محمود ديبو
ليست هي المرة الأولى التي تعلن فيها وزارة التربية عن عزمها متابعة ما جرى تسميته اصطلاحاً (دروس خصوصية)، فقد سبق وأن لوحت بضبط ومنع هذا الأمر وقد يكون لها أسبابها الموجبة لذلك..
لكن دعونا أولاً نناقش الأمر لنقول: هل فعلاً الدروس الخصوصية هي مشكلة بحد ذاتها، أم أنها نتيجة لمشكلة أو سلسلة مترابطة من المقدمات التي أدت إليها، وهل تشكل حاجة حقيقية للطلاب، أم أنها حالة من الترف العلمي كما يحلو للبعض تسميتها، وكيف نفسر الانتشار الواسع للدروس الخصوصية لدى مختلف الشرائح الاجتماعية ولكل المراحل التعليمية من الابتدائي وحتى الثانوية العامة، إلى الدرجة التي بدت وكأنها هي الحاجة الأساسية للطلاب وباتت تتقدم على المدرسة في الأولوية..
وحتى لا نبدو وكأننا نطلق حكماً على المسألة نبدأ بما هو متوفر من معطيات، فمن جهة نجد من يشير إلى وجود كثافة عددية في القاعات الصفية، وهناك من يشتكي من عدم قدرة بعض المعلمين على إيصال المعلومة بوضوح للطلاب في المدرسة، فيما يحمل البعض المسؤولية للطالب الذي لا يعطي اهتمامه الكامل للمعلم أثناء شرحه للدروس، ويذهب رأي آخر باتجاه العامل المادي في ضوء التراجع الواضح بمستويات الدخل، وضرورة أن يحصل المعلم على أجر يليق بالمهمة الملقاة على عاتقه ويتناسب مع الجهد الكبير الذي يبذله داخل المدرسة.
وبنفس الاتجاه هناك حديث عن مدارس تفتقر إلى مدرسين باختصاصات معينة، فقد يمضي فصل كامل دون أن يحظى الطلاب بحصة درسية لمادة ما، وأحياناً يتناوب عدة مدرسين على صف واحد خلال الفصل الدراسي دون أن يكمل أي منهم المنهاج للطلاب..
في ضوء ما تقدم نجد من هو غير مقتنع بشكل وآلية التعامل مع الدروس الخصوصية، انطلاقاً من اعتبارها هي المشكلة بحد ذاتها، وتجاهل باقي المعطيات التي تشير إلى أنها في الغالب هي نتيجة غير صحيحة لمقدمات غير صحيحة، فمثل هذا الشكل من (الضبط) لا يرقى إلى مستوى الهدف الأسمى وهو تصويب العملية التعليمية في الكثير من المدارس.
أخيراً لا بد أن نعترف أن في الأمر ما يستدعي إعادة النظر بطيف واسع من المعطيات التي تؤخر الوصول إلى الأهداف، فتطور المجتمعات وتقدمها مرتبط مباشرة بمدى قدرة المؤسسات التعليمية على صناعة أجيال تمتلك مفاتيح ذلك التطور والنهوض.