بقلم:باسل علي الخطيب
هل ستهاجم الولايات المتحدة ايران؟…
ليست بحاجة لذلك….
هل سيهاجم الكيان الصهيوني ايران؟…
لن يستطيع الكيان تحمل تبعات الهجوم…..
هل تمثل إيران عقدة كبيرة للمنظومة الغربية ككل؟….
قولاً واحداً نعم….
هل السبب في ذلك أن إيران تشكل تهديداً للكيان الصهيوني؟…..
قولاً واحداً لا….
هل السبب أن إيران تشكل تهديداً لمشيخات الخليج؟…
مرة أخرى لا….
هل السبب أن إيران تشكل تهديداً للمصالح الغربية في المنطقة؟…
ولكن إن استثنينا إسرائيل والمشيخات، أين هي مصالح الغرب في المنطقة؟…..
اذا أين تكمن العقدة مابين الغرب وايران؟…..
ايران وبكل بساطة تشكل تحدياً للمنظومة الغربية ككل، لأنها تشكل تحدياً للعقلية الغربية، تشكل تحديا للعقلية الانجلوساكسونية، تلك التي تمثلها ثقافة الرجل الأبيض…
تلك الثقافة تعتبر نفسها الأكمل والأمثل والقدوة، تعتبر نفسها الحضارة النهائية، و لا أدل على ذلك من كتابي (نهاية التاريخ) لفرانسيس فوكوياما، و (صراع الحضارات) لصموئيل هينغتون، و إن كان في الكتابين بعض التناقض، لكنهما يتفقان على أن الحضارة الانجلو ساكسونية، حضارة الرجل الأبيض، هي الأكمل، وهي ختام حضارات الجنس البشري….
ولأن عقلية ثقافة الرجل الأبيض تفترض نفسها الأكمل، لذا تعتبر أن على الكل الانقياد لها طوعا أو كرهاً، و على الكل تمثل كل مفردات هذه الثقافة في كل المجالات، في السياسة والاقتصاد والفكر والفن والمنظومة الأخلاقية…..
لاتستطيع ثقافة الرجل الأبيض تقبل دولة ما ، أيا كانت الدولة، لاتستطيع هذه الثقافة تقبل دولة ذات نهج سياسي أو اقتصادي أو ثقافي مستقل، لاتستطيع تقبل دولة في هذا العالم ذات قرار سيادي مستقل، اولا من مبدا العجرفة والغرور والتفوق، وثانيا أن وجود هكذا دولة، حققت النجاح لوحدها بمعزل عن الثقافة الغربية، قد يشجع غيرها على انتهاج ذات الطريق، مما يقوض السيطرة الغربية على العالم….
ايران حققت ماقلته اعلاه، دولة ذات قرار سيادي مستقل، دولة ذات طموح جيوسياسي، دولة ذات قاعدة صناعية وعلمية وبخبرات وإمكانات ذاتية، دولة ذات تقاليد عسكرية، دولة ذات إرث حضاري كبير وراسخ وقديم جدا، دولة ذات شعور قومي متجذر، دولة ذات مخزون ثقافي وفكري وفني كبير ومذهل وابداعي، دولة ذات نظام تعليمي وصحي متقدم جدا….
والأهم أنها دولة ذات نظام سياسي يعرف كل ذلك، ويسعى أن تكون إيران دولة عظمى، ليس على المستوى الإقليمي فحسب بل على المستوى العالمي…..
هذه هي كل القصة مابين إيران والغرب، أو مع العقلية الغربية، عقلية الانجلوساكسون، و دعكم من كل ذاك الكلام عن البرنامج النووي الايراني، أو برنامج الصواريخ الباليستية، أو التدخلات الإيرانية في المنطقة، أو الأذرع الايرانية في المنطقة، أو تهم الارهاب….
كل ذلك ليس إلا عناصر الاشتباك، كل ذلك ليس إلا تفاصيلاً صغيرة أمام المعضلة الاساسية أعلاه، ولن يكون عند المنظومة الغربية أي مشكلة في كل ما قلناه، لو كانت إيران تابعة أو خاضعة لتلك المنظومة…..
قلت اعلاه إن الولايات ليست بحاجة أن تهاجم ايران، و لم اقل أنها لن تحارب ايران، الولايات المتحدة تشن حرباً شعواء على ايران، استراتيجية الولايات المتحدة ومن بعد غزو العراق عام 2003، وبعد الخسائر الكبيرة البشرية والمادية، التي تكبدتها أثناء احتلال العراق، وكذلك افغانستان، انتقلت من مرحلة الانخراط المباشر في الصراعات عبر قواتها، إلى مرحلة الاعتماد على الجيوش البديلة، سواء كانوا عملاء أو مرتزقة أو إرهابيين…….
الولايات المتحدة تحارب إيران ببعض ايران، الخطر الأعظمي على إيران ليست قوة أعدائها، إنما الخلل البنيوي في اساسات الدولة الايرانية، إيران وحتى تاريخه لم تخرج من جلباب الثورة، لم تنتقل إيران حتى تاريخه من مرحلة الثورة – الدولة إلى مرحلة الدولة – الثورة…
إن كانت ايديولوجيا الثورة – الدولة مفيدة على المستوى الخارجي لتحقيق الطموحات الجيوسياسية، لكن هذه الايديولوحيا صارت مضرة وخطرة على المستوى الداخلي، أنها أنتجت وتنتج انقساما عمودياً كبيراً، وهذا الانقسام يتأصل اكثر، و ما كل تلك الاختراقات والاغتيالات والتفجيرات داخل إيران، إلا بعض مخرجات هذا الانقسام….
عدا عن ذلك، وهذه نقطة مهمة، حان الوقت لإيران للخروج كدولة من جلباب الدين، وتحديداً من جلباب المذهب، ترك الدين أو المذهب يتغلغل إلى هذا الحد في مفاصل الدولة، يتغلغل في ثقافة بناء الدولة، سيضعف الدولة على المستوى المتوسط والبعيد، ويقوض أي إمكانية لبناء ثقافة وطنية جامعة……
نعم، حان الوقت لإيران للانتقال التدريجي من مرحلة الدولة الدينية إلى مرحلة الدولة المدنية، ضمن عادات وتقاليد المجتمع الإيراني….
هذان الأمران ملحان جداً، ويقاربان الحاجة الوجودية للدولة الايرانية، والا سيظل الأعداء قادرين على إيجاد الطرق المناسبة لتهديد الأمن القومي الايراني، بل وتحطيم النموذج الإيراني ككل…..
(سيرياهوم نيوز1-خاص بالموقع)