آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » صراخ المهمشين في (سوبر ماركت

صراخ المهمشين في (سوبر ماركت

 فؤاد مسعد:

عليك أن تكون فاسداً لتعيش وأن “تشرب من نهر الجنون لتكون كالآخرين”، هذا الصراع الداخلي الذي يعيشه الإنسان الشريف ضمن مجتمع يترنح من شدّة الفقر وصعوبة الحياة، هو إحدى الخُلاصات التي يقدمها العرض المسرحي (سوبر ماركت) تأليف الكاتب الإيطالي داريو فو، إعداد أيمن زيدان ومحمود الجعفوري وإخراج أيمن زيدان.. والذي قُدم على خشبة مسرح الحمراء، إنتاج مديرية المسارح والموسيقا ـ المسرح القومي.
حملت المسرحية منذ اللحظات الأولى هاجس الانتصار للفقير المسحوق الذي يكابد شظف العيش، ورغم أن النص مُترجم ويحكي عن المجتمع الإيطالي خلال فترة زمنية معينة لكنه يعطي دلالة أن الفقراء قد يتوحدون في الوجع كما يتوحد الفاسدون في الجشع ، وتُعطى هذه الدلالة قيمة إضافية من خلال إسقاطات لا تخرج عن الواقع لتشكّل في مجملها صرخةً تطلق بحناجر مهمشين وفقراء يحاولون التشبث في الحياة بأي وسيلة، إلى درجة أنه حتى الإنسان الكادح الذي يمتلك قيماً نبيلة ومبادئاً يرفض أن يحيد عنها قد يجرفه التيار بعد أن يجد نفسه عارياً أمام حقيقة فساد رؤسائه في العمل وتلاعبهم بقوت الناس، وهم الذين كانوا يشكلون له الأنموذج يوماً.

3.jpg
ويتناول المحور الرئيس للمسرحية حكاية النساء اللواتي قررن الوقوف في وجه قرار غلاء الأسعار فسرقن متجراً وكل منهن أخذت منه ما استطاعت حمله فاستنفرت الشرطة للبحث عن المسروقات، ووسط هذه الفوضى نتابع كيف تعاملت سيدتين مع المسروقات ومحاولة كل منهما إخفاء الغنيمة عن زوجها ما يخلق حالة من المفارقات المؤلمة والمضحكة في آن واحد، إلى درجة أن طعام الكلاب والقطط الفاخر بات وجبة هامة للزوجين، يتخلل ذلك مواقف تظهر حالة التناقض التي تعاني منها العديد من الشخصيات، إلى أن تحين لحظة المُكاشفة بعد أن تحوّل زوجا السيدتين من شريفين إلى مشاركين في السرقة.
الكوميديا السوداء التي عادة ما تكون الحامل الأبرز لأكثر الموضوعات وجعاً قُدمت هنا ضمن إطار كوميديا شعبية ناقدة ساخرة (الأسلوب الأبرز لكتابات داريو فو)، التقط المخرج روحها ليصيغ من خلالها عملاً مُشبعاً بالتفاصيل وفق صيغة تلامس الواقع، فالضحكة تجاورها الدمعة، وعبر هذه التوليفة أعاد المبدع أيمن زيدان تقديم مسرحية (سوبر ماركت) وفق رؤيا إبداعية جديدة على صعيدي النص والصيغة البصرية ليحاكي من خلالها عامة الناس وبمختلف شرائحهم بلغة بسيطة تتسلل بسهولة إلى قلوبهم، وتحمل في الوقت نفسه الكثير من الدلالات والعمق الفكري الملاصق لهموم الناس، وهي المرة الثالثة التي تُقدم فيها المسرحية على مدى تسعة وعشرين عاماً، سبق وقُدمت للمرة الأولى عام 1992 وكان حينها أيمن زيدان معداً ومخرجاً وممثلاً فيها وأعاد عرضها عام 2008، واليوم يكتفي زيدان بالإعداد والإخراج ليطرح أسماء شابة تؤدي الشخصيات بكل ثقة، حيث جسد الفنان حازم زيدان دور العامل (المثالي) الذي سبق وقدمه الفنان أيمن زيدان في العروض السابقة.
كما شارك في التمثيل كل من الفنانين: لمى بدور، قصي قدسية، سالي أحمد، حسام سلامة، خوشناف ظاظا.
بدا واضحاً السعي إلى الاستفادة من هندسة الفضاء المكاني على المسرح الذي تم تقطيعه ليكون حاملاً للمشاهد، وتوزيع الديكور وفق عدة مستويات بحيث يكون لكل مستوى منه أكثر من وظيفة ودلالة، ولكل تفصيل دوره المنسجم مع حركة الممثلين، وجاء تصميم الوجوه والملابس ضمن إطار يتناسب وهذه الحركة لخدمة المشهد ككل والفكرة المُراد إيصالها منه، وظهر جلياً تلاقي إدارة المخرج للممثلين مع ما يحمله كل منهم من شغف لتقديم المختلف في تجربة تحمل جرأتها على مستويي الشكل والمضمون، وتحرّض على إثارة الأسئلة الجدلية الصعبة والمؤملة

سيرياهوم نيوز 6 – الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وإنّما أولادُنا بيننا.. أكبادُنا تمشي على الأرضِ … في يوم الطفل العالمي.. شعراء تغنوا بالطفولة

  قد تجف أقلام الأدباء وتنضب أبيات الشعراء ولا ينتهي الحديث عن جمال الأطفال وذكريات الطفولة في عمر الإنسان؛ فالطفولة عالم مملوء بالحب والضحك والسعادة، ...