حماد صبح
عقب سقوط بغداد في 9 أبريل 2003 ، كان السؤال الذي تردد في واشنطون وتل أبيب ، والعواصم الخليجية التي انطلقت القوات الأميركية والبريطانية من أراضيها لغزو العراق : متى تتحرك تلك القوات لإسقاط دمشق مثلما أسقطت بغداد ؟! وما حال دون ذلك التحرك هو سرعة انطلاق المقاومة العراقية لمقاتلة القوات المحتلة ، وفي تفسير تلك السرعة أن القيادة العراقية خططت لهذا الانطلاق بعد أن أيقنت أن الجيش العراقي لن يصمد طويلا أمام قوة الغزو الأميركي البريطاني . التخطيط للهجوم على سوريا يوضح حقيقة الأهداف الأميركية نحوها ، وأن دخول قوات أميركية إليها بعد انفجار الأحداث فيها في مارس 2011 لم يكن مفاجئا ، ولا لمحاربة داعش التي اعترفت هيلاري كلينتون وزيرة خارجية أميركا السابقة أن أميركا هي التي أسستها .وحين فكر ترامب في مغادرة سوريا جابهته معارضة قوية في أميركا ، فاستمر وجود القوات الأميركية فيها مباشرة في شمال شرقيها ، وفي شمالها ، وغير مباشرة بدعم قوات قسد الانفصالية ذات الأكثرية الكردية .
والحديث عن محاولة أميركية لاستنساخ صحوات سورية على مثال الصحوات العراقية التي أنشأها في 2006 ديفيد بترايوس قائد القوات الأميركية في العراق ؛ يأتي في مسار التخطيط الأميركي للبقاء في سوريا الذي تشجعه إسرائيل وتحث عليه . ووفق وكالة سبوتنيك الروسية فإن العشائر العربية في شمال شرقي سوريا ترفض المحاولة الأميركية ، ومن هذه العشائر عشيرة البني سبعة إحدى عشائر قبيلة طيء التي أنجبت حاتم جواد العرب ، وابنه الصحابي عدي _ رضي الله عنه _ الذي بشره النبي _ صلى الله عليه وسلم _ فور إسلامه بفتح فارس . أميركا دولة وقحة عدوانية لا تختلف في وقاحتها وعدوانيتها من رئيس إلى آخر ، فكلهم في النهاية واجهات لأميركا المتعطشة للهيمنة والعدوان وسرقة ثروات الشعوب . وهي لا تستطيع ذلك إلا بالاعتماد على قوى محلية ، والمحزن المذهل أن هذه القوى تتكدس بوفرة في المنطقة العربية في صورة دول وفي صورة حركات ومنظمات وطوائف ومذاهب . وقد يكون من المبكر أن نقطع بفشل المحاولة الأميركية كليا لاستنساخ صحوات سورية على مثال الصحوات العراقية التي وصل عدد أفرادها إلى مائة ألف ، والتي حاربت مقاومي الاحتلال الأميركي وأطالت بقاءه . ولتفشل سوريا هذه المحاولة يمكن النظر في الخطوات الآتية :
أولا: تشديد المقاومة المسلحة للوجود الأميركي في المناطق المستهدفة بهذه الصحوات . أميركا مشهورة بسرعة الهرب متى جوبه عدوانها بالمقاومة ، وأجبرتها المقاومة العراقية على سحب قواتها من المدن العراقية ، ومركزتها في مناطق بعيدة عن هذه المدن ، ولولا تصدي الصحوات العراقية لهذه المقاومة لانتهى الاحتلال الأميركي للعراق سريعا .
ثانيا: توعية المواطنين في المناطق المستهدفة لتكوين الصحوات بخطورة الالتحاق بها ، وأنه خيانة كبيرة آثمة للدين والوطن والأمة وعار لا زوال له أبدا .
ثالثا: تنبيه العشائر إلى سرعة التبرؤ ممن يلتحق من أبنائها بهذه الصحوات ، ونبذه نسبا واجتماعا وتعاملا .
رابعا: التحذير بإعدام كل من يلتحق بهذه الصحوات بتهمة الخيانة الوطنية العظمى .
خامسا: تحصين المواطنين في المناطق المستهدفة بما يفي بحاجاتهم الضرورية ، ويبعدهم عن إغراء المال الذي تعدهم به أميركا . الحاجة الأساسية للمأكل والمسكن والملبس قد تكسر إرادة بعض الناس ، ومن لا يجد قوت أسرته قد يسهل إغراؤه وتضليله لقبول ما لا يقبله في الظروف المريحة .
سادسا: تذكير مواطني تلك المناطق بما انتهى إليه الأفغان الذين تعاونوا مع الأميركيين ضد وطنهم مقاتلين وجواسيس ومترجمين .إنهم يرحلون الآن مع الغزاة ليحشروا في بعض القواعد الأميركية في الشرق الأوسط أذلاء مخزيين محتقرين حتى من الأميركيين.
لا أحد يحترم من خان وطنه وشعبه حتى الأعداء الذين أغروهم بالخيانة ، والغزاة دائما يرحلون ، وقيمة أي مواطن واعتزازه بذاته في مقاومتهم والتعجيل برحيلهم لا في التواطؤ معهم على وطنه وشعبه ، وإطالة بقائهم الناكب لهذا الوطن وهذا الشعب . وفجر انتصار سوريا تسطع الآن أضواؤه ، والسوري الشريف هو الذي ينحاز لهذا الفجر المضيء ، ويبتعد بذاته عن ظلمة خيانة سوريا العظيمة والجميلة والحبيبة على قلب كل عربي ومسلم وإنسان حر النفس ، نبيل القيم ، مبغض للعدوان في أي صورة كان ، ولا ريب في أن نهاية الوجود الأميركي في العراق هي البداية الحاسمة لزوال مخاطره على سوريا ، وتعمل بعض القوى العراقية المسلحة على تقريب هذه النهاية ، وتهدد بأنها ستقاومه ، ولن تقبل أي شكل من أشكال وجوده المتسترة باتفاقات مع الحكومة العراقية ، وما أقوى حاجة العرب والمسلمين لاستعادة ثقافة التحرر من الاحتلال بكل أشكاله ، وأخطر هذه الأشكال هي المتسترة باتفاقات مع دول وأنظمة من صنع هذا الاحتلال ذاته للتقليل من تكاليف الاحتلال المباشر وسلبياته .
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم