على جدرانه وفي أزقته حفر تاريخ أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ.. إنه حي القيمرية الدمشقي الذي يشغل منطقة متوسطة بين أحياء مدينة دمشق فهو يصل بين بابي توما والسلام ومنطقة العمارة والجامع الأموي، محتضنا تفاصيل جميلة تشمل مختلف أنواع الصناعات اليدوية التي تشد الزائر إليها.
وأطلق على حي القيمرية العريق في القرن التاسع عشر حسب كتاب “دمشقيات” للباحث منير كيال “الهند الصغرى”، وذلك لما يضمه من أنواع مختلفة من الصناعات الفاخرة وأصناف النسيج المميزة، حيث شكل على مدار سنوات متنفساً لأهالي دمشق ومحيطها لقضاء أوقات جميلة والتمتع بروحانية المكان بكل ما يحمله من عبق الماضي والتاريخ العريق.
ومنذ ساعات الصباح الباكر يتسابق رواد هذا الحي للسير في الطريق العتيق ذي الحجارة السوداء يرافقهم صوت فيروز المنبعث من المقاهي والمحلات التجارية وتفاصيل أخرى كمحلات الأكل والبن والسكاكر والتحف، إلى جانب العروض الفردية التي يقدمها مجموعة من الشباب لرسم الوجوه مباشرة أو كتابة أسماء الأحباء على الرمل الملون أو حبات الأرز أو أخذ صورة تذكارية في هذا الحي المغرق بالجمال أو شراء ورود جورية تباع في أزقة الحي أو زيارة المطاعم والمقاهي المنتشرة في جوانبه.
وروى لمراسلة سانا الشاب أحمد الطيارة حكايته مع حي القيمرية وهو طالب في الثالث الثانوي، مبيناً أنه وبعد انتهاء الدوام المدرسي في كل يوم خميس يجتمع مع رفاقه في باب توما ويسيرون نحو حي القيمرية لشراء بعض المأكولات الشهية التي يختص بها كالبيتزا والكرواسان، والجلوس بعد ذلك في مقهى النوفرة لشرب الشاي “الخمير”، وذلك كاستراحة بعد عناء أسبوع كامل من الدراسة للعودة مجدداً مع بداية كل أسبوع إلى مقاعد الدراسة بحب ونشاط.
وعن التحف والهدايا الذي يمتاز بها هذا الحي دون غيره أشارت الشابة لما حداد إلى أنها مغتربة تعيش في الإمارات العربية المتحدة، ومع كل زيارة لها إلى سورية تختار حي القيمرية في قائمة أولوياتها لتبتاع منه الهدايا والتذكارات وتقدمها لأصدقائها في المغترب كونها تعكس بساطة وجمالية العمل اليدوي السوري العريق.
ولهذا الحي قصص وذكريات كثيرة مع المحبين فهو المكان الذي يجمعهم باستمرار، وهو ما أكده الشاب فادي سلوم الذي أوضح أنه يرتاد الحي بشكل دوري مع الفتاة التي اختارها لتكون شريكة حياته، حيث تجمعهم تفاصيل عديدة منها كتابة أسمائهم على حبة الأرز ورسم وجوههم بقلم الرصاص على الورق الأبيض وطباعة رسومات محببة على ملابسهم وتشكيل أول حرفين من أسمائهم بحبات الرمل الملون.
وتقول الشابة حلا العلي وهي موظفة في شركة محاسبة: إنها تنتظر بفارغ الصبر بداية كل شهر للاجتماع مع صديقات الطفولة في أحد المطاعم المتواجدة في حي القيمرية، مؤكدة حبهن لهذه الجلسة الشهرية انطلاقاً من شغفهن بالسير في هذه الأزقة القديمة واكتشاف الحارات الدمشقية العريقة والعيش في عبق الذكريات لينتهي بهن المطاف في أحد المطاعم التي تقدم عروضاً باستمرار على “الجلسات النسائية الصباحية”.
وبين اليافع أحمد هارون وهو في الصف التاسع أن حي القيمرية يشهد ازدحاماً غير مسبوق في فترات الأعياد والمناسبات والعطل الرسمية، مؤكداً أنه مع بدء العطلة الانتصافية يذهب مع أصدقائه يومياً إلى الحي للترويح عن أنفسهم وشراء المأكولات الشهية.
وتاريخياً يمتد حي القيمرية حسب الباحثة التاريخية إلهام محفوض من شرقي المسجد الأموي عند باب جيرون غرباً إلى حي الجورة الذي يفصله عن حي باب توما شرقاً ويفصل هذا الحي عن الشارع المستقيم-امتداد سوق مدحت باشا حي الخراب جنوباً.
وحول تسمية هذا الحي أوضحت الباحثة محفوض أنها تعود إلى مدرسة أقامها الأمير ناصر الدين القيمري أحد قواد الناصر الأيوبي وعرفت باسم المدرسة القيمرية الجوانية الكبرى.
واختتمت محفوض حديثها بالتأكيد على أن حي القيمرية لا يتميز فقط بكونه مقصدا للزوار والسياح نظراً للمحال والمطاعم الموجودة فيه، بل كذلك لوجود دور قديمة فيه تأسر الناظر إليها كونها تتميز بالطابع الدمشقي والروابط الاجتماعية الوثيقة بين السكان القاطنين فيه.ك
سيرياهوم نيوز 4-سانا