بينما تمضي إسرائيل قدماً في مشروعها لقضم الجنوب السوري، وتسعى تركيا لهندسة وجودها العسكري في هذا البلد، عبر تعيين ملحق عسكري وبدء دراسة إمكانية إقامة قواعد جديدة وسط سوريا، تتابع قوى الأمن والفصائل التابعة لـ«هيئة تحرير الشام»، والتي قيل إنها انحلّت واندمجت في وزارة الدفاع الناشئة، حملاتها الانتقامية في ريف حماة، حيث تم تسجيل انتهاكات جديدة راح ضحيتها ثلاثة أشخاص، إلى جانب إصابة وفقدان نحو 55 آخرين، تحت ذريعة «محاربة الفلول».
وفي وقت أصدرت فيه «جامعة الدول العربية» بياناً دانت خلاله الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الجنوب السوري، خرج وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، ليؤكد الإصرار على المشروع الذي أعلنه رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، والذي يقتضي إفراغ الجنوب السوري من أي وجود عسكري للنظام الجديد، إلى جانب التعهد بحماية الأقليات، وفتح الباب أمام بناء قنوات تواصل اقتصادية تربط سكان الجنوب بالمناطق المحتلة. وأكّد كاتس، في كلمة خلال مؤتمر لرؤساء المجالس الإقليمية (البلدية)، أمس، أن إسرائيل تقود حالياً خطة تحمل اسم «حماية الحدود والمستوطنات»، وتعتبر سوريا «جزءاً» منها، مضيفاً أن لدى حكومته «التزاماً كبيراً تجاه أصدقائنا الدروز في سوريا ونسعى للحفاظ على التواصل معهم».
وجاءت تصريحات الوزير الإسرائيلي بعد يوم واحد فقط من شن إسرائيل عدواناً كبيراً جديداً شاركت فيه طائرات حربية ومروحيات ومُسيّرات حلّقت على ارتفاع منخفض، في وقت تقدمت فيه قوات برية إلى مناطق عديدة في ريفي القنيطرة ودرعا، إلى جانب التقدم نحو منطقة الكسوة على تخوم دمشق. وفي هذا الإطار، قال كاتس إن تلك الاعتداءات جاءت بعدما قام النظام السوري الجديد بنشر قواته في بعض المناطق العسكرية، مشدداً على أنه لن يسمح بـ«انتهاك نزع السلاح في جنوب سوريا»، وبـ«تشكل أي تهديد»، وفق تعبيره.
في غضون ذلك، أعلنت وزارة الدفاع التركية الانتهاء من ترتيبات تعيين ملحق عسكري في سوريا. وقالت، في بيان، إنه «من المقرر أن يتولى الملحق مهامه قريباً (…) كما تخطط وزارتنا لإرسال فريق تقني إلى سوريا في المستقبل القريب لتعزيز العلاقات العسكرية الثنائية»، لافتة إلى «تعزيز قدراتها الدفاعية والأمنية بالتعاون الوثيق والتنسيق مع الإدارة الجديدة». وفي وقت لم تذكر فيه الوزارة أي معلومات حول ما تم الاتفاق عليه خلال زيارة الرئيس الانتقالي في سوريا، أحمد الشرع، إلى أنقرة، في الرابع من هذا الشهر، والتي قالت إنها أضافت «بُعداً جديداً ومهماً إلى العلاقات بين البلدين»، تأتي خطوة تعيين ملحق عسكري في إطار توسيع نفوذ أنقرة، التي تملك فعلياً عشرات القواعد العسكرية في الشمال السوري، في عمق جارتها الجنوبية، وسط حديث عن ترتيبات تسمح لها بحرية حركة أكبر في الداخل، إلى جانب إقامة قواعد عسكرية في منطقة البادية، في محاكاة للاتفاقات التي عقدتها تركيا مع حكومة «الوحدة الوطنية» التي تسيطر على طرابلس والغرب الليبي.
تعرضت مقامات تخصّ الطائفة الإسماعيلية، في جبل المشهد العالي في مصياف، لاعتداءات
وفي تصريحات يمكن اعتبارها تمهيداً للتوسع العسكري التركي، قالت الوزارة، التي يجري الحديث عن إمكانية لعبها دوراً بارزاً لمواجهة التهديدات الإسرائيلية في ظل عدم امتلاك الجيش السوري الجديد أي قدرات تمكنه من ذلك، إنها لا ترى من الصواب أن تعلن إسرائيل أنها لن تسمح بأي تهديد للدروز في جنوب سوريا، ثم تستهدف بعض النقاط في المنطقة، لافتةً إلى أن «هذه السياسات والتصريحات تشجع الأجندات الانفصالية. نحن في تركيا ندعم وحدة الأراضي السورية وسلامتها السياسية غير القابلة للتجزئة، وسنواصل التعاون مع الحكومة السورية في هذا الإطار بكل حزم».
من جهة أخرى، بحث المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، مع نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، تطورات الأوضاع الإنسانية والسياسية في سوريا. وذكر بيان صادر عن الخارجية الروسية أن بيدرسن وفيرشينين تناولا «تطورات الأوضاع في سوريا، بما في ذلك قضية شمولية العملية السياسية في البلاد، والتسوية بشكل عام»، بالإضافة إلى «الوضع الحالي على الأرض، ومهام المساعدات الإنسانية الدولية لسوريا، وتعزيز العملية السياسية الشاملة التي يقودها وينفذها السوريون أنفسهم بدعم من الأمم المتحدة، على أساس احترام سيادة البلاد وسلامة أراضيها، كما هو منصوص عليه في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الرقم 2254».
ويأتي اللقاء بين بيدرسن وفيرشينين في الوقت الذي يقود فيه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، جهوداً روسية جديدة لتوسيع قنوات التواصل مع دمشق، بشكل يضمن بقاء القوات الروسية في قاعدتي «حميميم» الجوية وطرطوس البحرية، الأمر الذي بحثه أيضاً مع الجانب التركي خلال زيارة إلى أنقرة، تبعتها زيارتان إلى طهران ومن ثم قطر، التي يزورها كذلك الشرع.
أما على الصعيد الداخلي، فشهدت قرية عين شمس، التابعة لمصياف في ريف حماة، حملة أمنية مكثفة نفذتها فصائل متشددة تابعة لـ«هيئة تحرير الشام». وفي هذا السياق، أكدت مصادر محلية، في حديثها إلى «الأخبار»، أن «أهالي القرية قاموا، في وقت سابق، بإجراء تسوية تم بموجبها تحييدهم عن أي صراعات عسكرية، الأمر الذي من المفترض أنه كان سيحميهم، غير أن هذه التسوية لم تمنع الفصائل من اقتحام القرية تحت وابل غزير من الرصاص، والقبض على عشرات المواطنين بذريعة أنهم من «فلول النظام السابق»، في حين تم تسجيل مقتل ثلاثة أشخاص، وإصابة آخرين».
وأشارت إلى أن المهاجمين عمدوا إلى تحطيم الأبواب وتخريب الأثاث المنزلي والاعتداء اللفظي والجسدي على السكان، في وقت لم تستجب فيه أي جهة حكومية لنداءات استغاثة أطلقوها. كما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن أحد القتلى هو من المعتقلين، وقد عثر الأهالي على جثته مرمية على إحدى طرق حماة، وتابع أن بين المعتقلين أطفالاً وكباراً في السن.
وفي القرداحة في ريف اللاذقية، وهي القرية التي تنحدر منها عائلة الرئيس السوري السابق، بشار الأسد، تعرّض مواطنون لإطلاق نار كثيف، تسبب بإصابة عدد من الأشخاص، وذلك خلال محاولة عناصر يتبعون لقوى الأمن مصادرة منزل أحد المدنيين بحجة إقامة حاجز أمني. ولدى اعتراض شقيق صاحب المنزل، والذي حاول منع القوى الأمنية من دخوله، تطورت الأحداث بشكل متسارع، واستُعمل خلالها الرصاص الحي، ما دفع السكان إلى الخروج في تظاهرة رافضة لهذه الانتهاكات، قبل أن تصل تعزيزات أمنية إلى القرية، ويتم في وقت لاحق الإعلان عن تهدئة بعد لقاء مع الوجهاء.
وفي قرية الخراب في ريف طرطوس، فتح مسلحون النار على شبان كانوا يجلسون أمام سوبرماركت، ما أدى إلى مقتلهم، علماً أن من بينهم مُقعداً. وأظهرت لقطات مصورة قيام شبان يستقلون سيارات شبيهة بسيارات الفصائل، بفتح النار على الشبان الذين كانوا يلعبون «الورق»، قبل أن يتركوا المكان ويغادروا بهدوء. وأثارت هذه الحادثة موجة غضب كبيرة في المنطقة، خصوصاً أنها تتزامن مع جرائم بعضها يرتبط بخلفيات طائفية.
إلى جانب ذلك، تعرضت مقامات «إخوان الصفاء وخلان الوفاء» في جبل المشهد العالي في مصياف، لاعتداءات بعد دخولها من قبل القوى الأمنية، والتي اتهم الأهالي أفراداً منها بإطلاق الرصاص على المقامات وصندوق التبرعات وتخريبه من الداخل. وقوبل ذلك بتنظيم عشرات المواطنين احتجاجات ضد الاعتداءات التي تطاول المقامات التي تخص الطائفة الإسماعيلية، فيما أطلق عناصر القوى الأمنية الرصاص في الهواء لتفريق المتظاهرين.
أخبار سوريا الوطن١_الأخبار