| تحسين الحلبي
تحاول القيادة السياسية والعسكرية للكيان الصهيوني المحافظة على الترويج أن قدرة ردعها ما تزال فعالة وقوية حتى في أعقاب تزايد الحديث عن تدهورها وهي تستخدم التهديدات والإعلان بأنها مستعدة لمجابهة حرب على ثلاث جبهات وحدها بل تضيف إنها تستطيع وحدها شن حرب على الجمهورية الإسلامية.
لكن ما نلاحظه بموجب سجل تهديداتها وجدول عملها العدواني يخالف هذا الترويج الإعلامي وخاصة في السنوات الثلاث الماضية فهي التي كثفت تركيزها منذ عام 2009 عن طريق حكومة بنيامين نتنياهو السابقة في ذلك الوقت، على مهمة ضرب إيران بقوتها الذاتية أو بمشاركة قوة مباشرة عسكرية أميركية وفي حرب مشتركة، ومع ذلك لم تجرؤ على تنفيذ خطة كهذه أو على إقناع واشنطن بهذه المشاركة، وتمكنت إيران بالمقابل هي وبقية أطراف محور المقاومة من تطوير قدراتها سنة تلو أخرى ومن زيادة قدرة ردعها على مختلف الجبهات.
لا شك أن عجز الكيان الإسرائيلي عن شن حرب شاملة وحده وبقدراته المباشرة أصبح واضحاً منذ الحرب التي شنها في عام 1967 على كل من مصر وسورية والأردن والتي لم تكن بقوته المباشرة الذاتية وحدها، ففي ذلك الوقت تبين أن الشروط التي حدد ضرورة وجودها لشن حرب «وقائية» أو «استباقية» وحده بموجب ما أطلق عليها، توافر معظمها وأولها وجود مشاركة أميركة عسكرية مباشرة بطائرات حربية قادها بشكل سري طيارون أميركيون يحملون بطاقات هوية مدنية وجرى وضع نجمة الكيان على الطائرات لكي لا تظهر أنها أميركية، وهذا ما كشف في مصادر كثيرة أحدها كتاب يوسي شفارتس غرين: «الانحياز»، وما كشفه ديفيد إس روبارج في عرضه لدور المخابرات الأميركية في ترتيب هذه المشاركة المباشرة بالاستناد إلى وثائق سمح بالاطلاع عليها بعد أربعين سنة، وبعد ضمان هذا الشرط الخارجي، أعد ليفي أشكول رئيس حكومة إسرائيل في عام 1967، الشرط الداخلي وهو ضمان وجود حكومة أغلبية واسعة تشارك فيها المعارضة التي كان يرأسها منذ عام 1949 مناحيم بيغين فقد جمع أشكول في هذه الحكومة حزب مناحيم بيغين ومقاعده الـ26 وحزب ديفيد بن غوريون الذي كان قطباه موشيه دايان وشمعون بيريس ينتميان إليه وتمثله 10 مقاعد فأصبح لديه أغلبية هائلة بما يزيد على ثمانين مقعداً من 120 وبهذه الطريقة ضمن حزب أشكول وهو حزب العمل التاريخي ألا يفقد السلطة إذا هزم في هذه الحرب ومنح دايان وزارة الحرب.
في الحرب التي شنها الكيان الإسرائيلي في حزيران 1982 ضمنت حكومة مناحيم بيغين الائتلافية على المستوى الداخلي السياسي 68 مقعداً ولكن حزب العمل بقي في المعارضة لاستغلال ما سوف ينتج عن تلك الحرب، ومع ذلك كان المستوى الخارجي مناسباً لشن الحرب في ذلك العام بوجود دعم أميركي وأطلسي وإقليمي فقد كانت حرب صدام ضد إيران في أوجها وحرب أفغانستان ضد موسكو في أوجها وكانت الدول العربية منشغلة بحرب صدام وحرب أفغانستان، وفي النهاية ألحقت سورية والمقاومة اللبنانية والفلسطينية على أرض لبنان الهزيمة بقوات الاحتلال والقوات الأجنبية التي انتشرت في بيروت من أربع دول غربية، وتأزمت الجبهة الداخلية الإسرائيلية وتدهورت معنويات جيش الاحتلال وفرت القوات الأجنبية عام 1983، إلى أن أجبرت قوى المقاومة إسرائيل على الفرار والانسحاب، وكانت الحرب التي يطلق عليها قادة جيش الاحتلال: حرب لبنان الثانية عام 2006 الحرب التي تشنها مباشرة على لبنان وحدها مع كامل الدعم العسكري من واشنطن وتتكبد فيها هزيمة نكراء وها هو الوضع الداخلي الإسرائيلي في أوج أزماته المستعصية.
ومنذ ذلك الوقت حتى الآن لم يقم الكيان الإسرائيلي بشن حرب مباشرة وحده إلا وهزم فيها نسبياً حتى في قطاع غزة في عام 2008 -2009 وفي عام 2014 وفي عام 2018 وفي عام 2021 في سيف القدس.
وكانت صحيفة معاريف الإسرائيلية قد توجهت بسؤال في 29 كانون الثاني عام 2022 إلى رئيس الأركان السابق الفريق غادي آيزنكوت هو: «هل تستطيع إسرائيل شن حرب مباشرة على إيران وحدها»؟ فأجاب قائلاً: «إن هذه المسألة معقدة، دعنا ننظر إلى الولايات المتحدة فنحن حين نصدر أمراً بتحليق طائرات إف 35 الأميركية الأكثر تطوراً، نرى ونعرف أنها ليست بحاجة أن نبلغها بذلك لأنها تعرف من لحظة انطلاقها، لأن كل شيء مربوط بالمنظومة الأميركية».
ويضيف: «ففي أعقاب العملية العسكرية الإسرائيلية «حماة الأسوار» (والمقصود هنا عملية سيف القدس في أيار 2021) ضد قطاع غزة طلبنا من واشنطن قطاراً جوياً من المسيرات والذخائر فأرسلوا لنا مبعوثهم الخاص روب مالي، وتعمد رئيس الحكومة نفتالي بينيت بالإعلان أنه لن يستقبله مع أنه وصل»، أي إنه قابله.
هذا هو رد غادي آيزنكوت الذي يعد الآن أكثر رؤساء الأركان في جيش الاحتلال خبرة ودوراً من خلف الستار.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن