آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » سوريا: تحكيم العقل أو المخاطرة بالتدرج نحو الأسوأ

سوريا: تحكيم العقل أو المخاطرة بالتدرج نحو الأسوأ

 

 

علي حمادة

 

لم تحسن السلطات السورية التصرف مع أزمة التسجيل المفبرك الذي نسب زوراً إلى أحد مشايخ الطائفة الدرزية في سوريا. فقد أفسحت المجال بطريقة ما أمام مجموعة من الفصائل “الجهادية” لكي تتحرك على الأرض في اتجاه ديموغرافيا درزية في مدن جرمانا وأشرفية صحنايا محاولة الاقتصاص من طائفة بأسرها رداً على التسجيل المفبرك. وكان سبق أحداث جرمانا، ثم مقتلة أشرفية صحنايا تحت عناوين التحريض الطائفي والتكفيري ضد طائفة أصيلة من النسيج العربي المشرقي، قيام مجموعات ناشطة ومتعصبة بمحاصرة جامعيين في حلب وحمص في قلب المساكن الجامعية ومحاولة الاعتداء عليهم، مما دفع أهاليهم إلى المطالبة بعودتهم بعدما باتت حياتهم مهددة.

 

نتوقف عند هذه الأحداث، لنقول إنه لو افترضنا أن من نسب إليه التسجيل الصوتي المزعوم كان حقاً المسؤول، فهل كان من المنطقي لو كانت هناك دولة في سوريا أن يأتي الرد بالتعرض لطائفة بأكملها؟ أين كان العقلاء في تلك اللحظة؟ أكثر من ذلك، حتى لو كانت هناك خلافات بشأن المسألة الأمنية في محافظة السويداء، وقضية تسليم السلاح إلى الحكومة السورية، هل كان هناك ما يبرر التعرض للديموغرافيا الدرزية باقتحام مناطق وجودها في سوريا؟ ونسأل الحكومة التي نكن لها الاحترام بوصفها الشرعية في سوريا، هل من تفسير لانقضاض ميليشيات قيل إنها لا تنتمي إلى الأمن العام السوري على مدن وقرى درزية بذريعة الثأر لكرامة النبي الكريم؟

 

ما تقدم مجموعة من الأسئلة المشروعة التي تحتاج إلى أجوبة، وخصوصاً أن انتهاء العمليات العسكرية في أشرفية صحنايا لم يوقف الاعتقالات، ولا التصرفات التي لا تليق بالدول والحكومات الشرعية. فالتوتر لا يزال على أشده، ومن المحتمل أن تتفاعل الأوضاع فيحصل انفجار كبير في الجنوب السوري ينتهي بتدخل إسرائيلي يصب في مصلحة إقامة المناطق العازلة التي تخطط لها إسرائيل لمرحلة ما بعد عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. والحكم في دمشق يدرك تماماً أن تل أبيب تتحين الفرصة لتوسيع الحزام الأمني الذي تشير المعلومات إلى أنه – وحسب الخرائط المتوافرة – يمكن أن يمتد من جنوب لبنان إلى الحدود السورية – العراقية ويعرف بـ”ممر داوود”.

 

وحسب الخرائط يدخل الجنوب السوري ضمنه. فترك الأمور على غاربها لا يمكن إلا أن يفاقمها، ويهيئ الظرف لإعادة خلط الأوراق على المسرح السوري الذي لما يستقر بعد، وخصوصاً أن أحداث الساحل التي نعتقد أنها كانت مدبرة من قبل فلول النظام، وأسهم فيها العنصر الإيراني عبر “حزب الله” من خلف الحدود، لم تؤد تفاعلاتها إلى إحداث تغيير حقيقي في البناء الأمني للدولة. فظلت عدة ميليشيات كانت تنتمي إلى التحالف العريض بقيادة “هيئة تحرير الشام” تتحرك من خارج الإطار الحكومي الذي يفرض انضباطاً على القوى المسلحة.

 

 

 

من هنا مخاوف فئات مثل شريحة كبيرة من الطائفة الدرزية في سوريا، والكرد، من تسليم السلاح بشكل تام في ظل وجود قوى مسلحة أجنبية وخارجة على الحكومة وسلطتها الحازمة. وبالتالي تحتاج الحكومة بقيادة الرئيس أحمد الشرع إلى معالجة قضية الأمن الشائكة التي تشكل “قنبلة موقوتة” في الداخل السوري. ومن هنا فإن الحوار السياسي، ومكافحة التحريض الطائفي في بعض الفصائل مهم جداً، لأنه سيكون بمثابة “كعب أخيل” الحكم الجديد.

 

إن التدخل الإسرائيلي سيبقى محدوداً إن أحسن الحكم التصرف بحكمة وبعد نظر. أما إذا لم تتم معالجة أسباب الهواجس، فسيستغل الإسرائيليون الموقف لتوسيع حلقة التدخل تحت عنوان “حماية الأقليات”، فهل هذا طموحنا لسوريا المستقبل؟ بالطبع لا. سوريا المستقبل بالنسبة إلينا نحن في الوطن العربي هي سوريا الجامعة لأهلها بمساواة وعدالة ووحدة حال بين جميع المكونات. إنها سوريا التي يشعر فيها كل مواطن أنه صاحب الدار كل الدار، وحيث لا تكون لمكائد الخارج وبعض الداخل انعكاسات خطيرة مثلما يحصل اليوم.

 

خلاصة القول إن أحداث الأيام القليلة الأخيرة يجب أن تدفع الجميع وفي المقدمة أركان الطائفة الدرزية، والقيادة السياسية في دمشق، إلى تحكيم العقل لتفويت الفرصة على من يسعون إلى دفع سوريا إلى حرب أهلية مفتوحة من شأنها أن تفتت ما تبقى من وحدة، وتشتت ما تبقى من شعب آمن. إن الكرة اليوم هي أولاً في ملعب الرئيس الشرع، وثانياً في ملعب أركان الطائفة الدرزية. لا بد من أن يمسك العقلاء بزمام الأمور قبل أن تتدحرج الأمور نحو الأسوأ.

(أخبار سوريا الوطن ١-النهار)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

نتنياهو الهند 

    كتب محمد خير الوادي :   هناك تماثل كبير بين شخصيتي مودي رئيس وزراء الهند، مع زميله رئيس وزراء اسرائيل . وقد وصل ...