الرئيسية » كتاب وآراء » ايليا ج. مغناير: سورية: هل تبدأ الحرب الكبرى من بلاد الشام؟

ايليا ج. مغناير: سورية: هل تبدأ الحرب الكبرى من بلاد الشام؟

ايليا ج. مغناير:

مما لا شك فيه أن العالم يعيش مخاضاً حقيقياً بسبب أزمات متتالية إبتدأت بالتصادم الإيراني – الأميركي في العراق مروراً بالأزمة الصحية – الإقتصادية التي ضربت القارات بسبب الفيروس المستجد الذي سلب حياة أقل من 400 الف نسمة حول العالم وعشرات الملايين من الوظائف.

إلا أن هذا لم يمنع أميركا من فرض العقوبات وتوزيعها يمنه ويسرى وتحدي إيران لها – وهي تحت العقوبات القصوى – بإرسال خمسة ناقلات إلى فنزويلا لفك الحصار النفطي عنها الذي سببه منع امريكا توريد المواد اللازمة – وعقوبات أخرى – لتكرير النفط الفنزويلي. ومع إنفجار الوضع الداخلي في أميركا الذي سببته العنصرية المستأصلة، تتحضر جبهات أخرى في الظل من أجل منع الحرب أو المواجهة إذا لزم الأمر. وهذه الجبهة تبدأ في بلاد الشام حيث تتحرك الأمور على جبهات عدة أولها التحضر لمواجهة إسرائيل وخروقاتها المستمرة وقصفها مئات الاهداف في سورية طيلة سنين الحرب. فهل تذهب الأمور إلى حرب شاملة من جراء خطأ يصبح مميتاً ويجر المنطقة إلى صدام شامل؟

لقد أصبح علماً مكشوفاً أن إسرائيل تمتلك قوة نارية هائلة وأزرع مختلفة (براً وبحراً وجواً) مسلحة أفضل تسليح. وكذلك أصبح معروفاً أن أعداء إسرائيل يمتلكون أسلحة متطورة والطائرات المسيرة المسلحة وصواريخ ذكية مجنحة وأخرى إستراتيجية دقيقة الإصابة ضد السفن والمواقع والطائرات على علو متوسط و صواريخ اسرع تصيب أهدافاً نقطية في كل الجغرافيا الفلسطينية التي تسيطر عليها إسرائيل، بما فيها الموانئ والمطارات والثكنات العسكرية والبنية التحتية.

ولم تطور إسرائيل روحيتها القتالية ولا خبرتها العسكرية على أرض المعركة لأن المعركة الأخيرة التي خاضتها تعود لعام 2006 التي إعتبرت الحرب الثانية على لبنان (الأولى إجتياح العام 1982). بينما طور أعداء إسرائيل روحية القتال وحاربوا على جغرافيا واسعة جداً مع جيوش (السوري والروسي والعراقي) كلاسيكية وضد مجموعات مسلحة دربتها أميركا وأخرى جهادية تتبع للقاعدة وداعش وتمتلك خبرات قتالية عالية وروحية مرتفعة أفضل بكثير من روحية الجندي الإسرائيلي. وقد خاض هؤلاء الجهاديون معارك ضد الجيش الأميركي طيلة إحتلاله للعراق وأكملوا المشوار ضد الجيشين العراقي والسوري وضد تنظيمات مختلفة مما أكسبهم قدرة قتالية وروح إستشهادية لا يستهان بها وتكتيك قتالي عصاباتي متقدم. إلا أن خسارتهم أمام الجيش السوري والروسي وحلفاء إيران لم يحقق ما كانت تتمناه إسرائيل الذي قال وزير دفاعها موشي يعالون أنه “يفضل وجود داعش على حدوده وليس إيران وحلفائها”.

وهذا ما دفع بإسرائيل للتدخل بطائراتها ومدافعها ودعمها الإستخباراتي في محاولة فاشلة لدعم هؤلاء الجهاديين وبالأخص في مناطق القنيطرة حيث كان ينتشر جيش خالد بن الوليد الذي بايع داعش وفي مناطق النصرة – القاعدة في درعا وفي مناطق جنوبية أخرى. إلا أن إسرائيل لم تكتف بذلك، بل ضربت العمق السوري في دمشق وفي حمص وحماة والقائم وفي صحراء البادية وأي منطقة يوجد فيها مخازن عسكرية وصواريخ أحضرتها إيران إلى سورية لدعم الجيش السورية وإعادة تسليحه بالصواريخ الدقيقة. وإستطاعت اسرائيل ضرب وتدمير عدد كبير من هذه المخازن. هذا ما دفع إيران الى تغيير سياستها التسليحية للجيش السوري الذي بنى مخازن إستراتيجية في الجبال وتحت الأرض في صوامع، دون أن تكون لديه نية لإستخدامها المباشر، ذلك لأن وقت إيجاد توازن الردع – رداً على مئات الغارات الإسرائيلية – لم يحن بعد نظراً للأولوية السورية التي تنص على تحرير الأرض، وبالإخص إدلب ومحيطها.

وفي ادلب واريافها أنشأ الجيش التركي قواعد عسكرية كبيرة. ولا يزال موجود في محيطها وبداخلها (أي إدلب وأريافها) مجموعات تابعة لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وإنصار الدين (القاعدة ومتبقيات داعش). إلا أن إيران لم تعد ترغب بتلقي الضربات الإسرائيلية دون أن يكون لها أي ردة فعل. الا أن المستشارين الإيرانيين (بضعة مئات) لا يمتلكون حرية الردّ لأن القرار يعود للرئيس السوري بشار الأسد الذي يمتلك حق التقدير وترتيب الأولويات خصوصاً أن أي رد إيراني من سورية من المتوقع والمحتمل أن يؤدي إلى تدحرج الأمور وجرّ أميركا إلى دعم حليفتها إسرائيل وإلى نتائج من الممكن ان تصب في صالح الرئيس دونالد ترامب الإنتخابية خصوصاً أنه يعاني من مشاكل لا تعد ولا تحصى في الأشهر الأخيرة من السباق الإنتخابي نحو كرسي البيت الأبيض. وتالياً فقد قررت إيران – حسب مصادر “الراي” الخاصة – أن تخلي مواقع تجمعات مستشاريها، ليس للإنسحاب ولا لإعادة الإنتشار، بل ليتواجد هؤلاء في مراكز الجيش السوري ومواقعه. وكذلك تقدم “حزب الله” – حسب مصادر قيادة في “محور المقاومة” في سورية – لملئ المراكز التي أخليت ليتموضع فيها ونشر قواته بداخلها. وقد تم إبلاغ روسيا بالتغيير لتصل المعلومة إلى إسرائيل التي تنسق مع موسكو وقاعدتها في سورية (حميميم، شمال غرب سورية) في كل مرة تريد تل أبيب إرسال طائراتها إلى سورية لضرب أهداف معينة. وقد تم الإتفاق بين إسرائيل وروسيا أن تتبلغ موسكو وحميميم تفاصيل أي ضربة قبل ساعات من حدوثها لتجنب الحوادث خاصة بعد أن إتهمت روسيا أن إسرائيل تعمدت الإحتماء وراء طائراتها التي أسقطتها الدفاعات الجوية السورية مما أسفر عن سقوط الطائرة اليوشن -20 ومقتل 15 ضابطاً روسياً في سبتمبر 2018.

وتبلغ روسيا بدورها الجيش السوري وحلفائه بقدوم الضربة دون أن يكون لموسكو أي دور آخر لرغبتها بعدم الدخول كطرف في الصراع الإيراني – السوري – الإسرائيلي. لروسيا مصالحها الاستراتيجية وهي ليست طرف في “محور المقاومة”. وقد أبلغت روسيا القادة الإسرائيليون عن إنتشار المستشارين الإيرانيين مع وحدات الجيش السوري التي ترفض روسيا تعرضه لضربات إسرائيل، وأن القواعد قد سلمت إلى “حزب الله”. وأراد “حزب الله” من وراء ذلك – حسب المصدر – أن تعلم إسرائيل أن أي ضربة لرجاله سيؤدي إلى الرد المباشر على طول الحدود اللبنانية وبداخل فلسطين مما يمنع ردة الفعل الأميركية – الإسرائيلية ضد سورية ويعفي إيران وسورية من الرد. قبل أي ضربة جوية، تتعمد إسرائيل ضرب أهداف محددة عند خلوّها من المستشارين الإيرانيين بعد وصول التحذير الروسي إليهم لتخفيف الخسائر البشرية. وكذلك تنذر الطائرات الاسرائلية ضباط حزب الله عندما يتنقل بعض عناصره المولجين بالعمل في منطقة القنيطرة أو عند نقل شاحنة من سورية إلى لبنان بقصف الهدف دون اصابته بالصاروخ الأول ليتم الاخلاء وعدم توجب الرد الرادع لان الخسائر تقتصر على الماديات. وقد قال وزير الأمن نفتالي بنيت أن إسرائيل تضرب شاحنة وتترك خمسة تمر دون التعرض لها. وبالتالي فان هذه الضربات لا تستوجب الرد وتدحرج الأمور عادة.

وتهدف إسرائيل الى تفادي الأحراج بسبب تقويض الردع الذي فُرض عليها وخلق قاعدة إشتباك جديدة منذ الهجوم الذي نفذته الطائرات الإسرائيلية المسيرة على الضاحية الجنوبية في العام الماضي. وتالياً فأنه من المتوقع أن تنخفض الضربات الإسرائيلية على سورية أو تعتمد إسرائيل على معلوماتها الإستخباراتية قبل ضرب أي هدف تابع لحزب الله للتأكد من خلوه من أي شخص لتفادي الخسائر البشرية والإهانة بردة الفعل كما حصل في الأشهر الماضية على الحدود اللبنانية – الفلسطينية. تحاول إسرائيل دائماً المرور بين الألغام لأنها لا تستطيع التوقف عن الضربات الإستباقية. إلا أن المشكلة تكمن في أي خطأ في حساباتها فتصيب وتقتل عناصر لحزب الله في سورية مما سيؤدي إلى تصعيد قد يأخذ المنطقة إلى حرب أكبر وأشمل خصوصاً أن التوقيت غير مناسب لها ولحليفها دونالد ترامب الغارق في الأزمات الخارجية مع روسيا والصين وإيران وفنزويلا والداخلية بسبب “كورونا” فيروس وسوء التعاطي مع الوباء، بالإضافة إلى الإضطرابات العنصرية بعد مقتل أميركي أسود على يد الشرطة وخسارة الأميركيين لوظائفهم بأعداد تجاوزت الخمسين مليون نسمة. وعلى الرغم من فرض قواعد الإشتباك والتسليح المتقدم لأعداء إسرائيل، إلا أن الحروب تبدأ بغلطة. فهل تقدم إسرائيل على خطئ مميت؟

(سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 7/6/2020)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

عن إعادة التموضع.. ودور النُخَب

      بقلم :بسام هاشم   هفي مرحلة ما بعد الانتصار على الإرهاب، وفي سياق إعادة بناء الدولة الوطنية، تجد سورية نفسها أمام تحديين ...