لين أبو زينة
يغلب التنوّع على خريطة الدراما السورية في رمضان 2026، مع مجموعة من الأعمال الاجتماعية، والكوميدية، والشامية وحتى التاريخية. إذ كان متوقعاً أن ينطلق تصوير مسلسل «حاتم الطائي» (تأليف عثمان جحا)، بعدما أعلن المنتج والمخرج محمد العنزي (رئيس مجلس إدارة شركة «المها الدولية») قبل شهر عن عودة إستراتيجية إلى السوق السورية التي كانت المحطة الأولى لانطلاق الشركة قبل عشرين عاماً، وعن بدء التحضيرات للمسلسل الذي يروي سيرة أحد أبرز رموز الكرم في التراث العربي.
إلا أنّ كاميرا العنزي لم تدر بعد، من دون جزم مسألة خروج المسلسل من السباق الرمضاني المقبل.
ويُعد المسلسل المنتظر واحداً من أبرز المشاريع التي يعمل عليها العنزي هذا العام، وسيتولى النجم سلوم حداد تجسيد شخصية الشاعر الجاهلي حاتم الطائي، الذي عُرف بكرمه الاستثنائي وفروسيته ونبله، حتى غدا اسمه مرادفاً للسخاء في الذاكرة العربية.
الملاحم الكبرى
دائماً ما شكّلت الأعمال التاريخية في الدراما السورية ركناً أساسياً في المواسم الرمضانية؛ وحققت غالبيتها انتشاراً واسعاً في مطلع الألفية الجديدة. استطاعت هذه الدراما جذب رؤوس الأموال الخليجية التي اعتمدت على مبدعين سوريين في إنتاج أعمال عدة.
ورغم كثرة هذه الأعمال، إلا أنّ بعضها لا يزال ماثلاً في الذاكرة حتى اليوم، مثل مسلسل «الزير سالم» (تأليف ممدوح عدوان وإخراج حاتم علي عام 2000)، حيث جسّد النجم سلوم حداد شخصية عدي بن ربيعة الذي تدور قصته عن فارس وشاعر ينتمي إلى حقبة الجاهلية قبل الإسلام، وأحداث حرب البسوس والأخذ بالثأر بسبب قتل جساس لكُليب.
وعلى وقع انتفاضة الأقصى التي بدأت خريف عام 2000، صُوِّرت سيرة صلاح الدين الأيوبي، ومعركة حطين الشهيرة واستعادة القدس، بعدسة المخرج حاتم علي ونص الكاتب وليد سيف الذي قدّم الرواية التاريخية، فيما جسّد الشخصية النجم جمال سليمان، مبتعداً من المساحات الطائفية الشائكة. وفي هذا السياق، نشأت شراكة الكاتب وليد سيف والمخرج حاتم علي، اللذين قدّما أهم الأعمال في تاريخ الدراما العربية عبر ثلاثية الأندلس («صقر قريش»، و«ربيع قرطبة»، و«ملوك الطوائف»).
وجه مضيء للأعمال المشتركة
لعلّ الدراما التاريخية هي النواة الأولى للأعمال المشتركة، إذ اعتمدت على لمّ شمل نجوم عرب في عمل واحد، منهم الفنانون الخليجيون والمغاربة واللبنانيون بخليط متناغم مركزه الجامع هو اللغة الفصحى، فلم يشعر المشاهد العربي بتلك الفجوة التي يشعر بها في الدراما المشتركة الحاصلة الآن.
تماهت بعض المسلسلات مع السياسات المطلوبة لتمرير الأعمال الفنية
في موازاة ذلك، اعتمدت هذه الأعمال الموضوعية وابتعدت عن الإثارة الدينية والتسييس التسويقي، سواء عبر الطرح أو عبر تجسيد الشخصيات، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، شخصية عبد الرحمن الداخل (جمال سليمان في مسلسل «صقر قريش»).
لكن بعد الحروب والثورات العربية، انحسرت هذه الأعمال وتماهى بعضها مع السياسات المطلوبة لتمرير الأعمال الفنية، لكنها لم تمنع المخرج حاتم علي والكاتب وليد سيف من تجديد اللقاء والشراكة، فكان مسلسل «عمر» (عام 2012 ــ إنتاج مجموعة «أم. بي. سي» وتلفزيون قطر ــ وبكلفة بلغت 53 مليون دولار أميركي) الذي روى سيرة الصحابي عمر بن الخطَّاب، وما دار فيها من أحداث ومعارك، وما أرساه من عدل ونظام في الدولة. وجسَّد الشخصية الممثل سامر إسماعيل، وأُوكلَ أداء صوته إلى الفنان أسعد خليفة بطريقة الدبلجة.
غضب وجدل
ليست الإنتاجات الضخمة العامل الذي يكفل نجاح هذه الأعمال. لعلّ مسلسل «فتح الأندلس» الذي عُرض في شهر رمضان عام 2022، خير مثال على ذلك. يروي العمل قصة القائد طارق بن زياد خلال رحلة الفتح الإسلامي للأندلس (ألّفه ستة كتّاب هم: أبو المكارم محمد، وصالح السلتي، وصابر أحمد، ومحمد اليساري، ومدين الرشيدي، وإبراهيم كوكي ـــ إخراج محمد العنزي). وقد أثار جدلاً واسعاً في المغرب والجزائر، واتُّهم بـ«تغيير الوقائع التاريخية» ووجود الكثير من «المغالطات» بحسب النقاد.
ولجأ بعض أعضاء البرلمان المغربي إلى القضاء للمطالبة بوقف عرض المسلسل بدعوى أنّه يمثل «زعزعة للعقائد الوجدانية المترسخة لدى المغاربة»، معتبرين ــ بحسب زعمهم ــ أنّ الفتح تمّ عبر شمال المغرب وبجيوش شمال أفريقيا، ولم يكن المغرب الكبير مجرد طريق جغرافية لجيوش المشرق، كما عرض في المسلسل.
هنا يرى السيناريست السوري خلدون قتلان أنّ شرط الضخامة الإنتاجية مهم، لكنه لا يكفي لنجاح الأعمال التاريخية، لأن المال يصنع الصورة، ولكن الفكر هو ما يصنع القيمة، لأنّ العمل التاريخي ليس ديكوراً بل رؤية تحاول أن تفهم الماضي لتضيء الحاضر. لذلك يبقى التعويل على الوعي الدرامي، وتحقيق التوازن بين ثلاثة عناصر: نص يقرأ التاريخ بعين ناقدة وإنسانية، وإخراج يعيد صياغة المشهد بروح معاصرة، والتوظيف الصحيح للإنتاج.
أما عن مدى تقبل المشاهد العربي لهذه الأعمال في زمن بات فيه عنصر الصورة متفوقاً على المحتوى، فقد أكد قتلان أنّ الجمهور العربي ذكي وحساس ولم يفقد رغبته في متابعة الأعمال التاريخية ويميل إلى الملاحم الكبرى، لكنه يفقد ثقته أحياناً في طريقة تقديمها، واللغة الفصحى ليست حاجزاً كما يظن بعضهم، بل تصبح عقبة عندما تُقال بلا روح. أما قربها من المشاهد، فيعتمد على معاصرة العمل لأسئلته الحالية، فالمسألة ليست في الزمن وإنما في الطرح.
أخبار سوريا الوطن١- الأخبار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
