آخر الأخبار
الرئيسية » الزراعة و البيئة » “على نار حامية”: الخطر البيئي يداهم الجميع (2-2)

“على نار حامية”: الخطر البيئي يداهم الجميع (2-2)

| عبير بسام

يتوقع أنه في العام 2050، فإن أكثر من 140 مليون شخص من صحارى إفريقيا وجنوب آسيا وأميركا اللاتينية الذين يسكنون الأرياف سوف ينتقلون قسرياً للعيش في ضواحي المدن.

في الحلقة الثانية من مراجعة كتاب كتاب “على نار حامية: القضية الملحة لصفقة خضراء جديدة” للكاتبة الكندية ناعومي كلاين، تتناول الكاتبة تقرير الأمم المتحدة حول المناخ، وتستشهد بما جاء فيه في عرض قضيتها المهمة حول الاحتباس الحراري بسبب ثقب الأوزون، والذي يؤدي في النتيجة إلى ذوبان الثلوج في القطبين وارتفاع منسوب المياه حول العالم. وبالتأكيد المشكلة الأساسية التي تستعرضها كلاين تعيد نوعاً ما إفراز ما جاء في كتابها “عقيدة الصدمة”، والتي تتحدث فيه عن دور الرأسمالية المتوحشة في إنهاء العالم وزيادة الفقر وترحيل الناس.

جاء في تقرير الأمم المتحدة والذي اعتمد على دراسة شاملة عن حالة القطب الشمالي نُشرت في نيسان / أبريل 2019 في “رسائل أبحاث البيئة”، أن درجة حرارة المحيطات ترتفع بنسبة 40٪ أسرع مما توقعته الأمم المتحدة قبل خمس سنوات فقط. اذ كتب عالم الجليد الشهير جيسون بوكس، أن الجليد بأشكاله المختلفة يذوب بسرعة كبيرة لدرجة أن “النظام الفيزيائي الحيوي في القطب الشمالي يتجه الآن بشكل واضح بعيداً عما كان يتوقع أن تكون وضعيته خلال القرن العشرين، وفي حالة غير مسبوقة، ستمتد آثارها ليس فقط داخل القطب الشمالي ولكن أيضاً خارجه”.

في أيار / مايو 2019، نشر المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية التابع للأمم المتحدة تقريراً عن الخسائرة الكبيرة لأنواع من الحياة البرية في جميع أنحاء العالم. وحذر التقرير من أن هناك مليون نوع من الحيوانات والنباتات معرضة لخطر الانقراض. وقال رئيس المنصة، روبرت واتسون: “إن صحة النظم البيئية التي نعتمد عليها نحن وجميع الأنواع الأخرى تتدهور بسرعة أكبر من أي وقت مضى. إننا نعمل على تآكل أسس الاقتصادات وسبل العيش والأمن الغذائي والصحة ونوعية الحياة في جميع أنحاء العالم. لقد فقدنا الوقت. يجب أن نتحرك الآن”.

التشديد على التقارير المعنية بالمناخ

تتكون الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، وهي منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة، من 3000 عالم مناخ. وهي المرجع العلمي في مجال دراسة ظاهرة الاحتباس الحراري وفاعليتها.

قبل شهر واحد من احتلال حركة صنرايزرز Sunrisers  في تشرين الثاني/ نوفمبر لمكتب رئيس مجلس النواب الأميركي، نشرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة تقريراً كان له تأثير أكبر من أي منشور في تاريخ واحد وثلاثين عاماً من منظمة حائزة على جائزة نوبل للسلام. درس التقرير الآثار المترتبة على الحفاظ على الزيادة في الاحترار الكوكبي بأقل من 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت):

نظرًا للكوارث المتفاقمة التي نشهدها بالفعل مع ارتفاع درجة حرارة حوالى 1 درجة مئوية، فقد وجد أن إبقاء درجات الحرارة أقل من 1.5 درجة مئوية هي أفضل فرصة للبشرية لتجنب الانهيار الكارثي البيئي. لكن القيام بذلك سيكون صعبًا للغاية. وفقًا لمنظمة الأرصاد الجوية العالمية التابعة للأمم المتحدة، نحن نسير على طريق ارتفاع درجة حرارة العالم بمقدار 3-5 درجات مئوية بحلول نهاية القرن. ووجد مؤلفو الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ أن تحويل اعتماد سفينتنا الاقتصادية في الوقت المناسب للحفاظ على درجة أقل من 1.5 درجة مئوية من الاحترار يتطلب خفض الانبعاثات العالمية إلى النصف تقريباً في غضون اثني عشر عاماً فقط – أي أحد عشر عاماً مع سنة نشر هذا الكتاب – وذلك للوصول إلى حالة صفر انبعاثات كربون بحلول عام 2050.

الكلام لا ينطبق على اقتصاد دولة أو بلد واحد بل على جميع الاقتصادات الرئيسية في العالم. ولأن ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي قد تجاوز بالفعل المستويات الآمنة بشكل كبير، فإنه سيتطلب أيضاً خفض إنتاج غاز ثاني أكسيد الكربون من خلال تقنيات احتجاز الكربون غير المثبتة والمكلفة أو من خلال الطرق القديمة: عن طريق زراعة مليارات الأشجار- أي إعادة بناء الغطاء النباتي.

إن المعلومات المنبثقة عن التقارير الأممية العلمية، هي إحدى النقاط المهمة التي يعنى بها الكتاب. ولكن بالنسبة لكلاين، فإن هذا التقرير لم يكن أول تقرير علمي مخيف يعكس وضعية الارتفاع الحراري في الأرض وعملية عكس التلوث لا يمكن أن تكون من خلال أعمال فردية. إنها بحاجة إلى تضافر جهود الأفراد والجماعات والحكومات. ولا يمكن تحقيقها فقط من خلال رفع الضرائب على استخدام الوقود الأحفوري، أو على المعامل التي تطلق الكربون في الجو. إنها تلعب دوراً ولكنها غير قادرة على التغيير الفوري الذي نحتاج إليه. وهناك من يطلق الاحتجاجات، حول إمكانية الزراعة والتنقل والبناء من دون استخدام الطاقة الأحفورية، إن التغيير بحاجة فعلية إلى التغيير في نمط التفكير وحياة هذه المجتمعات.

لم يكن التقرير المناخي في العام 2018، أول تقرير مرعب بأي حال من الأحوال، ولا أول دعوة من علماء مرموقين للحد بشكل جذري من الانبعاثات، فأرفف الكتب مزدحمة بهذه النتائج، ولكنه أول تقرير يدفع بالدول نحو التحرك. ولكن مثل خطابات غريتا ثونبرغ، فإن صرامة دعوة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ للتغيير المجتمعي على أساس الجذور والفروع، وقصر الجدول الزمني الذي وضعته لسحبها، ركزت على العقل العام كما لم يحدث من قبل. جزء كبير من ذلك يتعلق بالمصدر. بعد أن اجتمعت الحكومات للتعرف على خطر الاحتباس الحراري في عام 1988، أنشأت الأمم المتحدة الفريق الحكومي الدولي المعني بتغيّر المناخ لتزويد صانعي السياسات بأكثر المعلومات الموثوقة الممكنة لتوجيه قراراتهم. لهذا السبب، تقوم اللجنة بتجميع أفضل العلوم للتوصل إلى توقعات يحتاجها عدد كبير من العلماء للموافقة عليها قبل نشر أي شيء. ولكن حتى ذلك الحين، لم تعرض الكاتبة هذه المعلومات من فراغ، ولكنها أرادت أن تقول إن أي عمل يتعلق بحماية المناخ يجب أن يتم بموافقة الحكومات، أي السياسيين.

وهنا تكمن المشكلة! ولهذا كانت توقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ متحفظة للغاية دائماً. وغالباً ما تقلل من تقدير المخاطر. ومع ذلك، كان هناك تقرير يعتمد على ستة آلاف مصدر تقريباً، تم إنشاؤه بواسطة نحو مائة مؤلف ومحرّر ومراجع، يقول بعبارات لا لبس فيها أنه: “إذا لم تفعل الحكومات سوى القليل لخفض الانبعاثات كما تعهدت حالياً، فإننا نتجه نحو العواقب بما في ذلك ارتفاع مستوى سطح البحر الذي من شأنه أن يبتلع المدن الساحلية، ويتسبب بالموت التام للشعب المرجانية، والجفاف، الذي من شأنه أن يقضي على المحاصيل في أجزاء كبيرة من العالم”.

إدخال الصفقة الخضراء الجديدة

إنها الفكرة الرئيسية وراء الكتاب، والهدف من ذلك هو دفع العالم نحو اتخاذ قرارات مهمة بحماية المناخ بما يتماشى مع السرعة المطلوبة من أجل وقف الاحتباس الحراري. وترى كلاين أن هذا التوجه سوف يوفر فرصاً تقدر بمئات الملايين حول العالم، فرصاً ستمنح حتى للدول التي تم عزلها حول العالم، والتي ستضمن العناية الصحية للجميع، والعناية لجميع أطفال العالم. لقد ضيّع العالم 10 سنين في الكلام، ولذا في – رأي كلاين – لا بد من البدء بالعمل. وهذا النوع من العمل سيقوم بتغيير المجتمعات ووضع معايير أفضل لطرق العيش وسيضمن سلامة الأرض والمناخ للأجيال القادمة. ولكن العمل الجماعي هو ما سيضمن ذلك.

وبحسب كلاين، هناك تغيير أساسي طرأ منذ بداية الحركة لوقف الاحتباس الحراري وحماية المناخ، وهو يتعلق بعدد السياسيين الذين باتوا منضوين تحت جناح هذه الحركة، وهم مستعدون من أجل الدفع نحو قوانين جيدة وسياسات جديدة تتعلق بكبح جماح أصحاب المصانع في الاعتماد على الوقود الأحفوري والتوجه نحو مصادر للطاقة صديقة للبيئة. وفي حين أن السياسات السابقة كانت عبارة عن تعديلات طفيفة على الحوافز التي تم تصميمها لإحداث حد أدنى من الاضطراب في النظام، فإن نهج الصفقة الخضراء الجديدة، هو ترقية رئيسية لنظام التشغيل، وخطة لنشمّر عن سواعدنا من أجل إنجاز المهمة فعلياً. وتلعب الأسواق دوراً في هذه الرؤية. لكن الأسواق ليست أبطال هذه القصة بل الناس. إنهم العمال الذين سيبنون البنية التحتية الجديدة، السكان الذين سيتنفسون الهواء النقي، والذين سيعيشون في مساكن خضراء جديدة ميسورة التكلفة وسيستفيدون من النقل العام المنخفض التكلفة (أو المجاني).

قبل تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، الخاص بـ1.5 درجة مئوية بوقت طويل، ركزت حركة المناخ على المستقبل المحفوف بالمخاطر الذي سنواجهه إذا فشل السياسيون في التصرف. وتلفت كلاين بالتفاصيل في فصول الكتاب إلى نتائج نشر أحدث التقارير العلمية المرعبة، والتحركات ضد تمديد أنابيب النفط الجديدة وحقول الغاز ومناجم الفحم. وعن التحركات ضد الجامعات والحكومات المحلية والنقابات التي تستثمر في الأوقاف والمعاشات التقاعدية في الشركات التي تقف وراء هذه المشاريع الهدامة للمناخ. والتحركات ضد دعم السياسيين، الذين ينكرون تبعات تغيّر المناخ، وحتى الذين يقولون الأشياء الصحيحة فإنهم يفعلون عكس ما يقولون. والكتاب هو عمل حاسم في إطلاق ناقوس الخطر مرة أخرى، وللفت النظر أن جناح صغير في الحركة “العدالة المناخية” ركز اهتمامه على نوع الاقتصاد والمجتمع الذي يدفع باتجاهه الكتاب.

وبقدر ما أثبت تقرير IPCC أنه حافز قوي، ربما يكون هناك عامل أكثر أهمية يتعلق بالعنوان الفرعي لهذا الكتاب: الدعوات القادمة من العديد من الجهات المختلفة في الولايات المتحدة وحول العالم للحكومات لإستجابة كاسحة لأزمة المناخ مع “الصفقة الخضراء الجديدة”. والفكرة بسيطة: تتمحور حول رفض عملية تحويل البنية التحتية لمجتمعاتنا بالسرعة والنطاق اللذين طالب بهما العلماء بأنه لدى البشرية فرصة مرة واحدة في القرن لتطبيق نموذج اقتصادي واحد قد يفشل غالبية الناس على جبهات متعددة. لأن العوامل التي ستدمر الكوكب ستدمر أيضاً نوعية حياة الناس بطريقة أو أخرى، وقد تسببت بركود الأجور وانهيار الخدمات وانهيار أي مظهر من مظاهر التماسك الاجتماعي. وهذا يعتبر تحدياً لهذه القوى الكامنة وفرصة لحل العديد من الأزمات المتشابكة في وقت واحد. وهنا تكمن أهمية العمل الجماعي والمتضامن ما بين الشعوب.

إحدى الدلائل، التي ترى فيها كلاين العمل والتضامن ما بين الشعوب، هو الاعتصام الذي قام به طلاب نيوزيلندا كتضامن مع أنباء ارتفاع منسوب المياه في المحيط الهادئ، والتي تنبأ بكارثة بيئية. لن تتضر نيوزيلندا بشكل مباشر، ولكن أهم ما أدلت به طالبة في السابعة عشر من العمر هو أن المحيط الهادئ هو لنا جميعاً، وعلى الجميع التحرك من أجل حمايته. وهذا النوع من الأخبار والقصص المتواترة والتصريحات لطلاب صغار وكبار، جمعهم المجتمع للإعتصام من أجل الأرض وحمايتها من تغيّر المناخ، هو مجموعة القصص التي قدمتها الكاتبة وكيف يجب أن تبنى “الصفقة الخضراء الجديدة”.

الخطر البيئي يداهم الجميع

وتنبّه كلاين إلى أن الخطر البيئي يداهم الجميع. وبحسب دراسة للبنك الدولي في العام 2018، فإنه يتوقع أنه في العام 2050، فإن أكثر من 140 مليون شخص من صحارى إفريقيا وجنوب آسيا وأميركا اللاتينية الذين يسكنون الأرياف سوف ينتقلون قسرياً للعيش في ضواحي المدن في بلادهم، والآخرون فسوف يهاجرون إلى أماكن أفضل للعيش. وتجد الكاتبة أن العدالة تكمن في محاسبة الـ10- 20% من الأغنياء الذين يملكون الثروات ويستنزفون الأرض ويتسببون بظاهرة التصحر بسبب طمعهم وعدم إحساسهم بالمسؤولية، وليس بفرض الغرامات بل بفرض جزء من أرباحهم من أجل تعويض المتضررين ومساعدة المهاجرين.

ففي كثير من أنحاء أوروبا والمحيط الأنغلوساكسوني، فإن التصلب في استقبال المهاجرين يحدث بالفعل “من تحت لتحت”، حيث اعتنق الاتحاد الأوروبي وأستراليا والولايات المتحدة سياسات الهجرة التي هي خلاف ما يدعون من انفتاح وتقتضي “المنع من خلال الردع”، وذلك عبر اتباع المنطق الوحشي في معاملة المهاجرين بقسوة، والتي سيتم من خلالها ردع الأشخاص اليائسين عن البحث عن الأمان بعد عبور الحدود. والهدف وراء ذلك تحصين أوروبا ومحيط الأنغلوساكسون، وإقناع الناس بالبقاء حيث هم، مهما كانت حياتهم بائسة، ومهما كانت مميتة. ومن هكذا وجهة النظر، فإن كلاين ترى أن ما يحدث هو أن حالة الطوارئ ليست معاناة الناس فقط، بل هي رغبتهم المقلقة في الهروب من تلك المعاناة، ولكن ما يحدث من خلال سياسة “المنع بالردع” هو عرقلة وحبس الناس في مناطق غير محمية.

 

سيرياهوم نيوز3 – الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

انتخاب سورية عضواً في المجلس التنفيذي لأكساد

    تم اليوم في الرياض انتخاب سورية عضواً في المجلس التنفيذي في المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة “أكساد”.   جاء ذلك خلال ...