محمد نور الدين
في انتظار زيارة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى سوريا، والتي يُعدّ لها لتكون تكراراً لفتح السلطان سليم الأول لبلاد الشام بعد القضاء على فانصوه الغوري المملوكي في معركة مرج دابق عام 1516، ليس من المبالغة القول إن التغييرات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط والمشرق العربي، ولا سيما في سوريا، ستترك أثرها البالغ على مجمل المشهد الإقليمي والدولي لسنوات وربّما لعقود مقبلة. ويمكن في هذا الإطار، تسليط الضوء على الآتي:
1- للمرّة الأولى في التاريخ الحديث الذي تلى سقوط السلطنة العثمانية، عام 1918، تعود الهيمنة التركية إلى المنطقة، عبر إحدى دولها الرئيسية، وهي سوريا. وليس من قبيل المصادفة أن يقع أحد أبرز المؤرخين الأتراك، إيلبير أورطايلي، في سياق تبرير تلك الهيمنة، في سقطة علميّة، عندما يقول إن «سوريا لم تَعرف وجود دولة في تاريخها، فهي إمّا كانت تابعة للرومان أو للعثمانيين، وما حصل لاحقاً من وجود مجموعات إثنية ومذهبية لم تشكّل دولة حقيقية».
وقوع سوريا بالكامل بيد أنقرة يجعل ممكناً القول إن الحدود الجغرافية، فضلاً عن السياسية، لتركيا مع العالم العربي قد تمدَّدت وتغيَّرت
2- إنّ التماهي الكامل بين السلطة الجديدة في دمشق والسلطة القائمة في أنقرة، يعكس موازين القوى في سوريا، حيث كانت تركيا هي رأس الحربة في التغيير الذي حصل، وحيث كانت الفصائل المعارِضة، ومنها «هيئة تحرير الشام»، وبمعزل عن بعض مصادر تمويلها، تعتمد في كل تسليحها وتدريبها وعلاقاتها وسياساتها على «رب العمل» التركي الذي شكل «القابلة القانونية» حتى الثامن من كانون الأول الجاري، تاريخ سقوط النظام بشكل كامل. ومن دون تركيا، ما كان ممكناً كلّ الذي حصل.
3- إنّ وقوع سوريا بالكامل بيد أنقرة يجعل ممكناً القول إن الحدود الجغرافية، فضلاً عن السياسية، لتركيا مع العالم العربي قد تمدَّدت وتغيَّرت، لتصبح على حدود مباشرة مع دولتَين جديدتَين، هما الأردن ولبنان، فضلاً عن الكيان الصهيوني؛ ناهيك بأن حدودها مع «العراق العربي» قد عادت (عبر حدود سوريا الشرقية مع الأقسام غير الكردية من العراق)، بعدما كانت زالت لمصلحة الحدود مع الفدرالية الكردية في شمال العراق.
وبالعودة إلى التطورات الجديدة في سوريا، فقد حظيت زيارة وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، إلى دمشق، باهتمام بالغ في الأوساط التركية، كونها شكّلت «محطّة متقدّمة» في طريق استكمال «الهيمنة التركية» على سوريا، على أن تُتوَّج بزيارة إردوغان إلى العاصمة السورية خلال الأيام القليلة المقبلة. ووفقاً لأحمد حاقان، في صحيفة «حرييات»، فإن «ما لفت الأنظار خلال استقبال أبو محمد الجولاني لحاقان فيدان، هو طراز هندامه الذي مرّ بثلاث مراحل: الأولى ثيابه العسكرية كقائد لهيئة تحرير الشام، والثانية ارتداؤه تدريجيّاً الجاكيت والقميص، والثالثة ارتداؤه ربطة العنق». وتوقّف حاقان عند الحرارة الكبيرة التي تم بها العناق بين «الجولاني» وفيدان، في ما يعكس، بحسب الكاتب، مدى التأثير التركي في الإدارة السورية الجديدة. ومع ذلك، فهو اعتبر أن «الأهمّ، ليس ربطة العنق، بل التمكُّن من إبقاء سوريا المتعبة والمقسّمة موحّدة، وإنشاء نظام يحتضن الجميع وكل المعتقدات بحرّية»، لافتاً أيضاً إلى أن «استقبال الجولاني للزعيم الدرزي، وليد جنبلاط، يعدّ رسالة مهمة بأنّ النظام الجديد لن يستبعد أحداً من المكونات السورية المختلفة من علويين ودروز ومسيحيين». كذلك، لاحظ حاقان أن وزير الخارجية، في كل لقاءاته ومقابلاته أخيراً، وخلال الزيارة، ركّز على «ألَّا يهرع أحد ليتحكّم في سوريا، لا تركيا ولا الولايات المتحدة ولا إيران ولا روسيا ولا أيّ أحد آخر».
ومن جهته، قال إسماعيل صايماز، في موقع «خلق تي في»، إن «الجولاني ارتدى ربطة العنق في لقائه مع فيدان، لكي يخرج تنظيمه من قوائم الإرهاب. وبعد إردوغان، بات كل مناصري العدالة والتنمية وأقلامه يستبقون اسم الجولاني بـ«السيد». ولكن هذه الازدواجية ليست حكراً على تركيا، إذ إن الولايات المتحدة ألغت أيضاً الجائزة المرصودة للقبض عليه، فيما تصالحت معه كل من فرنسا وبريطانيا». ولفت الكاتب إلى أنه «في الوقت الذي كان فيدان يلتقي فيه الجولاني، كانت الصحافية المعروفة نيفشين منغي تُعتقل لأنها أجرت مقابلة مع رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي السوري الكردي، صالح مسلم، بتهمة أنه إرهابي، بينما تجاه القانون، لا فرق بين الجولاني ومسلم».
وكتب مراد يتكين، بدوره، أنه «في وقت كان فيه فيدان مجتمعاً بالجولاني، كان وزير الدفاع، ياشار غولر، يلتقي بقادة القوات المسلحة في منطقة كيليس على الحدود مع سوريا، ويهدّد بالهجوم على وحدات حماية الشعب الكردية. وقبل لقاء فيدان، التقى الجولاني بوفد أميركي وطلب منه رفع العقوبات عن سوريا، بدلاً من مطالبته بسحب القوات الإسرائيلية التي كانت تقترب من دمشق» وتابع: «لم تكن زيارة فيدان وتهديدات غولر متناقضة، بل الهدف واحد: إبعاد الوحدات الكردية عن الحدود مع تركيا. ومن الطبيعي أن الجولاني ليست عنده القوّة لإبعاد الأكراد، كما أن القوة الوحيدة القادرة على إبعادهم هي الولايات المتحدة. ولكن على الجميع أن يأخذ تهديدات تركيا بتصفية الأكراد على محمل الجدّ».
وفي «غازيتيه دوار»، كتب ياووز خلاط أن «سوريا لم تَعُد مشكلة كجارة، بل أصبحت مشكلات عدّة لتركيا: المشكلة الكردية والعلمانية وحقوق الإنسان والنزعات المذهبية؛ وهي مشكلات لكلّ المحافظات التركية، وعلى رأسها محافظة هاتاي (لواء الإسكندرون)». وقال الكاتب إن «هيئة تحرير الشام هي تحالف من 36 فصيلاً مسلّحاً، أي إنه أصبح لدينا 36 قائداً عسكرياً، و36 زعيماً دينياً، يصدرون فتاوى. ولكن، شاهدنا أنهم عندما تقدّموا إلى دمشق من حلب، لم تكن لديهم طائرات بل دبابات، ونتساءل من أين لهم هذا؟». أمّا محمد علي غولر، فأشار إلى مطالب واشنطن من الجولاني، بالقول «إنها طلبت منه عدم معارضة قسد، وعدم تشكيل أيّ تهديد لإسرائيل وقطع العلاقات مع حماس ومحور المقاومة، وإقامة نظام علماني يحتضن الجميع. ووفقاً لتنفيذ ذلك، تلغى العقوبات تدريجيّاً».
أخبار سورية الوطن١ الأخبار