عبد الباري عطوان
أن تَعقِد القيادة الإسرائيليّة بشقّيها الأمني والعسكري اجتماعًا يُشارك فيه كِبار جِنرالات الأمن والجيش ويحضره وزراء الدفاع والخارجيّة برئاسة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، وفي يوم السبت، وبعد 24 ساعة من الصّاروخ السوري الذي وصل إلى مسافة 30 كيلومترًا من مفاعل ديمونا، فإنّ هُناك أمرًا جللًا، وتهديدًا “وجوديًّا” غير مسبوق يُحَتِّم مِثل هذا الاجتِماع لبحث كيفيّة التّعاطي معه وتطوّراته.
الإسرائيليّون “سرّبوا” معلومات تقول إنّ هذا الاجتماع الطّارئ جاء بسبب إطلاق فصائل المُقاومة 36 قذيفة صاروخيّة من قِطاع غزّة استهدفت مُستوطنات غِلاف القِطاع، لتوجيه تحذير بأنّ اختِراق اتّفاقات التّهدئة قد يتم التّعاطي معه بطريقةٍ مُختلفة، أبرز ملامحها الاجتِياح أو القصف السجّادي، ولكنّ هذا الحل هو آخِر ما يُريده نتنياهو في ظِل حالة التّهميش الأمريكي التي يعيشها حاليًّا، والأزمة الإسرائيليّة السياسيّة الداخليّة المُتفاقمة، والرّد الفلسطيني الصّاروخي المُزَلزِل الذي يُمكن أن يترتّب عليها، ولكنّ احتِمال خلط الأوراق، والذّهاب إلى حرب بعد فشله في تشكيل حُكومة يظل غير مُستَبعد.
***
هُناك عدّة تطوّرات رئيسيّة ضاعفت حالة القلق والارتِباك السّائدة حاليًّا في أوساط الشّعب والقِيادة الإسرائيليّة، لدرجة أنّ أحد الكتّاب الإسرائيليين نعى المشروع الصّهيوني، وقال إنّ “الرّحيل” هو الحل، ويُمكِن تلخيص هذه التّطوّرات في النّقاط التّالية:
-
أوّلًا: الصّاروخ السّوري “المُبارك” الذي وصل إلى ديمونا، وتُؤكّد العديد من الرّوايات ومن بينها شبه الرسميّة السوريّة، أنّه كان يستهدف طائرة “إف 16″ إسرائيليّة هاجمت بصواريخها مصانع صواريخ سوريّة إيرانيّة في مُحيط دِمشق الجنوبي، و”ضلّ” الطّريق وواصل مسيرته إلى إيلات، الرّواية الأخرى تقول إنّه كان صاروخًا إيرانيًّا من نوع “فاتح 110” أو “إم 600” أرض جو، حسب التّسمية السوريّة، والذي تملك دِمشق منه المِئات، وأنّ الرّواية السوريّة جاءت مُتناغمةً مع نظيرتها الأمريكيّة، وبهدف التّهدئة، وربّما بطلبٍ روسيّ منعًا للتّصعيد، وإذا كان الصّاروخ من نوع “سام 5” المُطوّر فلماذا أخفت القِيادة الإسرائيليّة المراوح والزّعانف، وباقي هيكله الذي يَبلُغ طُوله عشرة أمتار؟ ومتى كانت هذه الصّواريخ القديمة يصل مداها إلى 300 كم، ولماذا لم يتفجّر رأسها في الجو؟
-
ثانيًا: قبل يومين من وصول هذا الصّاروخ إلى مُحيط مفاعل ديمونا حدث انفجار ضخم لمعمل إنتاج مُحرّكات الصّواريخ قُرب مدينة الرّملة الفلسطينيّة المحتلّة، وفرضت السّلطات العسكريّة تعتيمًا كامِلًا ومنعت نشر أيّ معلومات عن الأسباب والأضرار، وما زال حظر النّشر مُستَمرًّا، فمَن كان خلف هذا الانفِجار ولماذا الآن؟
-
ثالثًا: نشر تقارير “خجولة” عن تسريب غاز الأمونيا من مُستودعات تخزين له في ميناء حيفا، وهو غاز قاتل، دون أيّ إشارة لأسباب هذا التّسريب والجهة المسؤولة عنه، أو تَقِف خلفه، فنحن لا نتحدّث هُنا عن دولة من دول العالم الثّالث.
-
رابعًا: لُوحِظ أنّ القصف الإسرائيلي لإحدى قافلات ناقلات النّفط الإيرانيّة بصواريخ طائرة مُسيّرة، استهدف واحدة فقط من ثلاث، وبعد أن أفرغت حُمولتها (3 مِليون برميل من النّفط) في ميناء بانياس السوري، ممّا يعني أنّ القصف كان “استِعراضيًّا”، ولأنّ من أصدر الأوامر يُدرِك جيّدًا أنّ قصف هذه النّاقلات وهي مُحمّلة بالنّفط، سيعني توجّهها إلى السّواحل “الإسرائيليّة” وتسريب حُمولتها إلى مِياهها، لأنّ هُناك تعليمات لقباطنة هذه السّفن بفِعل ذلك، الأمر الذي سيُؤدّي إلى كارثةٍ بيئيّةٍ باهظة التّكاليف، وتلويث جميع المِياه الإقليميّة “الإسرائيليّة” وفي فصل الصّيف.
-
خامسًا: انفِجار الانتفاضة الثالثة في القدس المحتلّة التي نجمت عن تدفّق مِئات الآلاف من أبناء القدس والأراضي المحتلّة عام 1948 إلى المدينة المقدّسة لحِماية الأقصى وأحيائها الأخرى من اقتِحامات المُستوطنين، وسُقوط أكثر من مئة جريح في المُواجهات الأولى، وخُروج الوضع الأمني عن السّيطرة بسبب شجاعة المُرابطين، ولُجوء نتنياهو إلى سُلطة رام الله وأمنها طلبًا للتّهدئة، نتنياهو يخشى أن تكون هذه “الهبّة” أو الانتِفاضة المسار الأخير في نعش سُلطة عبّاس وتنسيقها الأمني لحِماية الاحتِلال ومُستوطنيه، وامتِداد الانتفاضة إلى العُمُق الفِلسطيني المُحتل في الضفّة، وأراضي فلسطين المحتلّة عام 1948.