آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » شخصيات تتحول إلى لحم ودم بأداء بارع … «مع وقف التنفيذ».. دراما تعيد البريق ولكن السرعة تفرض التسرع

شخصيات تتحول إلى لحم ودم بأداء بارع … «مع وقف التنفيذ».. دراما تعيد البريق ولكن السرعة تفرض التسرع

| خلدون عليا

حصد مسلسل «مع وقف التنفيذ» من تأليف علي وجيه ويامن الحجلي وإخراج سيف سبيعي وإنتاج إيبلا الدولية تفاعلاً كبيراً من الجمهور خلال عرضه في الموسم الرمضاني الفائت كما أنه كان من علامات عودة توهج الدراما السورية من جديد حيث يمكن القول إنه من الأعمال القليلة التي أعادت رونق حضور الدراما السورية على الشاشات من جديد.

في تجربة علي وجيه ويامن الحجلي تبدو الفكرة أكثر نضوجاً وهي تجربة تتطور وتتقدم عملاً بعد آخر وهذا بالتأكيد مكسب كبير للدراما السورية فيبدو نص مسلسلهما متماسكاً إلى حد بعيد مبني على حكاية تنبع منها الأحداث لا أحداث تم سردها واحداً تلو الآخر لتشكيل مسلسل وهنا تكمن قيمة الكتابة عن معرفة بخصوصية النص الدرامي… لا حدث دون حكاية فالحكاية هي التي تولد الحدث لأن الشخوص تسير في حكايتها المفترضة لتخلق الأحداث من حولها من خلال تفاعلها مع المحيط.

المكان والحرب

«حارة العطارين» التي دمرتها الحرب وعادت إليها الحياة من جديد تبدو مسرحاً ذا فناء رحب لأنماط مختلفة من شخصيات تتقاسم المسرح كل حسب رغبته وطريقته بالحياة أو حتى الموت.

تبدو شخصيات العمل مرسومة بعناية ولعل أكملها واقعياً ومنطقياً شخصية «حليم» هي شخصية حياتية بالمطلق من دون تجميل ومن دون رتوش هو مثقف يساري ولكنه إنسان لا يعيش الشعارات فقط بل يعيش الواقع أيضاً ولعل تصرفه مع ابنته عندما ادعى عليها يعكس العمق الذي كتبت به هذه الشخصية والسير على حد الهاوية بين كتابة شخصية كلاسيكية نراها في الكثير من الأعمال وشخصية واقعية من لحم ودم وبكل تأكيد فإن كان من يؤديها فنان بقيمة غسان مسعود فعليك أن تكون مرتاحاً حد الطمأنينة المطلقة فالرجل قارئ بارع لمفهوم الشخصية الدرامية ومؤد فذّ يعرف معنى جملة «فن أداء الممثل»… يبدو الحديث عن قيمة غسان مسعود اعتيادياً بالمطلق فقيمته أصبحت ماركة مسجلة باسمه يعرف متى ينفعل ومتى يصمت.. متى يعطي الأداء للجسد ومتى يتركه للحالة النفسية… فتكون النتائج التي يبحث عنها كل من يعشق تكنيك وثقافة وحضور الممثل.

الأداء والتميز

على المقلب الآخر تابع فادي صبيح رسم خطواته بعناية فائقة.. هذا الممثل دائماً ما يفاجئك وهنا تكمن القيمة الفنية الحقيقية.. لا يستكين لنجاح ولا يرقد على شهرة هو يعرف جيداً أن القيمة تراكمية لا لحظية ولذلك يبحث عن شخصياته ليجسدها ويغنيها لا لترفعه.. فشخصية «هاشم الباري» بسيطة بالعنوان غنية بالمضمون وهنا تكمن قيمة أداء فادي صبيح حيث استطاع الحفاظ على التوازن الجسدي المطلوب واللعب على الارتكاسات النفسية للشخصية وتطويعها وهو فن التشخيص الحقيقي ذي القيمة الفنية لا فن الاستعراض التمثيلي.. فالاستعراض قد يجلب نجاحاً لحظياً ولكن فن الأداء هو ما يكرس النجاح بديمومة ولعل قيمة ما قدمه فادي تنعكس بشكل واضح بمشهد خلافه مع عائلته وبمشهد رؤية شقيقته «عتاب» كمغنية… يجيد فادي هنا اللعب في مساحات الأداء المقترحة فيصل للذروة الأدائية ويبقى ثابتاً فيها وعندما يحين الوقت يلون أداءه صعوداً وهبوطاً بما يجعل الشخصية من لحم ودم لا مجرد استعراض فارغ.

صفات النجاح

بالمجمل كان أداء نجوم العمل ملفتاً إلى حد كبير فبرعت حلا رجب بأداء شخصية «أوصاف» وكرست نفسها كفنانة تثبت حضورها بتنوع محبب وترسم حضورها ببراعة بحثاً عن مكانة تستحقها برأيي هي ممثلة تفهم أصول عملها جيداً وتبحث عن الاختلاف ولعل ذلك أهم صفات النجاح.

أما سلاف فواخرجي فلا يمكن لأي متابع للدراما السورية إلا أن يراهن على جمال حضورها وقوة تأثيرها بما تقدمه فبعد نجاحها الكبير بمسلسل «عنبر6» تقدم نفسها بحضور لافت بشخصية «جنان العالم» هي شخصية مركبة ومبعثرة بنفس الوقت تبحث عن الأصول وتحيد عنه.. هذا النوع من الشخصيات الباحثة عن الشهرة والمال والسطوة مع الحفاظ على السمعة الخارجية يجعلها تعيش جملة من المتناقضات الغريبة وقد تفطنت لها سلاف بقوة في العمل.

ولكن ماذا عن شكران مرتجى.. «سكر» هذه الشخصية التي كانت شكران الممثلة بحاجة لها لتعود لنمط جديد بالأداء لم تبتعد هي عنه ولكن ربما الخيارات في السابق فرضت نوعاً من عدم التنوع… وربما الحقيقة المطلقة أن شكران مرتجى ممثلة تمتلك من العبقرية ما يجعلها تلفت الأنظار حتى وإن صمتت.. هنا الشخصية بسيطة ولكنها تملك الكثير من مفاتيح الحكاية.. لا تلعبها شكران بحالة من الجمود بل بحالة من البساطة.. لا تحتاج إلى لفت نظر بل أفعالها وقسمات وجهها هي من تلفت النظر… وإذا كنا نبحث عن صناعة درامية متطورة وحقيقية فأعطوا شكران المساحات التي تستحق وانتظروا الفرجة الحقيقية ولعل مسلسل «وردة شامية» ليس ببعيد.

القوة والضعف

أما «درة» أو «عتاب الباري» فأنا من المتابعين الذين يحبون حضور صفاء سلطان وهذا الدور كان لها حصراً لا لغيرها قدمته بكل ما تملك من قوة وضعف من صمت وخيبة وأمل.. نجحت صفاء بأداء شخصيتي «درة» و«عتاب» لأن المنطق الحكائي والدرامي يعكس حقيقة اختلافهما بالشكل وتجاذبهما وتنافرهما في آن معاً بالمضمون وهو ما قدمته صفاء بحضور لافت وبثنائية جميلة مع جلال شموط وفادي صبيح وأقرانها بالعمل.

التجربة والخبرة

وكان مؤثراً حضور صباح الجزائري وقيمة ما قدمته رغم الحضور البسيط كضيفة ولكن قيمة الدور لا تكون بعدد المشاهد التي يؤديها الممثل بل بالأثر الذي تركه لدى المشاهد وهو ما برعت به «الصبوحة».

ويثبت عباس النوري حضوره كقيمة فنية بأداء شخصية فوزان.. فتجربة وخبرة وقيمة عباس النوري تمكنه من لفت النظر أينما حل ولكن بالشكل العام هناك تشابه كبير بين شخصية «فوزان» وشخصية «أبو المعتصم» التي أداها النوري في مسلسل «عناية مشددة» استطاع النوري تجاوزها إلى حد ما بالتحرك ضمن مساحات ضيقة فالشخصيتان تحملان التركيب الفكري نفسه والنظرة نفسها للحياة ولكن سبب تحول فوزان إلى محب للمال من دون رادع برره الكاتبان بسبب حقيقي أفرز هذا التحول فحاجته للمال وموت زوجته جعلاه ينقلب ويفكر بمنطق أن تملك المال فأنت تملك كل شيء ولكن بالمجمل لفت عباس النوري الأنظار بشخصية «فوزان» وأنسى الجمهور «أبو المعتصم» مع أن المنطق الفني والدرامي لا يباعد بين الشخصيتين فكرياً وفنياً وإذا كان من ملاحظة فهي الاستخدام المكرر للتيمة «معي أنت» نفسها بمرات عديدة بالمشهد الواحد وهو ما اعتدنا عليه بالسينما المصرية التجارية بالستينيات والسبعينات ولعل تخفيفها أو تقليل مرات استخدامها كان من الممكن أن يعطيها رونقاً أجمل.

وبالعودة إلى النص كان ملفتاً اعتماد الكاتبين على حلول مكررة لبعض الأحداث وهي الحلول التي اعتمدوها في أعمالهم السابقة فمثلاً عزام يلجأ للعمل عند «أبو العون» لينتقم منه وهو خط تكرر في عناية مشددة وعلى صفيح ساخن وكان دائماً بطله يامن الحجلي.

بالمقابل تبدو شخصية «عزام» وكأنها «سوبر مان» فتارة هو «خاطف» وتارة ساعي لفعل الخير وتارة منتقم مع توفر كل الحلول التي تسهل مهمته إلى أقصى حد.

الإخراج اللائق

على الصعيد الإخراجي يستعيد سيف سبيعي مكانه الحقيقي بين الكبار بعد هفوات فرضتها قلة الخيارات في مرحلة من المراحل ولكن مع تقديمه «على صفيح ساخن» في الموسم الماضي كانت الانطلاقة ليتبعها بهذا العمل ولكن بالمقابل لعل السرعة ومحاولة اللحاق بالعرض الرمضاني فرضت تسرعاً بإنجاز العديد من القصص في العمل ولعل مشهد دفن «عتاب» كان يمكن التعامل معه بصورة أكثر منطقية فوجود قبر وحجارة، هذا بنظر القانون جريمة قتل ولا يمكن أن تمر، كما أن مشهد دفن «عزام» لطفله حياً يبدو سريالياً بالمطلق فرصاصة القناص ستمزق جسد الرضيع كما أن الأب ومهما كان مكلوماً لا يمكن أن يتوه عن طفل حي وبالتالي كان يمكن البحث عن حلول أكثر واقعية وذات قيمة فنية أعلى مما تم طرحه بالإضافة إلى الخطأ بإحضار أطفال كبار في مشاهد ما قبل الخروج على أساس أنهم أطفال صغار بينما الذين تم دفنهم هم أطفال رضع. وفي المقابل فإن الاستخدام المتكرر لـ«close» كان بحاجة لضبط أكبر فاستخدام الصور القريبة بشكل متكرر وفي المشهد الواحد عدة مرات لا مبرر له وكان يمكن التركيز على ذلك في المشاهد المحورية «الماستر» وبلحظات تقلب مصير الأحداث أو تولد أحداث جديدة بمسار الشخصيات لا في عدد كبير من المشاهد واللقطات.

هذه الهفوات البسيطة مردها الرئيسي إلى الحاجة لسرعة الإنجاز في ظل ضغط الوقت واللحاق بالعرض الرمضاني فالتصوير المتزامن مع العرض يفرض سرعة يرافقها تسرع باعتقادي لو كان الوقت متاحاً بشكل أمثل لاختلفت الحلول وبالتأكيد فإن سيف يملكها وبنظرة فنية أكثر عمقاً.

بالمقابل تبدو المقولات التي تم استخدامها لكتاب وأدباء وشعراء ومثقفين ومسرحيين متناسبة إلى حد كبير مع فكرة العمل كما أنها أغنت الفكرة وفيها نوع من الوفاء للأسماء الكبيرة التي تمت استعارة مقولاتها في حين كانت الأحداث التي تشير إلى مرحلة ما قبل الخروج مؤشراً ومبرراً للكثير من أحداث العمل في حين مرّ عدد لا بأس به منها من دون أن يكون له مبرر.

بالمجمل يبدو العمل وكما أسلفنا من المسلسلات التي مهدت الموسم المنصرم لعودة بريق الدراما السورية وإن كان الفن يفترض عدم وجود عمل كامل بالمطلق فإن «مع وقف التنفيذ» وفق في الكثير من مفاصله.

سيرياهوم نيوز3 – الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

باحث روماني: سورية تحمل إرثاً حضارياً مبهراً

أكد رئيس مركز الدراسات والحوار في جامعة بوخارست الرومانية “إيليه فلانتين” أن سورية كانت وما زالت تحمل إرثاً حضارياً مبهراً في الشرق، من خلال ما يحمله ...