يُمكن القول بأن المراقبين السياسيين الذين توقّعوا قرارًا من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بإبعاد مُستشاره الأمني الأبرز هاكان فيدان عن رئاسة جهاز الاستخبارات، يتحدّثون عن القرار باعتباره ليس مُحصّلة لرغبة أردوغان فقط في أن يتولّى فيدان في ولايته الثالثة والتي يعتقد الجميع أنها الأخيرة وزارة الخارجية فقط بقدر ما هي محصّلة لحسابات أمنية مُعقّدة لدى الرئيس أردوغان شخصيا الذي كانت لديه أسئلة عام 2016 أمنية الطابع بخُصوص انسياب المعلومات قبل الانقلاب الشهير.
يسأل الأتراك بكثافة بعض الأسئلة: هل تعيين فيدان وزيرا للخارجية تكريما له على المرحلة الماضية أم أن هذا التعيين إبعاد وعزل له عن مقر الجهاز الأمني الذي اشتد عوده وأصبح له بصمة ودور أساسي في الإيقاع العام مؤخرا، وهي مسألة نمت وتطوّرت على أيدي هاكان فيدان.
السؤال الثاني هل المسألة لها علاقة برغبة الرئيس أردوغان في تحديث العمل الدبلوماسي أم تحديث وعصرنة والحفاظ على الولاء في المنظومة الأمنية التي تقدّمت بواسطة هاكان مؤخرا وعبر جهاز الاستخبارات.
طبعا هذا الصنف من الأسئلة لا جواب مباشرا عليه.
لكن المعلومات التي تروج بأن خليفة هاكان في إدارة الاستخبارات هو أكثر الأشخاص والمستشارين المعروفين بالإخلاص الشديد للرئيس أردوغان.
والمقصود هنا الدكتور إبراهيم كالن تحديدا حيث خطوة قد تنطوي على إثارة وتساؤلات.
وبعض الاستنتاجات وإذا ما تسلم الدكتور كالن تحديدا إدارة الاستخبارات خلفا لهاكان فإن الفرصة متاحة أمام القول بحسابات لا علاقة لها بتكريم هاكان بقدر ما لها علاقة بالتجديد الطبيعي والمقصود والمبرمج في إدارة الهيكل الأمني وبواسطة كبير المُستشارين الذي ادخله قصدا خلال العام الماضي الرئيس أردوغان على الخط الأمني بحضور الاجتماعات المرتبطة بالأمن القومي وبالقضايا العسكرية والأمنية.
مُخلصان عمليا في غاية الأهمية أحدهما سيصبح وزيرا للخارجية في وزارة عريقة والثاني سيجلس مكان الأول في إدارة جهاز الاستخبارات والهيكل الأمني حسب أكثر الترشيحات نفوذا حتى مساء السبت.
ذلك ترتيب اقترحه الرئيس العجوز الحكيم والخبير كوصفة لها علاقة بسلسلة من الأهداف المحددة مسبقا لتأسيس الصورة النمطية الجديدة في الولاية الثالثة والأخيرة كما يعتقد الرئيس التركي.
بالنسبة لهاكان وزارة الخارجية ليست وزارة جديدة فالرجل أصلا عمل بالسلك الدبلوماسي وفي مركز وزارة الخارجية سنوات طويلة قبل أن ينتخبه الرئيس أردوغان ويعينه مديرا للاستخبارات وطوال الوقت أشرف هاكان شخصيا على تدريب وتأهيل طبقة كبيرة من السفراء والدبلوماسيين الشباب أمنيا لا بل شكّل لجنة تجتمع لوضع تقديرات موقف وتقييمات أمنية لها علاقة بالسلك الدبلوماسي.
وجود شخصية بخلفية أمنية على رأس وزارة الخارجية خلفا لمولود جاويش أوغلو قد يعني الكثير فهاكان على علم مباشر واحتكاك بكل الملفات الإقليمية وبكل تفاصيل العلاقات الدولية والإقليمية التركية ولديه مخزن وافر من المعلومات وكان طرفا في الاشتباك السياسي والدبلوماسي خصوصا مع دول الخليج وبصفة خاصة مع السعودية خلال العامين الأخيرين.
أما كالن إذا ما عُيّن فعلا مديرا للاستخبارات سينحسر دوره في الحفاظ على مُستويات مُتقدّمة من الولاء النقي في هذا الجهاز المهم والذي كان له بصمة أساسية ودور في مرحلة الانقلاب وما بعدها.
دون ذلك بعض المُفاجآت لا يُمكن إنكارها في طبيعة تركيبة الطاقم الوزاري الذي قرّره الرئيس التركي في ساعة متأخرة من مساء أمس خصوصا وأن المفاجأة الكبري كانت باختياره تعيين جودت يلماز نائبا لرئيس الدولة وهو اختيار يؤشر على أن أردوغان يرغب ببقاء الشخصيات المغمورة في هذا الموقع.
أما الأهم في التشكيلة الوزارية فهو محمد شيمشك وزير المالية والخزانة الجديد والذي سيترأس عمليا المطبخ الاقتصادي في الطاقم الوزاري للرئيس أردوغان.
وما تُردّده الأوساط والمصادر المُطّلعة أن شيمشك صاحب نظرية مهمة مُرتبطة بأساليب وأنماط رفع وتخفيض الفائدة خلافا لأنه تقدّم بتقارير وألقى محاضرات عديدة في كيفية الاتجاه الذي ينبغي أن تتّجه إليه الإدارة المالية حفاظا على استقرار سعر الليرة التركية.
طبعا شيمشك له آراء اقتصادية تُخالف السياسات النقدية والمالية والاقتصادية للرئيس أردوغان لكنه شخصية علمية وأكاديمية موثوقة جدا في الأسواق المحلية وله حضور مُقدّر ومُحترم وسط الخُبراء وعُلماء الاقتصاد والإدارة المالية وهو أيضا شخصية قوية وموثوقة ولها دور أساسي في ترتيبة الحكومة الحالية.
وأغلب التقدير أن شيمشك دخل أو وافق على الدخول الوزاري لحكومة الرئيس أردوغان فارضا بعض الشروط التي تسرّبت وأهمها أنه يدير وزارة المالية مستقلا ولن يقبل بأي تدخّل في صلاحياته لاحقا، أما الشرط الثاني فهو ذلك المتمثل في أن تبعية البنك المركزي ستكون له بعد الآن وأنه لن يقبل أي تدخّل من رئاسة الجمهورية لا في السياسة النقدية بالبنك المركزي ولا في وزارة المالية وخططها.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم