آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » حــذارِ من أحــــــلامنا

حــذارِ من أحــــــلامنا

بقلم: ميرفت أحمد علي

يقول أحد الفلاسفة (لولا الأحلام لماتت الأنام)، و يقول آخر (كما تفكّر تكون)، فمعظمنا يجهل تأثير الحلم على مسار الحياة. من هنا نشأ الاهتمام بتفسير الحلم لدى علماء الغرب و العرب على السواء، و تعددت القراءات تبعاً للمرجعيات الثقافية و الدينية و السياسية. فالحلم هو حدث في عالم اللاوعي يحاكي ما يحدث في الواقع أو في العالم الواعي، و يتكئ على دلالات و رموز و معانٍ مواربة نستخدمها في التعبير عن خواطرنا. و لا يستطيع قارئ الحلم تفسير الحلم بالكامل لأنه لا يحيط بالتجارب الشخصية و بالأحداث التي يمر بها الحالم يومياً و التي تشكل سنداً داعماً في هذا التفسير. و بالتالي فأحلامنا كأفكارنا تتطلب منا الفطنة و الذكاء و ربط الماضي بالحاضر لتفكيك رموزها التي ليست بالمستعصية إن قصدنا ذلك. و تأتي ضرورة الأمر من سبب بسيط و هو أننا حين نحلم فإنما (نحلم بما هو وشيك الوقوع)، فتنمية القدرة على قراءة الحلم ترتبط بالمخزون المعرفي و التاريخي من الأحلام التي مررنا و نمر بها، وربط هذا المخزون بظواهره المختلفة بالوقائع التي أعقبت الحلم على المدى القريب و المتوسط. فكما يتحكّم الإنسان بأفكاره (العقل الواعي و الإرادة) يستطيع التحكم بأحلامه (العقل اللاواعي) ليس فقط بهدف تفسير الحلم و تأويل مداليله، بل لتطوير القدرة على الحلم، وذلك بإبعاد الأفكار المزعجة عند اللجوء إلى النوم، و بتحويل الذهن إلى صفحة بيضاء خالية من الوساوس و من ضغوط الحياة اليومية ما أمكن. و في المقام الثاني ينصح العلماء الناس الذين يرغبون برؤية أحلام سعيدة أن يعمّقوا البعد الروحي في شخصياتهم، فالروحانيات تكسبنا قدراً كبيراً من الانسجام و صفاء النفس و الذهن و الثقة بالذات و بالخالق، و لا بد من توضيح ذلك بالقول: (إن تطوير القوة الروحية أكثر من القوة المادية و الجسدية)، و التخفيف من الانغماس في ملذات الحياة و الجشع المادي، هو جواز سفرنا إلى الأحلام الماتعة. لقد كان للبشر نصيب وافر من الإرث الديني و الروحي، واستطاعوا الاتكاء على هذا الإرث في ترجمة الأحلام، و نلمس في القرآن الكريم و الإنجيل شواهد كبرى على ذلك. و تأثرَ الشعراء و الفلاسفة و الموسيقيون الكبار بالأحلام و بإيحاءاتها في صياغة إبداعاتهم الخالدة، فضلاً عن قيمة الأحلام في رصد مصائر شعوب بأكملها و التنبؤ بمستقبلها. فحلم (فرعون) بسبع البقرات العجاف التي تأكل سبع البقرات الثماني أنقذ مصر من الجدب و القحط بفضل التأويل الصحيح للنبي (يوسف). و الإنسان يفشل في تفسير أحلامه غالباً لسببين: أولهما انغماسه في شؤون الحياة اليومية، و الولع بالماديات و بالمحسوسات، و إهماله للروحانيات. و ثانيهما لأن الأحلام كاللغة التي نستخدمها في التعبير عن مشاعرنا و التي قد تقصر في انتقاء الكلمات المناسبة لوصف الأحاسيس،و كذلك الأمر بالنسبة للغة الحلم التي قد يستعصي علينا فهم فحواها. إنَّ التحكّم بالحلم هو خطوة هامة للتحكم في مصير الفرد و الجماعات. كما هو الحال في التحكم بالأفكار و الأهداف التي تُنتج إنسان الغد الفاعل، الذي ينأى بنفسه و بعقله المستنير عن أساليب الشعوذة و الدجل و قراءة الكف و الفنجان، و يتناول الحلم على أنه ظاهرة علمية، فيبحث عن أسسها و مبادئ فهمها و ترجمتها كخطوة من خطا التحكم بالمصير و بالقدَر إلى حد ما. إنها دعوة كي نأخذ حذرنا من أحلامنا و كي نوليها رعايةً خاصة؛ لأنها ترفد حياتنا بالمعرفة و تغنيها بالفائدة.

(سيرياهوم نيوز ١٥-٢-٢٠٢٢)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدقة من اموال الموازنة .. ؟!

  سلمان عيسى مثل كل موسم، تركب الحكومة رأسها وتقسم انها لن تحرك سعر شراء القمح مليما واحدا فقد اقرت بحضور معظم أعضائها سعر الشراء ...