آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » ثنائية الطب والأدب

ثنائية الطب والأدب

|بقلم سعدالله بركات

 

يمكن لأي موهوب إبداعي ، أو صاحب هواية،  أن يحترف مبكرا ، ويعتاش من نتاجه ، إلا من وهب الإبداع الفكري ، شعرا أو نثرا ، تراه قد يتخلى متأخرا ، عن عمله الأصلي  ، ليحترف الكتابة ، وقلة من يفعل ذلك ، أو يقدر، بل يجرؤ على هكذا قرار وفعل ،على نحو مافعل أدونيس ونزار قباني  وحنا مينا .

ذلك أن الاحتراف الفكري ، يعني الاعتماد على نتاجه كمورد عيش ورزق وحيد ، ومنذ القدم وحتى عصرنا الراهن ، ثمة مقولة متداولة ،  ومعروفة واقعا بما يغني عن التفصيل  (إن الكتابة لا تطعم خبزا )، ولذا شاعت الثنائيات ، بين الإبداع الفكري ومختلف المهن ،على تعددها وتنوعها سواء كانت عقلية ، أم يدوية ، وليس شرطا ، أوحصرا على الخريجين .

لكنها ثنائيات محببة ، فلا ضير أبدا ،أن تكون الكتابة هواية ، بل ربما كان لها نكهة مميزة ، وهي تغرف من يوميات مهنة .

عرفنا صحفيين أدباء  ، وأدباء مدرسون  ، ولكن مايلفتنا / ثنائية الطب والأدب / وهي قديمة منذ (لوقا ) الذي امتهن الطب قبل أن يكتب سفرين من أسفار العهد الجديد ، ويرسم أول أيقونة للسيدة العذراء مع الطفل يسوع ، مرورا بابن سينا في العصر الوسيط ، على  سبيل المثال ، إلى،، جاك غريفان الطبيب ،،والكاتب المسرحي الفرنسي ق ١٧، ثم في ق ١٩ ،، أحمد زكي أبو شادي ،، – مصر- ومن سورية ،،عبد الرحمن الشهبندر،، شاكر مطلق ، نزار بني المرجة  و،،عبد السلام العجيلي ،، الذي  لفتت مبكرا موهبته  كطبيب  وكاتب بارع  في الشعر كما في الإبداع النثري، قصصا وروايات ،قادته إلى العالمية من عيادته التى لم يتركها في الرقة حتى جاوز الثمانين( ١٩١٨-٢٠٠٦ )،  لكنها طارت بشهرته ،على جناحي روايته  (( عيادة في الريف )) ١٩٧٨ وما سبقها وتلاها .

 

سئل الطبيب الشاعر إبراهيم ناجي عن كيفية جمعه بين الطب والشعر فقال:

الناس تسأل .. والهواجس جمة.       طب وشعر كيف يتفقا

الشعر مرحمة النفوس وسره.        هبة للسماء ومنحة الديان

والطب مرحمة الجسوم ونبعه.       من ذلك الفيض العلي الشأن

وقال شاعر حماه وجيه البارودي :

أتيت إلى الدنيا طبيباً وشاعراً     أداوي بطبي الجسم والروح بالشعر

وأحسب أن هذا التواؤم وعنوان روايته ،،عيادة في الريف ، يختزلان تمسك العجيلي بمهنته وبعيادته ،  مع موهبته الفكرية  كونهما نبع أفكار غزير من حيوات الناس وحكايات عيشهم اليومي .

حضرني هذا العنوان،  من مؤلفات العجيلي ، عندما فاجأتني السيدة الفاضلة ليلى الشيخ ، حين اشتغلنا  على توثيق الرواد والأوائل في بلدتنا صدد  ، أن الصديق  د. روضان عبداللطيف ،  كاتب قصة ، وفاز بجائزة الإبداع الثقافي لأطباء الأسنان العرب ،عن قصته (( حدث في عيادة )) ، كانت لفتة أم ريم  هذه ، واحدة من (لفتاتها الغيرية )  والمشكورة على ما نقبت من معلومات ، ورفدت بها ذاك الجهد المشترك .

وأما قصة ( حدث في عيادة )  فتتلخص فكرتها  بإحدى  ألاعيب ابتزاز الأطباء ، حين دخل أحد الأشخاص  إلى عيادة طبيب أسنان ، برفقة سيدة فائقة الجمال ،ومن خلال الحديث يتذكر الطبيب أن هذا الشخص هو أحد زملاء دراسته الابتدائية ، وكانوا يلقبونه بالزّعر (زاي مشددة ) ، وهي المقطع الأول من كلمة / زعربو/  التي تستخدم في الريف لترويض  الحيوان ) نظرا

لخشونته وقسوة طباعه ، لكن لم يخطر على باله الطبيب أن زميله لم يغادر طبعه ..

بعد المعاينة والأسئلة التشخيصية  المعتادة ، يستنتج الطبيب سلامة وجاهزية السيدة للعلاج ، وحين أعطاها إبرة التخدير ، بدأت بالصراخ  والتألم البطني بشكل غريب ومريب .

وبعد أن يغادرا  العيادة بساعات ، اتصل الزّعر بالطبيب ليعلمه  أن المريضة زوجته أدخلت إلى المشفى، وأنها أجهضت الجنين الذي كان بأحشائها ، ثم يحضر تقريرا طبيا  بذلك  ، ما يجعل

الطبيب  مضطرا لأن يدفع مبلغا من المال ، للحفاظ على سمعته وعدم الادعاء عليه ، قبل أن يكتشف أن التقرير الطبي مزور ، وأن المشفى موجود ، لكن لا وجود لطبيب النسائية صاحب التقرير.

و في إحدى الندوات الطبية،  يكتشف الطبيب أيضا ، أن العديد من زملائه قد تعرضوا  إلى هكذا ابتزاز ، من قبل نفس السيدة والزّعر ، وبالطريقة نفسها .

اللافت أن د، روضان ، وكنا على تواصل يومي في الجهد التوثيقي المذكور ، وقد بادر للتقصي  عن كثير ممن كان لهم بصمة ما ، لكنه لم يشر إلى ذلك تعففا ،  إلا أنها ليست المفاجأة الأولى ، فحين كنا ننجز وثائقي ،، حكاية صدد… حكاية وطن ،، 2019 ، ألمح عرضا ، أنه زاوج بين الطب والحقوق  ، وتحصل على شهادتي تخرج ، قبل أن يزفني بشرى صدور كتابه البحثي المرجعي الأول  ( الضوابط القانونية  والأخلاقية للمهن الطبية ) جامعا ، أو رابطا بذلك ، ما بين جناحي الإنسانية لدراسته ومهنته .

المفاجأة الثالثة السارة  كانت قبل أيام ، ليست بصدور مؤلفه الثاني عن دار العراب بدمشق  ( تطوير المنشآت الصحية وترويجها ) ،فقد تحدثنا عنه سابقا ، وإنما ، أن د. روضان ، يشتغل على مشروع رواية ، وهذه لعمري  نقلة نوعية في موهبته ، لعل مآلها لايتأخر ، وهو يجمع أيضا ، أو يوزع وقته وجهده ، بين عمله كطبيب وضابط وإداري ..

منذ اليفاع ، لفتني نتاج د. العجيلي الغزير ، وأسلوبه الأثير، واستحضرته  أيضا حين قرأت

عن فوز رواية (صمت) لكاتبها د. عماد طراد ، بجائزة الإبداع الأولى في دمشق 2010 ، وصدرت عن اتحاد الكتاب ودار الشرق .

تقارب الرواية حياة الشباب ، وأحلامهم التي كثيراً ما تتحطم في بيئة  مضادة  للتغيير، والواقع القاسي الذي يتضخَّم بعده المادي على حساب بعده الروحي. تبدأ الرواية بموت شاب قتلاً، فتقوم أخته بعد وفاته بالكتابة باحثة في الحاضر ومستعيدة الماضي ، لتكتشف الحقيقة، كيف ولماذا حدث ما حدث ؟!، ومستشرفة المستقبل لتعرف طريق خلاصها الذاتي. ‏

لكن النتاج الأول لإبداع  د. طراد كانت رواية (الفخ)  وقد صدرت عن دار المدى بدمشق  2007.

تحكي رواية ( الفخ) قصة عائلة تعاني من ندرة الذكورة ، تبدأ جذورها من قبل الميلاد حتى أواخر القرن التاسع عشر حيث يولد بعل، والذي سيعرف باسم بعل الصياد ، لأنه امتهن الصيد، وهو الاسم الذي ستعرف به العائلة ، بينما سيُنسى اسمهم الحقيقي ، وتستمر الرواية راصدة تاريخ العائلة ، مع التاريخ العام لسوريا في القرن العشرين، فتحضن الجانب السياسي إلى جانب الديني والاجتماعي، الحب إلى جانب الجنس والقداسة والخرافة.

مضى على ( صمت ) د. طراد نحو 12 عاما،شهدت ما شهدت من أحداث،أماحان الوقت لجديد؟؟لعله يتحفنابرواية ثالثة بنكهة اغترابه

(سيرياهوم نيوز ٣-الثالث والعشرين من تموز٢٠٢٢)

 

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

شكران مرتجى تكشف ذكرياتها في أيلول … باسم ياخور: 14 سنة والقاسم المشترك المخرج الصديق تامر إسحق

وائل العدس   كما كل خميس، نجول بكم ومعكم حول مواقع التواصل الاجتماعي لنرصد لكم أهم ما نشره النجوم السوريون والعرب هذا الأسبوع، وإلى التفاصيل: ...