حسن حردان
لوحظ في الآونة الأخيرة كثرة المواقف والتصريحات من قبل فريق 14 آذار في الدفاع عن اتفاق الطائف، في مواجهة ما أسموه مخاطر تتهدّد الاتفاق.. في حين من المعروف انّ هذا الفريق كان ولم يزل الأقلّ التزاماً بتطبيق الطائف لا بل عمل طوال العقود الماضية على إفراغه من مضمونه.. حتى أصبحت معظم السياسات الرسمية المتبعة متعارضة بشكل صارخ مع دستور الطائف في أهمّ بنوده…!
فمن المعروف انّ الطائف يتكوّن من أربعة عناصر أساسية هي التالية:
العنصر الأول، الإصلاحات السياسية.. وأهمّها تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، ووضغ قانون انتخاب مجلس نواب على أساس وطني، خارج القيد الطائفي، وفق النظام النسبي، وبالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، وبعد ذلك يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية…
العنصر الثاني، اعتماد اللامركزية الإدارية، وخطة إنمائية تقوم على الإنماء المتوازن ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً.
العنصر الثالث، اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال “الإسرائيلي”.
العنصر الرابع، التأكيد على العلاقات المميّزة بين لبنان وسورية، وعدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سورية، وسورية لأمن لبنان، وعليه فإنّ لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مستقراً لأيّ قوة أو تنظيم يستهدف المساس بأمنه أو أمن سورية، وايضاً لا تسمح سورية بأيّ عمل يهدّد أمن لبنان واستقلاله وسيادته…
لكن ما هي حقيقة مواقف قوى 14 آذار من هذه البنود الأساسية المذكورة أعلاه؟
المتابع لسلوك قوى 14 آذار يلحظ ويتلمّس بشكل واضح انها وقفت ولا تزال ضدّ تنفيذ بنود الطائف، بل وكانت تعمل ليل نهار لمنع تطبيقها وإجهاضها والانقلاب عليها عبر إفراغ الطائف من مضمونه.. ويظهر ذلك بشكل جلي، أقله منذ عام 2005 وحتى اليوم، حيث قامت بتنفيذ الانقلاب على الطائف من خلال:
1 ـ العمل على إحداث القطيعة رسميا بين لبنان وسورية، وإشهار العداء ضدّها، وإيواء قوى ومنظمات إرهابية تهدّد أمن واستقرار سورية وتعمل على محاولة إسقاط نظامها المستقلّ تنفيذاً للمشروع الأميركي الصهيوني، وتقديم الدعم السياسي واللوجستي لها.. وهو الأمر الذي يشكل انتهاكاً لدستور الطائف!
2 ـ إشهار العداء ضدّ المقاومة والتحريض ضدّها والدعوة لنزع سلاحها تنفيذاً للإملاءات الأميركية، التي تخدم كيان الاحتلال “الإسرائيلي”… وهو أيضاً ما يتعارض مع دستور الطائف وحق لبنان بمقاومة الاحتلال…
3 ـ عرقلة تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وكذلك منع إقرار قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، كما نص الطائف.
4 ـ عرقلة تطبيق اللامركزية الإدارية والإنماء المتوازن، ودعم السياسات غير التنموية التي همّشت الإنتاج الوطني وحالت دون تحقيق التنمية في المناطق النائية، وذلك في سياق نهجها القائم على اعتماد السياسات النيوليبرالية التي جعلت من لبنان تابعاً اقتصادياً للولايات المتحدة والدول الغربية…
واليوم تريد قوى 14 آذار، الإتيان برئيس ينسجم مع هذه التوجهات التي تشكل انقلاباً على دستور الطائف، من خلال تبنيها ترشيح انتخاب النائب ميشال معوض رئيساً للجمهوية، وهو المعروف بمواقفه السلبية من المقاومة ودعوته لنزع سلاحها، وكذلك استمرار القطيعة مع سورية، تلبية للإملاءات الأميركية.
انطلاقاً مما تقدّم، فإن ادّعاءات قوى 14 آذار بالدفاع عن الطائف وتحذيرها من المساس به، إنما لا يعدو ذراً للرماد في العيون، لأنّ هذه القوى ومن يقف وراءها إقليمياً ودولياً، هي من عمل ولا يزال يعمل على منع تطبيق الطائف والانقلاب عليه..
لهذا فإنّ احترام الطائف وضمان العمل على تنفيذه ومنع الانقلاب عليه، إنما يتطلب الإتيان برئيس يعمل على تطبيق الإصلاحات السياسية، ويدعم المقاومة ضدّ الاحتلال، والعلاقات المميّزة مع سورية، والتنمية الاقتصادية والإنماء المتوازن…
(سيرياهوم نيوز1-البناء)