الدكتور خيام الزعبي
وضع الرئيس الأسد شروطا للقبول بلقاء مباشر مع نظيره التركي أردوغان، حيث أعلن الأسد أن إمكانية عقد لقاء مع أردوغان مرتبطة بخروج تركيا من الأراضي السورية ووقف دعم الإرهاب، يأتي ذلك في وقت تبدو انقرة مصرّة على تأجيل تنفيذ هذه الشروط الى ما بعد لانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقررة في 14 أيار المقبل، ولا يجوز رفع سقف المطالب في العلاقات الدبلوماسية مع بداية المحادثات في حال كانت الأطراف المتفاوضة تنوي المصالحة والتفاهم وإيجاد حل للخلافات.
سعت تركيا في الأشهر الأخيرة بشكل متزايد لترميم العلاقات مع دمشق لدفن الخلافات الدبلوماسية السابقة، لعل هذا المسعى التركي إزاء دمشق هدفه كسب الشارع التركي، وقطع الطريق على المعارضة التركية التي استخدمت ورقة السوريين للضغط على الحكومة، وتأليب الشارع ضد أردوغان، الذي تزداد نقمته يوماً بعد يوم بسبب الوضع الداخلي المعيشي المتردي، لذا انتهجت حكومة العدالة والتنمية سياسة مختلفة تماماً نحو تصفير المشكلات وكسب الأصدقاء، وآخر محطة في هذا التحرك كانت مع دمشق.
من الواضح إن النظام التركي لا يرغب في تطبيع كامل مع دمشق، فحكومة حزب العدالة والتنمية التركي تسعى حالياً إلى تجاوز مرحلة الانتخابات، وما يقلق أنقرة في الفترة الحالية موضوع عناصر حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية، والموضوع الأهم إعادة اللاجئين، حيث كان هناك خطة طرحها اردوغان وهي إعادة مليون لاجئ سوري، وفي حال نجاح أنقرة في التواصل مع دمشق لإيجاد حل لمشكلة اللاجئين سوف تخدم الحزب الحاكم في تركيا، وستكون ورقته الرابحة في الانتخابات المقبلة.
ومن هذا المنطلق أثبت أردوغان أنه بارع في الانتهازية السياسية ،بينما تدعي تركيا أنها تحارب التوسع الإرهابي، وتسعى بشكل متزايد إلى الشرعية والاعتراف الدولي بدورها قانها في الوقت نفسه تحتل أراضي سورية وعملت على تسليمها بعض المناطق لجبهة النصرة المدرجة على لوائح الإرهاب، بالإضافة الى عقدها صفقات مع مجموعات مسلحة متنوعة، واتهامها بتسهيل توفير غطاء لـ”داعش، فضلاً عن تدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية عبر أدواتها من التنظيمات الإسلامية المتطرفة.
إن أي قراءة للرغبة التركية في التقارب مع دمشق يجب ربطها بالعاملين الأميركي والإسرائيلي، فلا يمكن حل موضوع “قسد” والأميركيون موجودون في منطقة شرق الفرات، وهناك عنصر مهم آخر لا يمكن تجاهله في أن واشنطن التي تسيطر على قرار الرئيس التركي، لن تقبل أي مصالحة أو عملية سياسية تؤدي الى تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، فالرئيس التركي وضع يده بيد الغرب وحلفاؤه، ولم يفعل ذلك إلا بعد إتفاقه معه على كل التفاصيل.
إن بناء الحوار” كان ملاحظاً “عدم وجود اندفاعة سورية كما هو بالنسبة للجانب التركي، فدمشق من جهتها وضعت مصلحتها الوطنية فوق كل الاعتبارات، فبدت غير متحمسة لهذا اللقاء، خاصة وأن المعارضة التركية تطرح ضمانات الانسحاب من الأراضي السورية وأيضا بدفع تعويضات وعودة اللاجئين والتعاون الاقتصادي ، بمعنى إنها ستنفذ ما يعد إردوغان بتنفيذه، وبالتالي من الأفضل لدمشق أن يكون هناك تغيير في تركيا، ثم تبدأ عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة.
مجملاً…عندما نتابع الأحداث السياسية وبرؤية تحليلية نكاد نجزم ان الرئيس اردوغان مستميت لمصالحة دمشق وان المستقبل السياسي لاردوغان وتركيا، كدولة، مرتبطان بتنازل الرئيس الاسد وقبوله عقد لقاء مع الرئيس التركي، ومن هنا فإن دمشق لن تلتقي باردوغان قبل الانتخابات ولن تعطيه هذه الهدية أو المكافأة، ومن الواضح أن جميع الأطراف تؤكد على أنّها مهتمة بإيجاد حل سلمي للأزمة السورية غير أن التاريخ الشخصي لاردوغان يدعو إلى توخي الحذر لأنه صنع لنفسه اسماً بشكل أساسي كدعاة حرب، وبالتالي فإن المنطقة مقبلة على تحولات وأزمات خطيرة، ، وفي تقديري فإنه قبل نهاية هذا العام سنشهد تدويراً للكثير من الزوايا في مجمل العلاقات الدولية، والأيام المقبلة وحدها ستجيب عن ذلك.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم