بدايةً، ودُونَ لَفٍّ أو دوران، نرى لزامًا علينا أن نُؤكّد في هذه الصّحيفة أنّ من جاء بوزير الخارجيّة الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة هو الفِدائي الفِلسطيني خيري العلقم مُنفّذ عمليّة القدس، وزميله ابن الثّلاثة عشر عامًا محمد عليوات مُنفّذ عمليّة سلوان وصُمود تصاعُد قُوّة كتائب جنين، وعرين الأسود، وبلاطة، وبهدف إنقاذ دولة الاحتِلال الإسرائيلي التي تقف على حافّة الانهِيار عسكريًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا.
بلينكن جاء يُريد هُدوءًا بلا ثمن، وتحفيضًا للتوتّر بمبلغ 50 مِليون دولار فقط تبرّعًا من إدارته لوكالة غوث اللّاجئين (الأونروا)، أو بالأحرى كرَشوةٍ مصحوبةٍ بدُموعِ التّماسيح تمثّلت في تقديمِ “تعزيةٍ مُمَغْمَغَةٍ” للرئيس الفِلسطيني بشُهداء المجازر الإسرائيليّة الذين سقطوا في الأراضي المُحتلّة طِوال العام الماضي، ساوى فيها بين الجلّاد والضحيّة ووضعهما في كفّةٍ واحدة، وإعادة تِكرار الأُسطوانة الأمريكيّة المشروخة، والمُمِلّة، والكاذبة بدَعمِ حلّ الدّولتين الذي ماتَ وشبع تعفّنًا، ومُعارضة الاستيطان الذي أكمل مَهمّته بابتِلاعِ مُعظم أراضي الضفّة الغربيّة، والقُدس المُحتلّين.
مُؤسِفٌ أن يكون ثمن هذه التّهدئة التي يُريد وزير الخارجيّة الأمريكي الحُصول عليها لا يزيد عن 50 مِليون دولار فقط، ويحصل مُقابلها على عودة قوّات الأمن الفِلسطينيّة لقمْعِ شعبها، والقِيامِ بمهامها وخدماتها لدولة الاحتِلال، وأبرزها التجسّس على الفِدائيين، وإجهاض الانتفاضة الفِلسطينيّة المُسلّحة التي باتت مصدر تهديدٍ وجوديّ لدولة الاحتِلال، ويُشَرّفنا أن نقول له إنّ ثمن الانتِفاضات المُسلّحة هو تحرير الأرضِ كاملةً.
الرئيس عبّاس أبدى استِعدادًا للعمل مع الإدارة الأمريكيّة، والعودة إلى التّنسيق الأمني والدولي، والمُفاوضات مع دولة الاحتِلال، لإنجازِ سرابٍ ووهمٍ اسمه حلّ الدّولتين، وهي مُفاوضاتٌ استمرّت 30 عامًا حتّى الآن كانت غِطاءٍ لهجمةٍ استيطانيّةٍ “أثمرت” توطين 800 ألف مُستوطن إسرائيليّ حتّى الآن، وهذا، أيّ التعهّد بالعودة للمُفاوضات العبثيّة أمْرٌ صادم ومُخيّبٌ لِما تبقّى من آمال.
الانتِفاضة المُسلّحة الثانية التي انطلقت بعد مُفاوضات كامب ديفيد عام 2000 برعايةِ إدارة كلينتون كرَدٍّ على شُروطها المُهينة، جرى إجهاضها بوعودٍ كاذبةٍ مِثل “خريطة الطّريق” و”اللّجنة الرباعيّة” وها هو بلينكن يُريدُ استِخدام الوعود والأكاذيب نفسها، للوصول إلى النّتائج نفسها من زيارته الحاليّة، ولكنّنا نجزم بأنّه لن ينجح في هذه المَهمّة، لأنّ كتائب جنين، والعرين، وبلاطة، والقسّام، وسرايا القدس والأقصى ومُنفّذي عمليّتيّ القدس الأخيرتين وزُملائهم، لا يُوجد “مِقوَدُهم” في المُقاطعة في رام الله، وليس لهُم أيّ علاقةٍ بسُلطةِ الرئيس عبّاس ولا يأتمرون بأمْرِها، ويتعاطون حتّى الآن بقُوّاتها الأمنيّة كفِرعٍ لنظيرتها الإسرائيليّة.
زيارة بلينكن لم تنجح ولن تنجح، ولا يجب أن تنجح، لأنّ الانتفاضة المُسلّحة على الأرض غيّرت كُلّ قواعد الاشتِباك، ولجأت إلى اللّغةِ الوحيدةِ التي يفهمها الاحتِلال، وهي استِخدامُ القُوّة، والرّصاص الحيّ، والرّغبة بالشّهادة، وفوق هذا وذاك إيمان شبابها بحتميّة النّصر، وتحرير كُل الأراضي الفِلسطينيّة من البحرِ إلى النّهر، والأهم من ذلك أنّهم لم يثقوا، ولن يثقوا بأمريكا وكُل الغرب المُنافق، وأكاذيبه الفاضحة.
الانتِفاضة المُسلّحة الثانية استمرّت 4 سنوات، والانتِفاضة الثّالثة قد تستمرّ فترةً أطول، وستَجِبُّ كُل ما قبلها، وخاصّةً اتّفاقات الذُّل والعار في أوسلو، وستُمهّد لفجرٍ فِلسطينيّ عربيّ إسلاميّ جديد يُحرّر الأُمة العربيّة من الهيمنة الأمريكيّة واتّفاقات سلام أبراهام وكامب ديفيد ووادي عربة.. والقادم مُشَرّفٌ بكُل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم