د. نهلة عيسى
أختي, أخي, رفاقي, زملائي, أحبتي, عابرو المكتب والطريق: أرجوكم توقفوا عن سؤالي ما رأي بكذا وكذا, وما الذي سيجري, وإلى أين ستؤول الأمور, وماذا عن تكاليف العيش بعد تشكيل الوزارة, ولماذا بقي فلان ورحل علان, ومتى ستبدأ معركة ادلب, وهل سيستمر الصمت طويلاً على قسد, وأين السيدة “كهرباء”, و و و الخ, والله العظيم لا أعرف, والحائط صديقي مثلما هو صديقكم, ورأسي على كتفه طول اليوم, وقمة أحلامي في هذا البلد “السعيد” أن ينتهي الشهر بعد عناء الكدح .. بسلام, يشبه ما أسماه عرفات يوماً “سلام الشجعان”, من باب رش السكر على الموت, أي البقاء على قيد الحياة رغم اللا حياة!؟.
أخواتي, رفاقي, اصدقائي: أرجوكم لا تسألوني عن شيء, لأن اجوبتي لن ترضي أحد, ولن تشف غليل, لأني أكتب الحقيقي وليس المثالي, أكتب ما يجري في دمي, ويرتطم بروحي بلا هوادة, بطريقة يستحيل معها اقتلاعه أو تجاوزه أو حتى التصالح معه بدون وضع الأصبع في الجرح, أو على الأقل الإخبار عن الجرح, لعلي بذلك أكون منادياً يستدرج سامعاً وربما مؤيداً, أو يستنفر طبيباً معالجاً, وأعتقد واهمة أني بذلك أخفي وجعي, أخفيه بالعري الفاضح, لأحتفظ للحزن بكبريائه, ولا أظن أنني مضطرة, أو من واجبي اصدار نشرة عن طقسي النفسي, وكيف أتلمس الوقائع من حولي, توزع إلى “من يهمهم الأمر” في الصالونات المكيفة, تملقاً واستجداءً للتأييد الاجتماعي, لأضيف حدثاً بائساً آخر إلى أحداث أيامنا المجللة بالستائر الكاتمة للنور!!
اخوتي, أخواتي: أنا مثلنا جميعاً, أصحو كالملدوغة لأبدأ جحيمي اليومي, لئلا تراق القطرات الأخيرة من ماء الوجه, ولستر شقوق تتسع يوماً بعد يوم في نسيج كراماتنا, امضاءات, مراجعات, اجتماعات, نقاشات حادة على الصواب وعلى الخطأ, ومشاجرات حتى على ركن السيارة, وكلام, وثرثرة, وبشر وطلبات, وحرد أنني لا أرد الزيارات, وحسد مبطن أنني أبدو بخير, وأنني على قدمي ما زلت أسير!!
صديقاتي, اصدقائي: ليس لدي أجوبة, فالتهم تطال من يرفع الصوت في البلاد مع العباد, رغم أن تشارك الآه مع العباد, هو نوع من التصبر, وفعل مقاومة, وقرع جرس لئلا يصدأ الجرس, فيشيخ الغد بانتظار أن يكون غداً, ليُسوق الخوف من الحقيقة, وتُعوم الأخطاء, وتنزع مخالب الجرأة, وتقص أجنحة الحلم, وتغطى بحروف بيضاء محايدة, منشاة, ومحضر ممهور بالتواقيع لجداول لا متناهية من المحظورات والحواجز الكلامية والعملية, التي يضاف إليها كل يوم عشرات البنود الجديدة, الممنوع مناقشتها أو التساؤل عنها, والتي تلغي وتجرم كل إشارات التعجب والاستفهام, بل حتى التأوه والأنين, والصدق مع الذات والآخرين والوطن, لدفعنا جميعاً للتساقط عن شجرة الصدق واحداً تلو الآخر بعدما تم قنصنا كالعصافير, لأننا لا نراع مشاعر من يريدون النوم على حرير, بأن الغد يولد كما الجنين “ورزقه معه”!؟.
اخوتي, رفاقي: ماذا يفعل أمثالي ممن في قلوبهم جمر, وعلى ألسنتهم أسئلة برسم الوأد بفعل رصاص “عمدي” يترصد السؤال والحنجرة, ولا يتورع عن الوقوف بخشوع متقن, في السرادقات لتلقي العزاء بالسؤال والسائلين, لأن موتهم متطلب المرحلة!؟ وسط طوفان من التبجح, والمزايدات الوطنية, والقصائد (الشاعرية) التي يتغنى ويتغزل أصحابها بخرابنا وآلامنا, ويجدون تفسيراً(جمالياً) لكل القبح الذي نعيشه, والقيح الذي نتجرعه, والقلق الكابوسي على الوطن ومن فيه؟ صدقوني: ضاق الخيار, وشعرة “معاوية” انقطعت ألف مرة ومرة, وقصصت شعري, ووصلته ألف مرة ومرة, وكل مرة أجد نفسي أمام سؤال, تصرون أن تعرفوا اجابته, وعندما تعرفون تتضايقون, وتتمنون لو أني لم أجب عليه, ولذلك وبدون طول سيرة .. لا تسألوا, أنا قارعة جرس, ومن قال: أن وقع صوت الجرس جميل على أسماع المتألمين, خاصة وأنه لا رأي لمن لا يطاع!؟.
(سيرياهوم نيوز-البعث2-9-2020)