آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » رامي كوسا للميادين نت: تجربتي في “النار بالنار” مناقضة لشراكتي مع الليث حجو

رامي كوسا للميادين نت: تجربتي في “النار بالنار” مناقضة لشراكتي مع الليث حجو

بديع صنيج

 

بعد الجدل الذي أثاره إثر عرض مسلسل “النار بالنار”، تحاور “الميادين الثقافية” السيناريست رامي كوسا حول تجربته مع المخرج محمد عبد العزيز وغيرها من الموضوعات.

 

المتابع للأعمال الدرامية التي كتبها رامي كوسا، سواء للتلفزيون أو السينما، يلحظ قدرته العالية على خلق تعاطف كبير مع شخصياته وأفكاره والرسائل التي يريد إيصالها، إذ إنه يتكّئ على هَنْدَسة الحيوية والعمق والمتعة في ما يكتب مستفيداً من أنه خريج هندسة، كما أنه يُحيط اشتغالاته بنوع من الهالة الشعورية الناجمة عن كونه شاعراً غنائياً، هذا وغيره حقّق لنصوصه نكهة خاصة استطاعت أن تربط المتلقّي بها بسلاسة.

 

في هذا الحوار، وبعد الجدل الكبير الذي حصل بينه وبين المخرج محمد عبد العزيز، حاولنا الاقتراب من عقيدة كوسا الكتابية، ما الذي يحدّد صوابيّتها؟ ومتى يُعلِن رضاه عن منجزه؟ وكيف ترتسم الحدود بين ما يكتبه وبين سطوة المخرج؟ وغير ذلك الكثير. وهنا نص حوار كوسا مع “الميادين الثقافية”.

 

***

 

ما الذي يحدّد بوصلة الخطأ والصواب في ما تكتبه؟

أكتب ما أعتقد أنه صحيح على كل المستويات، من ناحية “التكتيك” وقواعد كتابة السيناريو، ومن الناحية الفكرية أيضاً، رغم يقيني أن ما هو صحيح في الحياة مُتَبَدِّل من وقتٍ لآخر، فبعض الأشياء التي كنت أرى أنها صحيحة في عام 2013 عندما كتبت “القربان” لم تعد كذلك الآن، وهذا ليس عيباً، لأن الإنسان يُغيّر قناعاته وأفكاره، وتتطور مداركه.

أما في مرحلة ما بعد الكتابة، وخلال مشاهدة المنجز الدرامي النهائي، نكون أمام تقييمين، الجماهيري الذي لا يمكن الاتكال عليه بصورة مطلقة كمعيار جودة، وإلا كان مسلسل مثل “باب الحارة” أكثر أهمية من أعمال مثل “غداً نلتقي” و”الندم”، على سبيل المثال لا الحصر، بحكم أنه الأكثر جماهيرية في آخر 20 سنة.

 

وكما أن الحالة الجماهيرية لا يمكن أن يبنى عليها، هناك أيضاً الحالة النقدية، فهي متهالكة ويشوبها الكثير من الشّخْصَنة، إضافة إلى غياب المرجعية الأكاديمية التي تجعلنا نمنح فلاناً صفة ناقد يمكن الالتفات إلى وجهات نظره.

 

حقيقةً، أنا أقرأ أي ملاحظة كتبت بحق عملي، وأسمع أي وجهة نظر، وليس عندي أي حالة عدائية تجاه أي منهما، لكنني أُخْضِع كل تلك الملاحظات لمحاكمة منطقية، فليس كل ما يقال أقبله، وفي الوقت ذاته ليس كل ما يقال أرفضه، لكن هناك وجهة نظر أشعر أن صاحبها يُمَنْطِق الأمور بشكلٍ يُنْتِجُ تغييراً نحو الأفضل، بينما هناك وجهة نظر لا تحقّق الشروط السابقة، فآخذ الأولى وأتجاهل الثانية، فمن مصلحتي تصديق الملاحظة الأفضل.

 

متى تقول إنّ نصّك بات في أيدٍ أمينة؟ هل لذلك علاقة بالحفاظ على رسالته وملامح شخصياته وخطوطه الرئيسية أم هناك أمور أخرى لها علاقة بجهة الإنتاج مثلاً؟

أعتقد أن الموضوع لا يحتاج إلى استفاضة لتوضيح متى يكون النص في أيدٍ أمينة. العمل الدرامي تشاركي، لذلك الأمانة تقتضي الوضوح حتى لا نشعر بأننا خُدِعنا أو خُذِلنا، المفروض أن يكون الشريك واضحاً في حدود ما يطلبه، وفي حدود ما سوف يفعله.

 

وضمن تجاربي القليلة مع مخرجين أساتذة وأصحاب تاريخ، يكون هناك تعديل على مشهد في “اللوكيشين”، أو على مشهدين بسبب ظرف تصوير، أو مقترح أفضل من ممثل، لكنها جميعها تفاصيل، وعلى هامش العمل، أما عندما يتحوّل الموضوع إلى إعادة كتابة، ونسف لمقترح، واشتغال عليه من وجهة نظر لا تأخذ أساساً وجهة نظر الكاتب بعين الاعتبار، هنا بتنا نتحدث عن تفسيخ للمشروع، و”سلبطة”، سواء أكان هذا الفعل من طرف المخرج أو جهة الإنتاج أو نجم له سطوة على المشروع، هذا بالنسبة لي قلة أمانة، لأن الأمانة تعني الحوار وأن نكون واضحين في كيف سَنُطَوِّر هذا النص وكيف سنُخْرِجُه على مستوى الصورة والمادة النهائية.

 

هناك من يتّهمك بأنك لا ترضى بالعموم عن إخراج أعمالك باستثناء شراكتك الإبداعية مع الليث حجو سينمائياً وتلفزيونياً.. ما السبب وراء ذلك؟

الحقيقة أنني لم أشتغل مع كثير من المخرجين. تجربتي الأولى مع الأستاذ علاء الدين كوكش في “القربان”، لم أكن معترضاً نهائياً على الأمانة في تعامله مع نصّي، وعلى العكس فالأستاذ علاء كان أميناً جداً بعد إجراء التعديلات التي طَلَبَها، لكنني اعترضت على أنه لم يكن هناك توافق بين نَفَسي ككاتب في الثالثة والعشرين من عمره آنذاك، وبين المدرسة والآلية والطريقة التي يشتغل عليها الأستاذ علاء وصنع من خلالها أعمالاً عظيمة ووقّادة كــ “حارة القصر” و”أسعد الوراق” و”أبو كامل”… وجميعها أعمال خالدة واستثنائية، لكن في ذاك الوقت كنت أعتقد أن العمل بحاجة إلى مخرج أكثر عصرية، ومع ذلك لم أتهم الأستاذ علاء ولا للحظة بعدم الأمانة.

 

تجاربي الأخرى كانت كلها مع الأستاذ الليث حجو، وأنا لا أعلن رضاي عن المشروع مع الليث لأنه فقط الليث، فهو ليس “براند” أو علامة تجارية تجعلني أرضى، إنما النتيجة هي ما تدفعني لذلك، فعلاء الدين هو أيضاً “براند” ومخرج عظيم جداً، بمعنى أن اعتراضي لا أسجّله بسبب اسم المخرج، بل بسبب النتيجة. وأنا أرى أن تجاربي مع الليث كانت واضحة ومثمرة ومنتجة، هناك تعاون وتفاهم وتقدير لمعنى الشراكة، واحترام لدور الكاتب ولدور المخرج، وهناك أذن صاغية لأي مقترح وملاحظة ورغبة بالتطوير أو التراجع عن مقترح ما.

 

إذاً هناك شراكة تامة تجعلنا نحمل مسؤولية ما يظهر على الشاشة معاً، ففي أولاد آدم مثلاً، تَبَنَّيْنا العمل ككلّ وكنّا سنتحمّل مسؤولية نجاحه أو فشله، أما تجربتي الأخيرة مع محمد عبد العزيز في مسلسل “النار بالنار” فهي على النقيض تماماً من تجربتي مع الليث، إذ غابت عنها الأمانة، وأعتقد أن التقادم والأعمال المقبلة من الممكن أن تشرح وتفرز ما هي التجارب التي يكون شكلها أصح، فالشمس لا تغطى بغربال.

 

هل “أدبية النص” التي وصف بها محمد عبد العزيز نص “النار بالنار”، تهمة تسيء لكاتب السيناريو أم دليل على رفعة الورق المكتوب برأيك؟

في البداية ينبغي توضيح نقطة بأنه لا يمكن وصف السيناريو بأنه “نص أدبي”، وأن تطويره بـ “اللوكيشن” هو ما يوصله لمادة نهائية من روح ودم، فالسيناريو ليس له علاقة بالأدب بأي حال من الأحوال، وليس جنساً من أجناس الأدب، ومن يدّعي عكس ذلك هو إمّا جاهل في “الصنعة” أو متلاعبٌ في اللغة، لأن النص الأدبي هو القصة أو الرواية التي يمكن أن يُقتَبَس عنها السيناريو، أما وصف السيناريو بنص أدبي فهو مجرد حذلقة لغوية.

لغة السيناريو ميكانيكية بحتة، ولا يصح بأي شكل من الأشكال أن تأخذ صبغة أدبية، خاصةً أنه سيأتي فني إضاءة وفني إنتاج عليه أن يفهم المكتوب وماذا سيفعل بناء عليه.

 

هل تنتهي مهمتك ككاتب سيناريو بتسليم نصك لجهة الإنتاج أم هناك مراحل تحضير أخرى مع المخرج؟

تعاقدياً، تنتهي بأن أُسَلِّمَ نَصّي لجهة الإنتاج. طبعاً هذا على مستوى تعاقداتي السابقة. أما اللاحقة فسيكون ضمنها بند أساسي يقول “يُمنَع تعديل أي سطر في النص من دون موافقة وإجماع الأطراف الثلاثة (الكاتب والمخرج والمنتج)”، لأن البند البديل الذي ينص على أنه “يحق لجهة الإنتاج إجراء التعديلات التي تراها مناسبة من دون المساس بجوهر العمل”، هو بند فضفاض، يمكن تضييقه وتوسعته بقدر ما تحتاجه الحالة الحقوقية.

 

بالنسبة لي أتمنى العمل مع شركاء يتيحون لي أن أساعد حتى الحد الأقصى، طبعاً ليس بمعنى التَّدخُّل، ففي “أولاد آدم”، بعد تسليمي لعدد كبير من الحلقات فُرِضَتْ ظروف خاصة بــ “كورونا”، مُنِعَ فيها تصوير المشاهد الخارجية في لبنان، وهذا اقتضى مني أن أعيد كتابة حلقات كاملة، وأن أنقل عدداً كبيراً من المشاهد من خارجيّ إلى داخليّ، وأجري الكثير من التعديلات لأخلق صلات وصل ما بين هذه المشاهد.

 

نَفَّذْتُ التعديلات بكل سعادة وكنت جاهزاً لأن أُقَدِّمَ المزيد، لكن هذا بحاجة إلى شراكة، فنحن في النهاية لسنا “مكنات” نشتغل بحالة تعاقدية، ولسنا موظفين، المفروض أننا نعمل على منتج إبداعي ذي طابع فكري، لا يمكن أن يخرج إلى الناس بأفضل صورة إلا بحالة أخلاقية عالية، على الأقل ضمن نطاق العمل، فعندما نقول إننا نعمل معاً، ينبغي أن تكون الحالة الأخلاقية عالية وأن نشتغل بمحبة.

 

وبالعودة إلى السؤال، تعاقدياً كانت تنتهي بتسليم النص لجهة الإنتاج، حالياً حتى تعاقدياً سأفرض البند الذي ذكرته سابقاً، وهو نفسه يمكن أن يتحوّل إلى بند نظري أنساه تماماً عندما أعمل مع شركاء يحتكمون إلى الحدّ اللازم من الأمانة، لأنني أعرف أنّ تعديلاً بسيطاً هنا، وآخر هناك، يتم من أجل مصلحة العمل، وليس لإرضاء ذاتية وفردانية ونزعة غير صحية في التعامل مع المهنة.

 

ما الحدود الفاصلة بين إبداع السيناريست وسطوة المخرج؟

فكرة وجود الحدود بمعناها التعريفي الشرس ليست صحيحة، وناتجة عن شراكة قد فُسخت، الأفضل بالنسبة لي على الدوام، أن تكون هناك حالة تعاون مبنية على الأمانة، والكل يشتغل لأجل التطوير، والتطوير لا يعني أن ما تعتقد أنت كمخرج بأنه الأفضل هو الأفضل حُكْماً، بل التطوير أن نتشارك في الوصول إلى وجهة نظر واحدة نعتقد أنها الأفضل للمشروع، وليس لأفكار معينة ورغبات شخصية موجودة في ذاتية هذا الصانع أو ذاك، لذلك أُفَضِّل ألا تكون الحدود موجودة بالأساس.

 

وبرأيي، فإن الشراكة قادرة على إلغاء تلك الحدود وأن تترفّع عنها، لكن هذا مع الأسف لا يتحقّق دائماً، فأنا بحاجة إلى شريك بيننا ثقة وفهم مشترك “للصنعة”، وكيفية إنتاج مشروع بصورة جيدة نحفظ فيه قيمة المتلقّي وكراماتنا الشخصية فيما نشتغل، لذلك لست مع فكرة الحدود نهائياً.

 

أنت تعمل على نصوص في الدراما التركية المدبلجة، ما الذي تعلّمته من هذه التجربة؟

أغلبنا لديه ملاحظات كثيرة على الدراما التركية، وبالذات نحن العاملين في صناعة الدراما السورية، الآتين من خلفية لها علاقة بِمَنْطَقَةِ كل شيء، والبحث عن الدوافع والمبررات وبناء الشخصيات وتخليص النص من الصدف والافتعال… إلى آخره، دائماً نرى أن الدراما التركية تقوم على التسلية وتدير ظهرها لكل ما عداها.

 

الأحداث في الدراما التركية تُختلق بهدف صناعة مادة مشوّقة، أما المبررات والأرضيات وغير ذلك فتأتي في مرتبة متأخّرة على سلّم الأولويات، ولكن هم لديهم تقاليد وأصول للمهنة، وذكاء في التعاطي مع “الصنعة”، وحالة احترافية عالية، تخيَّل، على مستوى سطر وجملة فإن تغيير ترتيب مفرداتها لا يمكن أن يتم من دون العودة إلى الكاتب.

 

أنا لست مع هذه الحالة بشكلها الجامد جداً، لدرجة يتحوّل الموضوع إلى صكوك وإمضاءات على كل سطر يُكتب، لكن نفهم من خلالها أن النص بالنسبة لهم، رغم كل شرطيتهم، هو الأساس والمنطلق الذي يجب أن نكون حذرين في التعاطي معه، والذي يجب أن نفهم لماذا سنجري أي تعديل فيه، ولهذا السبب نجد أن الدراما التركية قادرة على أن تحافظ على عناصر الفرجة الجيدة من التشويق والإيقاع، وقادرة على خلق علاقة مع المتلقّي، وهناك ضبط للورق لأجل خدمة العناصر سابقة الذكر.

 

بالمختصر، هم أناس في غاية الاحترافية، لديهم دقة وبروتوكولات صارمة وليست هناك تجاوزات، يصنعون الدراما بشكل جيد ويصلون بها إلى نتيجة مرضية، بدليل أن الدراما التركية تتم إعادة تدويرها على ما يزيد عن 100 دولة و100 لغة و100 ثقافة… هم محترفون للغاية ولديهم تقاليد مفتقدة بنسبة كبيرة في الدراما السورية، التي لم تصل بعد إلى كونها صناعة وإنما مظاهر درامية سورية، وأن نتفق مع منجزهم أم لا فهذا بحث آخر.

 

ما مشاريعك المستقبلية؟

لدي العديد من المشاريع، لكنني ألتزم بحق شركات الإنتاج الإعلان عنها، وهذا جزء من الأمانة التي تحدّثت عنها.

 

سيرياهوم نيوز 1-الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المبدع الحقيقي..شاهد وناقد ومؤرخ وليس بوقاً لأحد..!

    سمير حماد   عندما يتخلى المبدع عن دوره كشاهد وناقد لما يجري على الساحة الاجتماعية والسياسية والثقافية , يتحوّل الى نمر من ورق ...