علي عبود
لا تخفي الحكومة خططها السهلة بإفقار ملايين السوريين، ورفع أسعار السلع الغذائية الأساسية ومستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي، وتقديم كل الدعم والتسهيلات لقلة من المستوردين المتنفذين!
وإذا أردنا إطلاق وصف دقيق وواقعي على هذه الحكومة لما وجدنا وصفا ينطبق عليها أفضل من “حكومة الرفع والإفقار”!
نعم، الشغل الشاغل لهذه الحكومة منذ عام 2021 هو رفع الأسعار وتعديل سعر الصرف، والإثنان يُضعفان القدرة الشرائية لملايين السوريين، ويزيدان تكلفة الإنتاج للعاملين في القطاعين الزراعي والصناعي!
وعندما ترتفع أصوات غرف الزراعة والصناعة والتجارة، وأصوات التنظيمين الفلاحي والعمالي تجيب الحكومة بسرعة: ماالطريق لتحسين الأوضاع المعيشية والإنتاجية؟
والحكومة لا تجيب على هذا السؤال باستثمار الإمكانات الكبيرة للدولة، وإنما تجيب عليه برفع الأسعار وإفقار ملايين السوريين، وزيادة المصاعب أمام المنتجين، إلى حد وصول الاقتصاد الوطني إلى حالة من الركود المرعب الذي يعاني الجميع من تبعاته الكارثية!
لقد بدأت الحكومة العام الجديد، مثل الأعوام السابقة، برفع الأسعار، ولن تنتظر طويلا حتى تُخفّض سعر صرف الليرة، وبدلا من ان “تعايد” الحكومة السوريين بقرارات تزيد قدرتهم الشرائية، وتحفزّهم على الإنتاج والتصدير، فإنها “عايدتهم”، مع بداية الدوام الرسمي بالعام الجديد، برفع سعر ليتر المازوت بمقدار ستة أضعاف من 2000 ليرة إلى 11800 لليرة!!
ولسنا مع من يرى أن الحكومة لم تدرس أثار هذا “الرفع” على الأسواق، وما سينجم عنه من مزيد من الإفقار لملايين العاملين بأجر، وبزيادة تكلفة المنتجات والسلع الزراعية والصناعية، بل انها تعرف، بل وتتقصّد هذا “الرفع والإفقار” لأنها تُفضّل دائما الحلول السهلة والسريعة لزيادة الموارد المالية، أو لتخفيض عجوزات الموازنة!!
ونشير في هذا السياق إلى ان الشغل الشاغل للحكومة في عام 2023 كان إفقار ملايين السوريين وتحويل حياتهم اليومية إلى جحيم برفعها المتكرر لأسعار السلع والمواد الغذائية، وبتخفيض قدرتهم الشرائية، فللمرة الأولى تقوم حكومة بتعديل سعر الصرف خمس مرات في عام واحد، لتنخفض معها القدرة الشرائية لملايين العاملين بأجر من 50 دولار إلى مادون 20 دولاراّ على الرغم من الزيادة الورقية أوالإسمية على الرواتب والأجور بنسبة 100 %ّ!!
وما يُثير الإستفزاز، بل وغضب السوريين، تلك التبريرات التي يُتحفنا بها كل المسؤولين عن “الرفع والإفقار” كقولهم أن أسعار السلع المباعة على البطاقة، وغيرها من المواد كاللحوم في صالات “السورية للتجارة” ،أقل من السوق بنسبة 30 ـ 50 % وكأنّهم يجهلون أن الأجور قبل الرفع الجديد للأسعار بالكاد كانت تكفي لشراء الفلافل وأجور النقل، كما أن المواد “الرخيصة“ من أرز وسكر وبرغل وزيت غير متوفرة أساسا في صالات المؤسسة إلا لفترات قصيرة، كما أن المواد المدعومة فعليا لم توزع سوى مرة واحدة في العام الماضي بدلا من أن توزع شهريا!
نعم، لم تعد صالات السورية للتجارة تقوم بمهمة التدخل الإيجابي، لأن حكومة “الرفع والإفقار” جعلتها حكرا على المقتدرين ماليا، في حين غالبية العاملين بأجر يشترون من “بسطات” الأرصفة والأسواق المكتظة بالمواد المغشوشة والفاسدة
وإجابة على تساؤل الحكومة: ماالطريق؟.. ، فإنها تستعد لرفع أسعار استهلاك الكهرباء مجددا، كما فعلتها العام الماضي، على الرغم من انعكاس هذا الرفع على الإنتاج، وزيادة التكلفة، وصعوبة التصدير لانعدام المنافسة مع السلع المثيلة في الأسواق الخارجية.
وربما لن يشعر ملايين السوريين برفع استهلاك الكهرباء كثيرا، لأن ساعات الوصل بالكاد تبلغ ثلاث ساعات يوميا، ولهذا تستغل الحكومة التقنين القاسي، والمتعمد، كي ترفع فواتير الكهرباء إلى حد أنها ستتجاوز دخل ملايين العاملين بأجر في حال توفرت الكهرباء على مدار الساعة في الأمد المنظور أو البعيد جدا!
الخلاصة: شددت الحكومة في الجلسة الأسبوعية الأولى لمجلس الوزراء مع بداية العام الجديد،على ضرورة إجراء تقييم ومراجعة لعمل الجهات العامة في العام الماضي، وتحديد الأهداف القابلة للتحقيق خلال العام 2024 وتلافي مواطن الضعف في الأداء الحكومي وتعزيز نقاط القوة فيه، بما يخدم زيادة الإنتاج والإنتاجية ويدعم الصناعة الوطنية والاقتصاد بشكل عام، ويساهم في تحسين الواقع الراهن في مختلف القطاعات.. وكانت الترجمة الفعلية لهذا الكلام النظري الجميل قرارات رفعت الأسعار وكلف الإنتاج, وزادات من إفقار ملايين السوريين!
(خاص لموقع سيرياهوم)