن الرئيسين عون ودياب يميلان إلى الموافقة على تعديل المرسوم. أما وزيرة الدفاع، فأحالت الملف على فريقها القانوني لدراسته، من دون اعلان موقف حاسم.
حتى الآن، عبّر الرئيس نبيه بري عن رفضه للمشروع، وهو يعتبر ان المرسوم لا يعكس موقفا تفاوضيا جيدا، بل يعقّد الامر. وهو ابلغ وزارة الدفاع وقيادة الجيش بموقفه.
رئيس الجمهورية ابدى حماسة، لكنه اشترط ان يكون المرسوم مستندا الى حجج قانونية قوية، وجزم بانه في حال صدر المرسوم، سيتم ارساله الى الامم المتحدة، وعندها لا مجال للتراجع عن هذه الحدود تحت اي ظرف.
حزب الله ذكّر الجميع بأن المقاومة معنية بما يصدر من قرار عن السلطات الرسمية اللبنانية، وفي حال صدور المرسوم، فان لبنان لا يمكنه تحويله الى ورقة تفاوض من اجل التنازل عنه، وان لبنان سيكون ملزما الدفاع عن كل حقوقه من دون اي تنازل، والمقاومة ستتصرف على اساس ان هذه المناطق تابعة للبنان.
الرئيس دياب يجري مشاورات مع الجميع، وهو متردد في الخطوة لاسباب كثيرة، من بينها انه يرى في الامر ملفا لا ينطبق عليه برنامج تصريف الاعمال. وهو ارسل من يشاور رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة المكلف ايضا، وسمع ما يثنيه عن القيام بخطوات لا تندرج ضمن مهمة تصريف الاعمال. وهو ينتظر سؤالا من وزيري الاشغال والدفاع عن الموقف قبل ان يتخذا قرارهما بالتوقيع او عدمه على المرسوم.
الامم المتحدة متمثلة بقوات الطوارئ الدولية ابدت خشيتها من ان المرسوم سيعقد المفاوضات، وهي خطوة غير مبررة بعد انطلاقها، اذ لا يجوز لدولة دخلت مفاوضات ان تعيد النظر في حدودها خلال التفاوض.
الولايات المتحدة رفعت السقف عاليا، وابلغت كل المعنيين، ولا سيما قيادة الجيش، بأن توقيع المرسوم يعني وقف المفاوضات الجارية بقرار من لبنان، وانها ستسحب وساطتها ودورها في هذا المجال، وتواصل السفارة الاميركية في بيروت ممارسة ضغوط بهذا الاتجاه.
قريبون من قيادة الجيش يعتبرون ان المرسوم مبرر قانونيا، لكنهم ينقلون عن قائد الجيش قوله ان الجيش اداة تنفيذية في هذا الملف وهو يلتزم بما تقرره السلطة السياسية.
وبحسب المصادر فانه «عندما يُسأل قائد الجيش عن اقتراح التعديل، وما إذا كان سيرسم خطاً علينا الالتزام به وعدم التراجع عنه، أو أنه ورقة للتفاوض، يجيب بأن تعديل المرسوم وإبلاغ الأمم المتحدة بخط الحدود الجديد، سيمنحان الوفد المفاوض ورقة قوة في مواجهة العدو على الطاولة. وهذه الإجابة تعني أن قائد الجيش يقترح خطاً للتفاوض، ويحسم مسبقاً التراجع عنه، ما يعني أن تعديل المرسوم لا يهدف إلى تثبيت حق لبنان، بقدر ما هو وسيلة لتسجيل انتصار وهمي سيؤدي إلى وقف التفاوض وتفويت فرصة ترسيم الحدود وبدء التنقيب في المنطقة القريبة منها. ماذا سنقول في حال لم نستطع تحصيل ما نطالب به؟ هل نقول إننا تنازلنا عن جزء من حقوقنا؟».
وهبة حذّر سفيرة اليونان من نتائج تنقيب شركة «إنرجين» اليونانية في حقل «كاريش» الإسرائيلي
ويذهب معترضون على تعديل المرسوم أبعد من ذلك. هم يرون أن «التعديل الآن يعني نسف الصيغة الحالية للتفاوض، بهدف فرض صيغة جديدة على لبنان، من قبَل الوسيط الأميركي، تقوم على التزامن بين الترسيم البري والترسيم البحري. وبرّاً، يريد العدوّ إجراء تبادل للأراضي مع لبنان، للحصول على مساحات من الأراضي تحمي مستوطنات أو كاشفة عسكرياً».
يردّ مقربون من قائد الجيش بأن «التفاوض قائم على المساحة الواقعة بين خطَّي النقطتين: 1 و23. وفي حال الاستمرار بالتفاوض على المساحة ذاتها، فهذا يعني احتمال تراجعنا عن الحدود المعلنة من قبلنا. فلماذا لا نذهب إلى توسيع المساحة المتنازَع عليها؟ مهما تنازلنا حينذاك، فإننا سنحصل حتماً على مساحة أكبر من تلك المتوقّع أن نحصل عليها بالتفاوض الحالي». ويجزم هؤلاء بأن الحديث عن «اكتشاف» ضرورة تعديل المرسوم هو أمر طارئ حديثاً، يتجاهل أن أول مطالبة بتعديل المرسوم سُجّلت قبل 10 سنوات، في اجتماع للجنة الأشغال النيابية. وعام 2019، أرسل وزير الدفاع السابق كتاباً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، تحدّث فيها عن وجود خيارات في الترسيم تعطي لبنان مساحات إضافية جنوباً («الأخبار»، 3 شباط 2021، «إهمال مراسلات ودراسات: من نيترات الأمونيوم إلى ترسيم الحدود / هل يمنع لبنان التفريط بـ1400 كلم2 من مياهه؟»).
الانقسام حول تعديل المرسوم يبدو عميقاً إلى درجة الحاجة إلى وسيط بين القوى المتصارعة. وفي حال لم يُحسم الجدال قريباً، فإن لبنان معرّض لإضاعة فرصة ربما لن تُعوَّض لتثبيت حقوقه. ولا ينبغي لهذا النقاش أن يبقى محصوراً في دائرة تأثير تعديل المرسوم على المفاوضات غير المباشرة مع العدو. فهذه المفاوضات متوقّفة حالياً، وربما لن تُستأنف. ولذلك، يجب على الدولة أن تتعامل مع هذه القضية البالغة الأهمية من زاوية المصلحة الوطنية العليا: أن يحسم مجلس الوزراء أمر المساحة الإضافية. إن كانت من حق لبنان، فعليه تثبيت ملكيته لها في الأمم المتحدة وحيثما يجب، وعدم الدخول في أيّ مفاوضات قد تدفعه إلى التنازل عن جزء منها. هذه القضية لا تحتمل تعدّد الأهواء.
الوفد المفاوض يحشد الدعم للتعديل
في الأسبوع الماضي، «جال» الوفد اللبناني المشارك في مفاوضات الناقورة لترسيم الحدود الجنوبية، على عدد من الجامعات، افتراضياً، لحشد الدعم لاقتراح ترسيم الحدود الجنوبية. أعضاء الوفد (العميد بسام ياسين والعقيد مازن بصبوص والخبير في القانون الدولي لترسيم الحدود نجيب مسيحي ورئيس وحدة الجيولوجيا والجيوفيزياء في هيئة إدارة قطاع البترول وسام شباط)، تطرّقوا في الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة العربية المفتوحة وجامعة AUST، إلى الشقّين القانوني والعلمي الكامنين وراء خط الترسيم اللبناني المقترح، الذي ينتهي بالنقطة الـ 29، وسلّطوا الضوء على النتائج الرئيسيّة لدراسة الجيش اللبناني التي استند فيها إلى القانون الدولي. بالإضافة إلى ذلك، تناولوا النزاع في سياقه التجاري من منظور شركات النفط العالميّة، ومناقشة تداعياته على المستوييْن المحلّي والإقليمي. النقطة الأخيرة تولّى شرحها شباط الذي تحدث عن أهمية المرسوم المقترح ونتائجه الإيجابية من الناحية الاقتصادية. فقال إن «إيداع المرسوم الجديد لدى الأمم المتحدة يعني قانوناً، أن لبنان يستطيع أن يتقدّم بشكوى عبرَ الأمم المتحدة تمنع التنقيب الأُحادي الجانب»، وفي حال عدم الرضوخ «يستطيع لبنان متابعة الأمر مع الشركة المنقّبة في حقل كاريش الذي يُصبح من ضمن المنطقة المتنازع عليها». وأشار شباط إلى أن «تثبيت الخط لا يمنع وحسب الأنشطة الكاملة في هذه الرقعة، وإنما يحمي عمليات التنقيب في البلوكات الحدودية من الجانب اللبناني». وأوضح شباط أن أهمية المطالبة بخط الـ 29 تحقق أمرين: إجبار «إسرائيل» على العودة إلى طاولة المفاوضات، وحماية لحقوقنا المتوقّعة بأيّ منطقة في هذه الرقعة. كما شرح شباط تأثير التوتر الحدودي على عمل شركة «إنرجين» في «كاريش» الذي يشكّل 70 في المئة من طلب الغاز الإسرائيلي، لأن عدم البدء بالإنتاج سينعكس تأثيراً دراماتيكياً على الشركة، وتوزيع الغاز على القطاعات الاقتصادية في إسرائيل من كهرباء وصناعة وبتروكيميائيات، معتبراً أن هذا الأمر هو «نقطة ضعف لدى العدو، بينما هو نقطة قوة بالنسبة إلينا».