الدكتور عبدالمهدي القطامين
أي عاقل لا يمكن له في الأردن ان يفكر باي انقلاب على الشرعية الهاشمية التي يمثلها الملك عبدالله الثاني فهذه المملكة الصغيرة التي تحتل موقعا استراتيجيا في المشرق العربي ظلت على الدوام في عين العاصفة تحيطها الأعاصير من الجوانب كافة ولعل اخطر تلك الجهات واشدها فتكا هي تلك التي تقع على الحد الغربي ممثلة بدولة الاحتلال الإسرائيلية التي ليس من طبعها ان تسالم وتنطلق من حقيقة سياسية درج عليها قادتها وهي ان كنت تريد السلام فكن مستعدا للحرب ثم ان اناشيدهم التوراتية تدل بلا ادنى شك على مطامعهم في شرقي الأردن حيث كان وفدهم القادم لتوقيع معاهدة السلام مع الأردن عام 94 ينشد وهو عائد من توقيع الاتفاقية للنهر ضفتان هذه لنا والأخرى لنا أيضا .
التوتر الذي شاب العلاقات مع هذا الكيان في الآونة الأخيرة مرده حقبة ترامب الذي اطلق يد الدولة العدوة كيفما شاءت ثم تم اضعاف الدور الأردني كثيرا الذي كان يقوم به تاريخيا بعد ان قفزت الدول الخليجية لتطبع علاقاتها مع إسرائيل دون المرور في الإرادة السياسية التي تفصلهم عن تلك الدولة وهي الأردن بنظامها وجغرافيتها التاريخية التي مكنتها من لعب دور ينطبق تماما عليه قول الشاعر….. ومن نكد الدنيا على الحر ان يرى عدوا له ما من صداقته بد.
ما جرى يوم السبت الأبيض في المملكة لم يكن ليكون لولا ان هناك بوادر مقلقة تم متابعتها من قبل الأجهزة الأمنية الأردنية وهي أجهزة احترافية مشهود لها على مستوى العالم والمقلق فيما وصلت اليه تلك الأجهزة هو ان المتهمين لهم ارتباطات خارجية مع دول عربية ومع إسرائيل بمعنى انهم يمتلكون المال ويمتلكون الدهاء وهو ما اقلق الدولة العميقة وجعلها تفكر في الضربة الاستباقية فالانقلاب كان معكوسا هذه المرة الدولة هي التي قامت بالانقلاب عبر أجهزتها المعنية على اشخاص ظلوا طويلا يمثلون جزءا من الدولة وعلى رأسهم عراب الخصخصة الأردنية الذي دمر ممتلكات الدولة الأردنية التي بنيت عبر مائة عام من عمر الدولة والذي اثرى بشكل مفاجيء وكان مطلبا شعبيا ان يتم محاكمته لكن أصحاب القرار اغضوا عن ذلك وتم ابعاده عن المشهد الاقتصادي الأردني ليحل في مكان اكثر تأثيرا في الاقتصاد السعودي وفي القصر السعودي وليكون بعد ذلك عراب عملية التطبيع التي تمت بين الدول الخليجية وإسرائيل في مشهد سريالي لم يكن متوقعا ان يكون في أي يوم من الأيام.
ما الذي زج باسم الأمير حمزه في واقعة السبت الأبيض بالتأكيد هو علاقته مع بعض الأطراف المشار اليها وتحديدا مع الشريف حسن بن زيد المقرب من النظام السعودي ومن باسم عوض الله ولكن هذا الزج بدا غير منطقي لأسباب عديدة أولها ان الرجل لم يكن يوما ما فاعلا في نظام الحكم ولم يعرف عنه الفساد المالي وهو بالكاد يعيش من مخصصاته كأمير وهي مخصصات لا تكاد تفي بمتطلبات الحياة اليومية على الرغم من امتلاك والدته الملكة نور ثروة طائلة ورثتها عن الراحل الملك الحسين الا انه وحسب المعلومات التي رشحت من مقربيه لم يمد يده لتلك الأموال.
الأمير حمزه شخصيا يمتلك كاريزما مميزة وينال الكثير من الاعجاب من مكونات مجتمعية عدة وقد اكتفى الرجل بالقيام بنشاطات اجتماعية وزيارات لمختلف مناطق المملكة هي اقرب ما تكون الى النشاطات الاجتماعية الهادفة الى التقرب الى الناس وكان يمكن استغلال هذه الثيمة لتعزيز اركان النظام وان تكون نقطة قوة بدلا من ان تكون نقطة ضعف وان أشار عدة مرات الى وجود فساد في مؤسسات الدولة وترهل في الإدارة فأن تلك الإشارات حقيقية والكل مقتنع بها ولا يوجد أي خلاف على ان المملكة مرت بفترات وما زالت تنامى فيها الفساد الى حد بعيد سواء كان ماليا او إداريا لذلك أرى ان امر الأمير حمزه متروك للعائلة نفسها فالرجل يمثل ورقة رابحة بالنسبة للنظام وبالنسبة للشعب ولا يجوز ان يتم التفلت عليه من قبل الاعلام ومن قبل بعض السياسيين الفارغين الا من كراسي اكسبتهم صفة رجال دولة دون ان يحملوا جينات رجال الدولة .
والسؤال هل كان الأمير حمزه يسعى للسيطرة على الحكم والجواب بكل تأكيد لا فهو مثقف سياسيا ويعرف ان أي اهتزاز في العرش الهاشمي ليس لمصلحة أي جهة لا العائلة المالكة ولا الشعب ولا الوطن وهو أيضا يدرك ان أي تغيير لن يحدث في ظل وجود أجهزة امنية قوية وجيش قوي والتفاف شعبي كبير حول العرش إضافة الى دعم إقليمي ودولي للنظام في الأردن وعلى رأسه الملك عبدالله الثاني وقد اثبتت ردود الفعل الصادرة عن اغلب دول العالم ان الملك عبدالله الثاني يمتلك كافة خيوط اللعبة السياسية ويدير المملكة بكل اقتدار على الرغم من تنامي التذمر الشعبي من السياسات الاقتصادية التي أدت الى تردي حياة المواطنين لكنها ظلت ضمن حدود الإصلاح أي يمكن إصلاحها ويمكن ان ترفع من سوية الحياة المعيشية للناس عبر تبني سياسات اقتصادية جديدة تضع حدا للهدر المالي والفساد الذي اصبح من سمات هذا الاقتصاد.
لقد كشف السبت الأبيض امران مهمان بالنسبة للأردن وامران مهمان بالنسبة للإقليم الامر الأول بالنسبة للأردن اثبت ان الأردن ليس جمهورية موز وان هناك أجهزة امن قوية تتابع كل صغيرة وكبيرة لحماية الوطن يشرف عليها مباشرة رأس النظام الملك عبدالله الثاني مثلما كشف السبت الأبيض كم يحظى الأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني بالاحترام من كافة دول العالم بلا استثناء كما كشف ان لدينا طبقة سياسية فاشلة بكل معنى الكلمة فمن تابع لقاءات بعض من يحسبون على انهم رجال دولة في لقاءاتهم مع بعض الفضائيات يرى كم كانوا بائسين في التحليل ومعالجة الامر ولم يكونوا قادرين على اقناع أي طرف بعدالة قضيتهم اما على مستوى الإقليم.
إقليميا كشفت الاحداث الأخيرة ان التضامن مع الأردن ربما يكون ظاهريا يختلف عن باطنه وان البعض ايد وازر من باب رفع العتب وما في النفوس الله وحده اعلم بها والامر الثاني ان غربي النهر قوم يتطلعون الى فرض هيمنتهم على الأردن ويتحينون الفرص مهما كانت للانقضاض على الأردن وقيادته على الرغم من اعترافهم ان الأردن يشكل البعد الاستراتيجي لدولتهم.
أخيرا كل عاقل يدرك ان النظام الهاشمي في الأردن هو صمام امان بقاء الدولة وان الدولة التي دخلت مئويتها الثانية هذه الأيام عليها ان تعيد حساباتها وان تبادر على الفور الى حركة اصلاح شاملة تطال الشأن السياسي والاقتصادي ومنح المزيد من الحريات فالشعوب الحرة وحده هي القادرة على حماية امنها ونظامها.
حمى الله الوطن حمى الله الشعب حمى الله القيادة
صحفي ومحلل استراتيجي
(سيرياهوم نيوز-رأي اليوم٦-٤-٢٠٢١)