كشف رئيس قسم المحاسبة في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور إبراهيم عدي لـ«الوطن» أن حجم التهرب الضريبي حالياً يقدر بحدود 2000 مليار ليرة وهذا الرقم يعادل إلى حد ما إجمالي قيم الدعم الاجتماعي في موازنة العام الجاري.
عدي أعتبر أنه رغم صعوبة قياس حجم التهرب الضريبي اليوم بسبب تأخر وزارة المالية في إعداد قطع الحسابات وتداخل السنوات بعضها مع بعضٍ، إلا أنه يمكن الاستناد إلى بعض المؤشرات لتقدير حجم التهرب الضريبي ومنها العبء الضريبي الذي يقدر في العام 2010 في سورية بنحو 12 بالمئة والذي يمثل نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي، علماً أنه في حينها كان معدل العبء الضريبي في مصر نحو24 بالمئة وهو يشير إلى أن حجم التهرب الضريبي كان لدينا ضعفا حجم التهرب في مصر، لكن إثر سنوات الحرب على سورية وحالة الحصار والتضييق ومعدلات التضخم التي رافقتها خُلقت ظروف اقتصادية مختلفة سمحت بمعدلات تهرب أوسع وأكبر عما كانت عليه في العام 2010 وما قبله.
واعتبر عدي أن مصطلح التهرب الضريبي هو مصطلح تجميلي لحالة الفساد الضريبي لأن المتهرب ضريبياً يستخدم كل الأساليب غير الشرعية لدفع ضريبة أقل أي التهرب من استحقاق مالي عليه.
ووصف التشريع الضريبي الحالي والذي يعود للعام 1949 ومضى على العمل به أكثر من 70 عاماً بأنه هرم وبات في أرذل العمر وهو أحد مراسيم الرئيس السابق حسني الزعيم منسوخاً عن النظام الضريبي الفرنسي في حينها والذي كان مطبقاً في فرنسا من العام 1931، مشيراً إلى أن هناك مقولة لفقيه فرنسي (إن القانون يولد عجوزاً) فكيف بعد مضي 72 عاماً على تطبيقه وتغير كل الظروف الاقتصادية والمالية والإدارية وغيرها؟
واعتبر عدي أن الكثير من كبار التجار والصناعيين يرغبون في عدم إصلاح النظام الضريبي الحالي والبقاء على التشريع المعمول به اليوم لأنه يفتت الدخل ومنه تفتت الضريبة المستحقة بدلاً من أن تكون ضريبة موحدة وتصاعدية.
وشبه عدي وزارة المالية في إجراءاتها الحالية لمكافحة التهرب الضريبي كمن يدخل للمعركة (بسيف عنترة) بمعنى أن كل الأدوات التي تعمل عليها الإدارة الضريبية اليوم باتت تقليدية ولا تجدي نفعاً ولا تنسجم مع الظروف الاقتصادية الحالية الحرجة وأنه لابد من العمل لتحديث أداء وكفاءة الإدارة الضريبية وتحديث التشريعات الضريبية الحالية والانتهاء وإلغاء نظام الضرائب النوعية والعمل على زيادة الوعي الضريبي لدى الإدارة الضريبية والعاملين فيها قبل المكلفين.
ورأى أن الكثير من مسببات التهرب الضريبي ترتبط بعدم الوعي والثقافة العامة وخاصة نظرة المجتمع لسياسة الإنفاق العام الذي تعمل عليه الحكومة ومدى رضا المجتمع حول ذلك إضافة إلى ضعف العقوبات وخاصة لجهة التأخر في سداد الضريبة حيث يكون ذلك بمنزلة قرض تتآكل قيمته بفترات السداد الطويلة جراء عوامل التضخم إضافة إلى أسباب أخلاقية وأسباب تاريخية، لافتاً إلى أن هناك الكثير من الأشكال للتهرب الضريبي لابد من العمل عليها بالتوازي مع بعضٍ مثل التهرب الكلي عند إخفاء كل النشاط الاقتصادي من قبل المكلف وهو ما يعرف (بكتم النشاط الاقتصادي) أو التهرب الجزئي عبر إخفاء بعض النشاط الاقتصادي الذي يقوم به المكلف في الدفاتر التي تقدم للدوائر المالية، على حين يتجه بعض المكلفين لتخفيض قيم منتجاتهم وتخفيض سعرها مقابل رفع قيم النفقات والتكاليف التي يتطلبها النشاط الاقتصادي الذي يقوم به إضافة للأهم وهو التلاعب وتزوير فواتير المستوردات والبيانات الجمركية وإخفاء القيم الحقيقية للمواد المستوردة.
وأكد أنه لابد أن يكون أن يكون لدينا حد أدنى وحد أعلى معفى من الضريبة وأن يكون الحد الأدنى ثابتاً على حين يكون الحد الأعلى متحركاً ولابد أن يكون هناك تشخيص أكثر للضريبة والتركيز على أن العدالة لا تعني المساواة، وأن الحد الأدنى المعفى من الضريبة حالياً في قطاع الأعمال (التجار والصناعيين) مجرد شكل لا يغني ولا يسمن من جوع ولا أحد يقيم له وزناً.
واعتبر أنه رغم أن وزارة المالية رفعت السقف مؤخراً في تصريحاتها لضبط التهرب الضريبي ولجمه والتنسيق لإعداد مذكرة تفاهم مع مصرف سورية المركزي لإدانة المتهرب ضريبياً بجرم غسل الأموال إلا أنها لا تصرح عن خطة وبرامج عمل الإدارة الضريبية لتحقيق الحد من التهرب الضريبي والأدوات التي تملكها لإنجاز هذا المشروع المهم الذي تأخر كثيراً.
وقال: إن كل ما تم رشحه حول ذلك هو اجتماعات مع غرف التجارة والصناعة لبحث ونقاش التهرب الضريبي وكيفية التفاهم حول ذلك وربما من المبكر أن نحكم على ذلك بأنه بداية التراجع في قوة النبض الذي تحدثت به الوزارة لجهة أنه مثل هذه التفاهمات قد تكون أحد تكتيكات المالية للمضي في مشروعها للجم التهرب الضريبي وتجفيفه.
للتجار كلمة
وللتوسع أكثر في الموضوع التقت «الوطن» أحد أعضاء لجنة غرف التجارة والصناعة المكلفة بالاجتماع مع وزارة المالية ممثلة بـ(معاون الوزير لشؤون الإيرادات ومدير عام هيئة الضرائب والرسوم ومدير الاستعلام الضريبي) لبحث ونقاش ملف التكاليف المالية والتهرب الضريبي.
وبين أنه مازال هناك خلافات في وجهات النظر بين هذه اللجنة ووزارة المالية التي تطلب من التجار والصناعيين التصريح عن أرقام عملهم وتترك لنفسها دراسة وتقدير هذه الرقم المقدم من التاجر أو الصناعي، على حين يصر التجار والصناعيين في اللجنة على أن يتم التوافق والتفاهم على التكاليف المالية، وفي تعليق له على التشدد والحزم الذي تظهره وزارة المالية تجاه المتهربين ضريبياً بين أن الكل متفق مع الوزارة على معالجة هذه الأمر لكن لا يمكن علاجه بمعزل عن النظر إلى كل الظروف الاقتصادية والمالية الحالية وأنه في المحصلة الوزارة صاحبة قرار ولها أن تتخذ القرار الذي تراه مناسباً في هذا الأمر، ورأى أن العبرة في أثر هذا القرار على النشاط الاقتصادي ومدى قدرة هذا القرار على التوازي لتحسين الإيرادات تحسين الوضع المعيشي للمواطن ودفع حركة النشاط التجاري والصناعي.
وقارب حالة الحزم التي تتحدث بها وزارة المالية بمقولة شائعة بين تجار دمشق (أن هناك فتوة وهناك تقوى) وأن ما تتحدث به وزارة المالية حول إحالة المتهرب الضريبي لمكافحة الإرهاب وغسل الأموال هو الفتوى أي هو إجراء قانوني وتنص عليه مادة قانونية وبالتالي هو إجراء من حيث الشكل صحيح، لكن الخيار الآخر وهو ما سماه «التقوى» هو التعامل بروح القانون والنظر إلى طبيعة الظروف الاقتصادية الحالية وحركة السوق والنشاط التجاري والصناعي وكيف يمكن تشجيع الصناعيين والتجار على تطوير أدائهم، مع الالتزام بتكاليفهم المالية التي يتفق عليها مع المالية
وبين أنه من النقاط التي طرحت خلال الاجتماعات مع وزارة المالية هي إعادة النظر بالحد الأدنى المعفى من الضريبة لدى التجار والصناعيين وأنه من غير المقبول أن يبقى على حاله عند 50 ألف ليرة.
عبد الهادي شباط
سيرياهوم نيوز – الوطن