يرى الاعلامي اللبناني سامي كليب أن لقسم كبير من الساسة في لبنان مصلحة في تمييع وتضييع أسباب انفجار مرفأ بيروت وتدميره، ويعتقد في مقال نشره عبر موقع 5 نجوم: “سيكون من باب المعجزة معرفة حقيقة ما حصل تماما، ذلك ان كل الشهود للأسف استشهدوا، ومكان الجريمة بقي مسرحا للعبث ٢٤ ساعة، وصور الكاميرات واقمار التجسس لن تكشف من الذي تسبب بالتفجير. والمناكفات السياسية والصفقات بين الطوائف كفيلة بتضييع أي تحقيق جديد وأي محاسبة، وسوف تتجه الأنظار فقط الى تعميق الشرخ بين محورين في لبنان، واحد يدعم حزب الله والثاني يناصبه العداء.
ويضيف: “الآن، وفيما فُتح باب الاستغلال السياسي على مصراعيه في الداخل والخارج لتوظيف التفجير لمصلحة هذا الطرف أو ذاك، دعونا نضعه في سياق أشمل لعلنا نفهم.
يشير كليب: “جاء التفجير، بعد سلسلة من الهجمات الأسبوعية في الداخل الإيراني وعلى مواقع إيرانية ولحزب الله في سورية. فالذي يضرب في عقر طهران، هل يتردد فعلا في الضرب في عقر بيروت؟ هل نسينا الطيران الاسرائيلي المكثف الذي حلق طيلة الاسبوعين الماضيين فوق بيروت يصور كل شيء؟
ويتابع:
“جاء التفجير بعد الاتفاقية العسكرية الاستراتيجية الجديدة بين ايران وسورية والتي تسمح بحصول الجيش السوري على دفاعات جوية قابلة للاستخدام ضد الهجمات الإسرائيلية خلافا للروسية التي لا تعترض هذه الهجمات الا اذا ضربت مواقعها.
جاء التفجير فيما الحصار الاقتصادي وقانون قيصر ( الذي يفرض عقوبات صارمة على القيادة ومؤسسات مصرفية وتجارية سورية وكل من يتعامل معها) يضربان ايران وسورية ولبنان، وبعد ان تبين أن هذه العقوبات الأميركية أثرت على خصوم حزب الله أكثر مما أثرت عليه.
جاء التفجير فيما واشنطن ترفع مستوى الضغوط على لبنان لترسيم الحدود البحرية فارضة شروطا تراعي مصالح إسرائيل اكثر من لبنان، ومتخلية حتى عن “خط هوف ” أي عن ذاك الخط الذي اقترحه السفير الأميركي السابق فريديريك هوف على لبنان ويقترح إعطاء بيروت ثلثي النفط مقابل سواحلها وإسرائيل ثلثا. وتريد واشنطن تلازم ترسيم الحدود البحرية والبرية بينما لبنان يرفض ذلك.
جاء التفجير، وسط سعي أميركي-إسرائيلي لتعديل مهام قوات الطوارئ الدولية في لبنان، بحيث تصبح تقريبا في مواجهة “حزب الله” في مناطق الجنوب، وهو الأمر الذي ترفضه دول كبرى بينها أوروبية مثل فرنسا.
جاء التفجير بعد اتجاه ” محور المقاومة” ( وهو الاسم الذي يطلق خصوصا على ايران وسورية ولبنان مع تنظيمات فلسطينية والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق) لخرق الحصار والعقوبات بالاتجاه صوب الشرق وفتح أبواب التجارة واسعة مع الصين وايران بالنسبة للبنان وسورية. وهو أمر حذرت منه صراحة واشنطن خصوصا في خلال زيارة وزيرة خارجيته مايك بومبيو الى بيروت قبل اشهر.
جاء التفجير، في أوج قلق إسرائيل من استعداد حزب الله تنفيذ عملية انتقامية لمقتل احد رجاله في سورية بغارة إسرائيلية ، وهي تعرف تماما ان الحزب ينفذ عادة هكذا تهديدات. وتخلل فترةَ القلق توترٌ عند الحدود اللبنانية الإسرائيلية أوضح حجم الارباك الإسرائيلي وفق ما قالت الصحف والتلفزات الإسرائيلية نفسها.
جاء التفجير بعد ان قال المسؤولون الإسرائيليون وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو نفسه، ان إسرائيل ستضرب العمق اللبناني في حال قام حزب الله باي عملية ضدها، وشرحوا أماكن وجود صواريخ واسلحة للحزب ، وغالبا ما كانوا يذكرون مرفأ بيروت كأحد الأهداف. يُلاحظ ان في بعض المواقع الاسرائيلية كلاما عن استهداف شيئ لحزب الله او ايران في المرفأ، وكأنما يُراد لمثل هذه التسريبات التمهيد لشيء آخر في المستقبل حتى ولو لم يتم تبنيها من قبل الاعلام المعروف او من السياسيين في اسرائيل.
جاء التفجير بعد عودة الانفتاح العربي على سورية ( رغم الضغوط الهائلة الأميركية التي تُمارس ضد هذه الدول للجم ذلك)، وقد كان مرفأ بيروت مُرشحا للعب دور مركزي في إعادة الاعمار السورية ونقل البضائع من الصين وايران الى لبنان.
جاء التفجير أخيرا بعد ان صار شعار ” الحياد” الذي أطلقه البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي يأخذ طريقه شيئا فشيئا في سياق رفع مستوى الضغط الداخلي على حزب الله وسلاحه.
يقول الاعلامي اللبناني: “لا ندري في الواقع ما اذا كانت إسرائيل قد تسببت في تفجير المرفأ مباشرة او عبر عملاء لها، ولا ندري ما اذا كانت هي التي تقف وراء التفجير او طرف آخر محلي او دولي ؟ لكن اللافت ان معظم الأطراف سعت قبل نتائج التحقيق الى استبعاد هذه الفرضية، وتوجيه الأصابع الى حادث عرضي يتعلق بوجود ٢٧٥٠ طن من نيترات الأمونيوم في احد مستودعات المرفأ. وتم اللعب بعقول الناس والقول تارة ان مفرقعات أدت الى التفجير، ثم احتكاك سلك كهربائي، بينما يحتاج تفجير النيترات الى حرارت تفوق ٢٩٠ درجة، فقيل ساعتئذ ان عاملا كان يُصلح الباب الحديدة باستخدام التلحيم الناري ، أين هو هذا العامل كي يحكي؟ هل ما زال على قيد الحياة؟
ويشير إلى أن تيار المستقبل بقيادة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ( الذي قد يطاله التحقيق كما الرؤساء تمام سلام ونجيب ميقاتي وحسان دياب لكونهم رؤساء حكومات منذ تخزين اليورانيوم في مرفأ بيروت حتى اليوم) ، كان أول من أصدر بيانا يُشكك فيه بالرواية الرسمية، ويدعو الى تحقيق دولي في ظروف وتوقيت وكيفية التفجير، معتبرا ان في الامر استهدافا لبيروت. وهو بذلك أي بالتحقيق الدولي وبفكرة استهداف بيروت يسلط الضوء على أكثر من طرف وبينها في طبيعة الحال حزب الله والعهد بقيادة الرئيس ميشال عون وربما ايضا إسرائيل.
ويبين: “قبل تشكيك التيار كان النائب مروان حماده اعلن استقالته من مجلس النواب، ثم اعلن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط صراحة ان لا ثقة بالتحقق الداخلي وطالب بتحقيق دولي موحيا بان اخفاء الادلة يذكر بمرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم ذهب الى حد اتهام “محور الممانعة “ايضا باحتمال التورط بما حصل دون ان ينفي احتمال العدوان الاسرائيلي.
ويرى كليب: “لو ثبُت تورط إسرائيل، فهذا يعني فتح الباب على الحرب، لأن الحزب سيضطر الى استهداف مرفأ حيفا ومستودعات امونيوم وفق ما قال امين عام الحزب السيد حسن نصرالله مرارا. لكن حتى الآن لا توجد مؤشرات على رغبة إسرائيل او ايران او الحزب بالانزلاق الى حروب.
ويشير: “الحزب ما يزال رافضا حتى الآن الادلاء بتصريح علمي يشرح ما حصل بانتظار معطيات أكثر. وقد استغلت الأطراف المواجهة له صمته، بتصويب السهام ضده واتهامه بتخزين أسلحة ومتفجرات في المرفأ او بتهريب ذلك عبر المرفأ دون حسيب او رقيب. وذهب البعض الى حد الإيحاء بان الحزب هو من افتعل التفجير لقلب كل المعادلة في لبنان. وتعددت المطالب بتحقيق دولي وذلك ضد رأي الحكومة التي تريد محاسبة داخلية. ولا شك ان هذه المطالبة بتحقيق دولي تُمهد لرفع الضغوط على لبنان بغية ضبط المعابر الشرعية والقبول بقوات دولية حتى عند الحدود السورية اللبنانية.
ويسأل: “فهل يُحدث الحزب مفاجأة في الأسابيع المقبلة ويقول شيئا مغايرا؟ لا ندري . وهل ينجح خصومه في تحميله مسؤولية ما حصل ويقدمون دلائل على ذلك ؟ أيضا لا ندري .
ويتابع: “في جميع الأحوال فان انفجار ( او بالأحرى تفجير) مرفأ بيروت، حتى لو كان بفعل الصدفة او الخطأ او الإهمال ( وهذا احتمال قائم لكني برأيي الشخصي ضعيف مهما ظهر في نتائج تحقيقات ستكون على قياس الأطراف) سيؤسس لتعميق الشرخ السياسي في البلد، وسيكون مادة لنكايات سياسية ولتصفية حسابات ولصراع المحاور. ويُمكن بالتالي لإسرائيل وغيرها أن يطمئنوا الى ان المسؤولين اللبنانيين سيغرقون في صراعاتهم الداخلية، وان أسباب التفجير ستضيع، ليفتح بازار المحاسبات والمناكفات التي لن تطال طبعا المجرمين الحقيقين لا في الداخل ولا الخارج.
ويرى أنه: “الأهم الآن هو معرفة مَن فجّر مرفأ بيروت واحدث هذه الكارثة، وليس أي شيء آخر؟ والمطلوب محاسبة المسؤولين بغض النظر عن اي طرف او طائفة او محور ينتمون اليه
ويتساءل: “فهل يصمت الراي العام اللبناني على جريمة قتله هذه المرة؟ لو صمت ستكون الجريمة اكبر من تلك التي ارتكبت في مرفأ بيروت.
ويختم مقاله: “اما لو تُرك الأمر للساسة في لبنان، فنحن أمام مشهد جديد يُذكر تماما بمرحلة ما بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولذلك فالتشابك المحلي والدولي كبيران في المرحلة المقبلة.
سيريا هوم نيوز /4/ اوقات الشام