سارع إردوغان، بعد إعلان فوز ترامب، إلى الاتصال به لتهنئته، متمنياً أن تكون المسارات بين البلدين إيجابية، ومعبّراً عن التطلعات التركية وأهمية التعاون في ملفات حساسة، فهو يبني على العلاقات الشخصية والتواصل المستمر بينه وبين ترامب.
بدأت الدول، ومنها تركيا، محاولة استشراف سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المقبلة، وتأثيرها في مختلف القضايا الدولية والإقليمية. لم تكن علاقة الرئيس التركي إردوغان مع الرئيس الأميركي السابق جو بايدن ودّية، وهو الذي صرح بضرورة دعم المعارضة التركية لإسقاط إردوغان، ولم يكن هناك تعاون بنّاء بين الرئيسين، بل امتنعت إدارة بايدن عن تسليم أنقرة مقاتلات إف16 البديلة عن عملية إخراجها من برنامج الـ”إف 35″، رغم موافقة أنقرة على انضمام فنلندا ثم السويد إلى حلف “الناتو”.
سارع إردوغان، بعد إعلان فوز ترامب، إلى الاتصال به لتهنئته متمنياً أن تكون المسارات بين البلدين إيجابية، متطلعاً إلى التعاون في ملفات حساسة، بالاستناد إلى العلاقات الشخصية والتواصل المستمر بينه وبين ترامب.
هل يعكس هذا التفاؤل الواقع؟
العلاقة الشخصية بين إردوغان وترامب تراوحت في الفترة الأولى لوجوده في البيت الأبيض بين الإيجابية جداً والسلبية، إذ شهدت بعض الأزمات، منها تهديد ترامب إردوغان “بتدمير الاقتصاد التركي” إثر أزمة توقيف القس أندرو برونسون، كما وقّع على عقوبات اقتصادية وأخرى تتعلق بقطاع الصناعات الدفاعية، بما في ذلك إخراج تركيا من مشروع”إف35″ بسبب شراء أنقرة منظومة “إس400” الدفاعية الروسية، يعود ترامب إلى البيت الأبيض للمرة الثانية، مع الأغلبية الجمهورية في الكونغرس، فهو سيكون متحرراً من الضغوط السياسية والحسابات الانتخابية.
العلاقة بين واشنطن وأنقرة مميزة وهي أساسية بالنسبة إلى تركيا؛ لكون الولايات المتحدة مؤثرة في الملفات الحيوية والحساسة بالنسبة إليها، وعلى رأس تطلعاتها الملفان الاقتصادي والتسليحي و الملف الكردي الداخلي، وارتباطه بسوريا والحرب في المنطقة.
إلا أن تركيا تحذر من “فردانية” ترامب ، والتي قد تدفعه أحياناً إلى اتخاذ مواقف تنطوي على مخاطر، وتتمنى رفع القيود الأميركية الموضوعة في مجال صناعة الدفاع، وإعادتها إلى برنامج طائرات “إف- 35″، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وترى أن الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لوحدات الحماية الكردية، وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في سوريا يسيئ إلى العلاقة بين البلدين.
لكنها تتطلع إلى الاستفادة من مشروع ترامب إيقاف الحرب الروسية- الأوكرانية، كونه سيخلق فرصاً أمام الشركات التركية للمساهمة في إعادة إعمار أوكرانيا، ويمنح شركات الصناعات الدفاعية الفرصة في إعادة بناء وترميم الجيش الأوكراني
أما على المستوى الإستراتيجي، فإن وقف الحرب يعني إعادة الهدوء إلى البحر الأسود، وترى أنه يمكنها الاستفادة من العقوبات على الصين، وزيادة التعريفات الجمركية، وقيود نقل التكنولوجيا، التي سيفرضها ترامب على بكين بحيث ستتيح فرصاً جديدة لها في سلاسل التوريد العالمية، ومجال الطاقة.
أما المخاطر التي تخشاها تركيا فهي تتمظهر بالملف الإيراني، ربما ستتيح سياسة التشدد المتوقعة تجاه طهران، اغتنامها بعض الفرص الإقليمية المهمة، كتوسيع نطاق العمليات العسكرية ضد تنظيم حزب العمال الكردستاني “في جبال قنديل ومدينة السليمانية بالعراق، إضافة إلى تذليل العقبات إزاء إعادة فتح ممر زنغزور الإستراتيجي الواصل بين أراضي أذربيجان والعالم التركي بالتفاهم مع روسيا، لكن الخطورة تكمن في نمو التطرف ويمكن أن تؤدي هذه السياسات المتشددة إلى حرب إقليمية، لا سيما إذا أدت إلى امتلاك إيران السلاح النووي، ما يدفع إلى تسريع عملية التسليح النووي.
تخشى أنقرة تعزيز السياسات الإسرائيلية التوسعية، وتشجيع الجهات المناهضة لتركيا، مثل إدارة قبرص الجنوبية في شرق البحر المتوسط و إبقاء القضية الفلسطينية من دون حل، ما يسهم في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. إضافة إلى خشيتها من الخلفيات الفكرية لمعاوني ترامب، إذ يحمل الكثير منهم مشاعر عدائية تجاه تركيا، وإردوغان بصفة خاصة، حيث يرى بعضهم أن إردوغان ” إسلامي مصاب بجنون العظمة”.
توقعات إردوغان في سوريا تصطدم بمصالح روسيا
تراهن تركيا على إمكانية فتح الاتفاق التركي -الأميركي المجال لسيطرة جديدة لها في سوريا. ففي عام 2019، دخلت تركيا تل أبيض وراس العين بعد قرار ترامب الانسحاب. ومن شأن تكرار مثل هذا السيناريو أن يعزز موقف إردوغان في مفاوضات دمشق وأنقرة.
من شأن الانسحاب المتفق عليه بين أنقرة وواشنطن أن يعيد إردوغان إلى اللعبة الأميركية القديمة المتمثلة في استهداف دمشق. وترى موسكو أنه لا توجد إمكانية للقاء تركيا ودمشق في ظل هذه الظروف. التطبيع بين سوريا وتركيا هو ضمان استقرار الوضع. لكن هناك عاملان يعيقان ذلك، دعم تركيا للمعارضة، الذي يجب معالجته، وانسحاب الجنود الأتراك من الأراضي السورية المحتلة. لذلك، يصعب على دمشق الدخول في حوار من دون الحصول على ضمانات قطعية من تركيا بأنها ستسحب قواتها.
أنقرة تريد أن يفتح ترامب صفحة جديدة بقطع الدعم عن “قوات سوريا الديمقراطية” من أجل تعديل العلاقات الثنائية الهشة، وأكد المتحدث باسم حزب “العدالة والتنمية” عمر جليك، إن القوات المسلحة التركية في وضع يسمح لها بشن عملية برية في سوريا بمجرد صدور التعليمات. ويقول: “إن أهم حساسية لدينا هي الحفاظ على عمق 30 كيلومتراً”. ويؤكد أن الموقف الروسي بشأن إمكانية تنظيم تركيا لعمليات جديدة كانت واضحة إذ صرح لافرنتيف بالقول “نحن لا نقبل ذلك، لقد عبرنا عن ذلك مرات عديدة”.بالنسبة إلى روسيا، يجب أن تؤخذ حساسيات أنقرة في الاعتبار من أجل ضمان انسحاب تركيا من سوريا.
لا يشكل مثل هذا التقارب التركي- الأميركي في الشمال بديلاً للحوار الروسي- الأميركي. لأن خلق الظروف التي ترضي “إسرائيل” في هضبة الجولان وقطع الخطوط السورية – اللبنانية يتطلب أكثر من طاولة مساومة. في ما يتعلق بهذه الأهداف، فإن الدور الروسي في سوريا أكثر أهمية من أنقرة.
يعتقد الروس أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في أوكرانيا بعد تولي ترامب منصبه في 20 يناير/كانون الثاني، فستكون هناك وسيلة مفيدة للتفاوض الفوري في سوريا، أضف إلى أن مستقبل سوريا يرتبط على نحو متزايد بالحرب المتعددة الجبهات التي تخوضها “إسرائيل”.
ولا يبدو أن المعادلة يمكن أن تتغير في سوريا من دون إنهاء الحربين في غزة ولبنان، والوصول إلى الظروف التي من شأنها تخفيف التوتر بين إيران و”إسرائيل”. وهذا يشمل انسحاب القوات الأميركية.
موقع أخبار سورية الوطن 2_الميادين