علي عبود
من المهم، بل ربما هي المرة الوحيدة، أن يعترف فيها مسؤول حكومي، كما فعلت وزيرة التنمية الادارية سلام سفاف مؤخرا بوجود نقطة سوداء في تاريخ الإدارة السورية من صنع حكومة سابقة، لكن الأكثر أهمية الإجابة على السؤال: ألا يجب محاسبة المسؤولين عن وجود النقاط السوداء بتاريخنا الإداري والإقتصادي..الخ؟
قالت الوزيرة السفاف بجرأة: “قانون العاملين الأساسي نقطة سوداء في تاريخ الإدارة في سورية!
حسنا، هذه النقطة السوداء أصرّ على ترسيخها بتاريخنا الإداري الفريق الذي أنجز مشروع قانون العاملين لعام 2005 النافذ حاليا، وتعمّد أن يكون نسخة مشوهة من قانون 1985، بدليل أنه لم يستمع أو يناقش أي مقترحات من أهل الخبرة والإختصاص، بل رفض تعديل أي مادة أثناء مناقشة مشروع التعديل في مجلس الشعب!
والمسألة لاتتعلق ببضعة أشخاص أو في قطاع معين، بل بملايين العاملين بأجر كانوا ينتظرون العدل والإنصاف بعد صدور القانون الجديد ليكتشفوا سريعا أن أوضاعهم تدهورت أكثر فأكثر!
ربما كنا من البلدان النادرة التي يتقاضى عمالها أجرا لايؤمّن مستلزمات الحياة الأساسية “سكن ونقل وملبس وطعام..الخ”، وأن تقوم الحكومات المتعاقبة بتكريس هذا الواقع الظالم لملايين الأسر السورية بنص قانوني يكون دائما أقسى وأشد ظلما من النصوص السابقة!
نجزم بأن حكومة (2003 ـ 2010) تعمدت إنجاز قانون للعاملين بالكاد يؤمن الحد الأدنى للأسرة السورية من مستلزماتها الأساسية، ودون السكن، ولم تفعل مافعلته لضآلة موارد الخزينة العامة، بل كانت مثل حكومة تسعينات القرن الماضي تتباهى بعمالة سورية الرخيصة أمام المستثمرين العرب والأجانب.
نعم، كانت حكومة (2003ـ 2010) قادرة على منح العمال الأجور الكافية لمستلزمات العيش الكريم، فهي كان لديها فائض من القطع الأجنبي لايقل عن 17 مليار دولار، مع صفر مديونية واكتفاء ذاتي من السلع الإستراتيجية والأساسية، وفائض من النفط يُصدّر للخارج ، ونسبة نمو لاتقل عن 3% سنويا..الخ!
ماحصل لاحقا ان حكومة (2003 ـ 2010) تبنت في عام 2005 مع صدور قانون العاملين، نهج اقتصاد السوق الليبرالي اللإجتماعي، أيّ المتوحش، وقضت على القطاعات الإنتاجية لصالح الاقتصاد الريعي بخطوات سريعة، إلى أن بدأت الحرب الإرهابية العالمية على سورية، ليزداد معها بؤس ملايين العاملين بأجر!
ونستنتج بسهولة: إذا كان القانون الأساسي للعاملين في الدولة نقطة سوداء بتاريخ سورية الإداري، فإن نهج اقتصاد السوق الليبرالي المتوحش هو النقطة السوداء الأخطر بتاريخ سورية الاقتصادي، وبسببها يعاني ملايين السوريين اليوم من الفقر والعوز.
ومالم تتمكن حكومة (2003 ـ 2010) من استكماله، فعلته الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011، فهي تعمّدت تخفيض الرواتب والأجور إلى قوة شرائية مادون الـ 20 دولار شهريا حاليا، ونقول تعمّدت، لأن العاملين بأجر، والمودعين مدخراتهم في المصارف، هم فقط من تأثروا بقرارات الحكومات المتعاقبة بتخفيض القوة الشرائية لليرة، لأن الجميع “الجهات العامة والخاصة، وأرباب المهن والحرف المختلفة، وصغار الباعة، والأرصفة..الخ” عدّل ويُعدّل أسعار منتجاته وخدماته بعد كل تعديل جديد لسعر الصرف، في حين رفضت كل الحكومات المتعاقبة تعديل الرواتب والأجور وفق تعديلات سعر الصرف المتتالية، وقد بلغت أقصاها خمسة تعديلات في عام 2023!
ويبقى السؤال: هل سينصف القانون المرتقب العاملين بأجر سواء كان جديدا كليا، أومعدّلا، للنافذ حاليا؟
أما السؤال الأكثر أهمية فهو: ألا يجب محاسبة المسؤولين عن النقاط السوداء بتاريخ سورية الإداري والإقتصادي كي لايكرر هذه النقاط، أو يفعل أخطر منها، أيّ مسؤول حالي أو في المستقبل؟
(خاص لموقع سيرياهوم نيوز)