آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » حامد حسن معروف.. عَلّم نفسه حتى صار عَلَماً

حامد حسن معروف.. عَلّم نفسه حتى صار عَلَماً

بديع صنيج

 

قصيدته مطلية بماء الذهب وموضوعة في قاعة الشرف في الجامع الأموي بدمشق.. من هو حامد حسن معروف؟

 

يصادف هذا العام الذكرى الـ25 لرحيل الشاعر والأديب والباحث السوري حامد حسن معروف (1915-1999) الذي ولد في قرية حبسو الطرطوسية، في زمن تسيطر فيه تبعات الحرب من فقر وقهر وحرمان، إلى جانب استشراء الجهل والخرافات والاستلاب، إلا لمن تمرَّد على واقعه وعلى الظلم وأهله، وكان شاعرنا واحداً من الغراس الثائرة التي نَمَتْ شيئاً فشيئاً حتى صار كما لقَّبه النُّقَّاد “سنديانة الشعر”.

 

نشأ حامد حسن معروف ضمن أسرة عريقة النسب والانتماء، رفيعة المكانة دينياً واجتماعياً وأدبياً. بدأ بالقرآن الكريم تلاوةً وحفظاً على يد والده، ثم حفظ قواعد اللغة العربية، وعكف على ما تيسّر له من كتب الأدب والشعر والفكر والتاريخ دراسةً واستيعاباً. ليتابع تحصيله العلمي في معهد الآداب الشرقية بقسم اللغة العربية في مدينة طرطوس وبعض مدارسها، واستمر في التحصيل العلمي بنفسه وارتفع بمستواه الثقافي بلا معلم حتى صار مُعلِّماً ومدرّساً للعربية وآدابها في الكثير من المدارس والثانويات الخاصة، وأصبح مديراً للثانوية الأرثوذكسية في السودا بطرطوس، وأصدر مجلة “النهضة” بالاشتراك مع وجيه محيي الدين عام 1938.

 

في بداية الستينيات انتقل إلى دمشق ليعمل في وزارة الثقافة حيث أشرف على مجلتي “أسامة” و”المعرفة”، ثم عاد في الثمانينيات إلى طرطوس ليؤسس فيها مع بعض الأدباء الشعراء من أبناء المحافظة فرعاً لاتحاد الكتّاب العرب، وتسلّم رئاسة هذا الفرع مدة 4 سنوات، وبعد سنين من العمل التي أبرزته شاعراً ملهماً وأديباً مميّزاً وصحافياً مرموقاً ذا بصمة ثقافية مميزة، تقاعد ليتفرّغ للكتابة والتأليف في حقلي الشعر والدراسات الأدبية.

 

كانت كتاباته صافية كما الريف الذي نشأ منه، وذات لغة عالية، عبّر فيها خير تعبير عن حبِّه للمرأة والوطن والصداقة والحق والحكمة، وفي الشعر تفرَّدَ بأسلوبهِ وقوافيهِ، وكانَ بإبداعهِ الفريد نظيراً لشعراءِ عصرهِ الكبار أمثال: بدوي الجبل، عمر أبو ريشة، نديم محمد، محمد مهدي الجواهري، نزار قباني، وغيرهم.

 

يقول الباحث والناقد يوسف مصطفى عن شعرية معروف: “تتجلى الكلاسيكية الحديثة فيه بلغتها، وتجديدها، وخيالها، ورمزها على صعيد المفردة، التركيب، الجملة العادية، والجملة الشعرية، ونظام الانتقال في أغراض القصيدة عبر نسق فني معرفي تقدّمُ كل خطوة فيه تشكيلة شعرية لها صورها، خيالها، بناؤها، وجمالها، وهي ترتبط بما قبلها وما بعدها بجسر شعري حالم يحمل فنية الانتقال وربطه العام في سياق القصيدة كلها”.

 

ويتابع: “تزداد الروعة في شعره في الانتقالات ضمن القصيدة الواحدة وأغراضها البانورامية المتنوعة، والملونة التي حملت الأصالة، التاريخ، والوجدانية، وإيقاع دفء المكان وتجلياته الرائعة، إلى الحكمة والغزل والرومانسية الاندماجية الناعمة”.

 

أما الشاعر والناقد السوري، محيي الدين محمد، فيذكر في مقالة له ضمن مجلة الموقف الأدبي بعنوان “الشاعر حامد حسن معروف.. ثقافة الاسم، زمن القصيدة الداخلي”، بأنه كان واحداً ممن غنّوا للحياة باندفاعات حادة، اعتمد فيه المرجعية الروحية للشعر التراثي الأصيل بكلّ تحوّلاته”.

 

ويضيف أن معروف “رغم أن لغته موزّعة على شبكة السهولة في استخدام الألفاظ كما يبدو للقارئ، إلا أنها مفتوحة على كل التأويلات، كونها تعكس واقعاً حياتياً عاماً يستند في مكوّناته على الرقة ورعشات الوجد الشفيف، والهروب من التعويذات الشعائرية التي ترافق عادةً المفردات الأسطورية عند بعض الشعراء من أبناء جيله ولا سيما بدر شاكر السياب، وخليل حاوي، وأدونيس”.

 

تفرّد الشاعر حامد حسن معروف في آرائه طيلة حياته الإبداعية، ومن رأيه في الشعر قوله: “هو التعبير من خلال كلمة حيّة، معبّرة، مسؤولة، وجملة مخملية متناغمة، وهو الموسيقى من خلال التناغم والتساوق والانسياب، ثم الصور، والظلال، والألوان، والحركة وهذا هو التصوير، وهو التأثير من خلال الإحساس، والرعشة، والهزة، الاستثارة، والهيجان، هذا هو الشعر: تعبير، موسيقى، تصوير، تأثير، هو إطار فني يزاوج ويعاطف بين هذه العناصر، وهكذا هو العمل الشعري المتكامل”.

 

ويضيف حول القديم والحديث في الشعر وهو الذي التزم بحور الخليلي في جميع ما كتب مع تحرّر من القافية الواحدة: “يقال كل قديم كان حديثاً. وكل حديث سيصبح قديماً،‏ إذاً: لا قديم ولا حديث في الشعر. والمسألة نسبية مع الزمن، أعطنا خبزاً وخمراً، وتوارَ – إن شئتَ – وراء حدود التاريخ”.

 

أما عن رأيه بالمرأة فنقتطف من أحد حواراته: “إنها أجمل وأشهى وأندى غرسة في حديقة الإله، مثيرة ملهمة، خلّاقة مبدعة، أصيلة في طبيعة الحياة، أصالة الحياة ذاتها تعطي الرسام شكلاً ولوناً وظلّاً،‏ وتهب المَثَّال صورةً وتناسباً وأمداءً، وتفيض على الموسيقيّ لحناً وأنغاماً ومَوَجاناً، وتلهم الشاعر فنّاً وخيالاً وإبداعاً. إنّها الحياة بمعطياتها، أوجدتها الطبيعة استمراراً للطبيعة عبر مرحلة أزليّة أبدية، والحياة من دونها، جافة كالصحراء، موحشة كالقبور، مظلمة كالأعماق، غاية بلا وسيلة، هي المرآة التي نرى بها وجودنا واستمرارنا”.‏

 

ونتيجة هذه المكانة نرى غزلياته غاية في الرقة، يشتغل فيها على البريق اللغوي، ويركّز على البعد الروحي بطلاء تعبيري مهذب ورقيق، لدرجة تقارب قصائده في الغزل علاقة “امرؤ القيس” مع الفتيات العذارى. يقول في إحداها: “أتظمئين؟ وعندي ألف غاديةٍ.. يا بؤسَ من تَجِد السُّقْيَا ولا تَرِدُ/ ماذا على الجسدِ المحموم من حَرَجٍ.. إذا تمرَّغ في نعمائه الجسدُ/ عبرتِ من تحت شباكي ملوّحةً.. فألهبَ قلبَ الجارةِ الحسدُ”.

 

ويقترن الوطن عند الراحل بالحب، لذلك نرى في كثير من قصائده عشقه الفريد لسوريا، ولا سيما في ثورته على الظلم والظالمين، فيقول: “وطني عَشِقتُكَ ثائِراً مُتمرِّداً.. وأنا ابنُ هذا الثائرِ المتمرِّدِ/ سلسلتُ حُبَّكَ خمرةً وأدرتُها.. للمُترَفِ الريَّانِ والعطشِ الصدي/ علَّمتَني الحُبَّ الذي نادى بِهِ عيسى.. وكانَ شِعارَ آلِ مُحمَّدِ/ لا شيءَ غير الحبِّ مكتوبٌ.. على بابِ الكنيسةِ أو جِدارِ المسجِدِ”.

 

‏ومما برز ضمن كتاباته أيضاً رثاءاته التي أجملها في مجلدين، وكانت فضاءاته الشعرية الرثائية، كما يقول محيي الدين محمد، ذات انشطارات تخلّص فيها من التنميط، وابتعد عن المنجزات الشعرية عبر توليف حافظ فيه على التقنيات في رحلة إبداعية هجر فيها الوقائع اليومية للشخصية موضوع أفكاره موغلاً في المجازات العميقة التي حققت عنده رصيداً ثقافياً وشعرياً بلون خاص، وكأنه السائل والمجيب في آن عن أسئلة الحياة، وتحليل العلاقة بين الموت والبقاء المعلّق على الفراغ الروحي في نزول أصحابه نحو الأسفل.

 

ونقتطف من رثائياته بعض ما كتبه عند رحيل شريكةِ عمرهِ “أم سهيل” حيث يقول: “سيّان بَعدكِ شامخاتُ القصرِ عندي والترابُ.. ما نفعُ هذا القلبِ إن ماتتْ أمانيهِ العِذابُ.. خمسونَ عاماً أو يزيدُ مِنَ المُصاحبةِ النبيلةْ.. لم يدرِ حرَّ الشمسِ عصفورانِ دارهُما خميلةْ‏.. زوجٌ كأنَّ اللّهَ ربُّ العطفِ لم يُبدِع سِواها.. تحنو على بيتي وأطفالي تزقُّهم صباها‏”.

 

أما علاقته مع التاريخ فكانت ناجمة عن صدام بين ما يراه على الأرض، أو ما يجب أن يكون، وكثيراً ما راودته الشكوك في الأحداث المنقولة بطريقة الإملاء من قبل الأقوياء، فوقف منها موقف الإنسان العاقل الذي لا ينحاز إلى قضية من دون تحليل المقروء واستيعاب ما فيه. وهذا ما ظهر في دراساته وأبحاثه، ومنها تحقيقه “المكزون السنجاري بين الأمارة والشعر والتصوف والفلسفة”، الذي جاء في 4 مجلدات، ولم يتعصب فيه لرأي أو مذهب أو نظرية، وإنما عرض الآراء والمذاهب والنظريات استعراضاً يتلمّس فيه خصائصها ومميزاتها، مقارناً بينها وبين نظائرها وأشباهها، لتظهر الفوارق وتتضح نقاط التلاقي والابتعاد، وتتبيّن مواطن المقاربة والمشابهة، بمعنى أنه اتكأ على منهج الأشباه والنظائر للدلالة على مدى التأثير والتأثّر.

 

يُشار أيضاً إلى أنه في المسابقة التي أعلنت عنها الأمانة العامة للجامعة العربية في عام 1948 لاعتماد نشيد دائم للجامعة، احتلت قصيدة الشاعر حامد حسن معروف المرتبة الأولى من بين أكثر من 65 شاعراً عربياً، وجاء في مطلعها: “سائلي التاريخ والأجيال عنَّا.. كيف كنَّا؟/ المعالي والعوالي والهدى.. عنَّا ومنّا”، وهو أيضاً مؤلف نشيد “الاتحاد النسائي العربي”، كما تمَّ وضعُ قصيدةٍ فقهية له مطلية بماءِ الذهب في قاعةِ الشرف في الجامع الأموي بدمشق، وبقية القصيدة في باحة الجامع.

 

يبقى أن نذكر أن أهم إصداراته الشعرية هي: “ثورة العاطفة” عام 1940 في 4 أجزاء، وكان لهذا الديوان أثر طيب في الساحة الشعرية، “عبق” عام 1960، “أضاميم الأصيل” عام 1969، إلى جانب تمثيلية شعرية بعنوان “المهوى السحيق” عام 1945، وأوبريت “الريف الثائر”، و”أفراح الريف”.

 

ومن دراساته الأدبية والفكرية: “وجهاً لوجه أمام التاريخ”، “صالح العلي ثائراً وشاعراً”، “الشعر بنيةً وتشريحاً”، “الجمالية في الشعر العربي”.

 

سيرياهوم نيوز1-الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أليس مونرو… عملاقة القصة القصيرة

محمد ناصر الدين     لم يجانب الصواب نقّاد الأدب حين قارنوا أعمال الكندية الراحلة أليس مونرو (1931-2024) بروائع جويس وتيشخوف، إذ إنّ المتوغل في ...