سوسن صيداوي
نحن اليوم في عصر يشهد تغييراً كبيراً في المحتوى للمواد الكرتونية، فلم نعد نشهد مضموناً يضج بالبراءة أو الحب أو بالمفاهيم الأصيلة والخيّرة، والتي تشبه تماماً روح الأطفال وأفكارهم، وتزرع الأمل في مستقبل مشرق يشبه الألوان الزاهية المكونة للصور الكرتونية، اليوم ونحن نركب موجة التكنولوجيا والعصرنة اللتين تأخذان بوجهيهما كل ما اعتدنا عليه، مخلفتين العنف والابتذال في جنون تصرفات بشرية تذهب بنا نحو انفعالات وصراخ إلى ضياع ومشاعر سوداء. هل نحن نبالغ في الطرح؟
إذاً لماذا كثير من الأهالي يتوجهون لتشجيع أطفالهم على مشاهدة مسلسلات ازدهرت ونجحت في التسعينيات وعرضت على معظم محطات التلفزة حول العالم؟
هل محتواها أعمق، هل فيها التسلية والمتعة مع الإفادة؟. أسئلة كثيرة لها مكان للطرح، ولكننا نكتفي بعرض مجموعة من المسلسلات الكرتونية التي انتشرت ومازالت قبلة للمشاهدين والدليل محركات البحث ونسبة المشاهدة، وخصوصاً أنها منبثقة عن قصة حقيقية أو منشؤها رواية عالمية.
من الحقيقية… سالي ولحن الحياة
«أنا قصة إنسان، أنا جرح الزمان، أنا سالي، أعيش في الحنين لوقع المطر لضوء القمر ورسم المصير….» هكذا تبدأ شارة أغنية مسلسل «سالي» الكرتوني، هذا التعبير البليغ في المفردة كيف لطفل أن يفهمه ويشعر به أو حتى يحفظه؟. هل يجوز أن نسأل ونجيب!، ولكن يا سادة الطفل كالإسفنجة قادر على امتصاص كل ما يدور حوله من خلال راداره الداخلي، فلا يجوز أبداً الاستخفاف به. لننتقل من طفلنا للحديث عن «سالي» فقصة سالي هي قصة حقيقية واسمها في الحقيقة هي «سارا كريو»، وهي من أب هندي وأم فرنسية، ويقال إنها يمكن بثروتها أن تدفع ديون دولة. درست «سارا كريو» في بريطانيا وفي عام 1885 مات والدها بحمى شديدة، وكان أخبرها المحامي أن والدها قد أعلن إفلاسه، ما جعل مديرة المدرسة تستخدمها خادمةً لباقي الطالبات، مع تعرضها للظلم الشديد بسبب الفارق الطبقي، وما ألحقه بها الفقر من عوز وجوع وذل لكن من دون أن يشوه من جمال روحها وطيبة قلبها، في رسالة للأطفال بضرورة التمسك بالأفعال الخيرة وبالقيم التي تنير الداخل وتزيد من الفضائل…. إلخ.
في عام 1888 نقلت قصة «سارا كريو» إلى الكاتبة «فرانسيس هودسون برنيت» لتحولها إلى رواية بعنوان «سارا كريو»، ولكن في عام 1905 تمت إعادة صياغتها ولتحمل عنوان: الأميرة الصغيرة، التي حولتها بعد ذلك إلى مسلسل تلفزيوني بعنوان «سالي»، الأخير الذي لاقى الكثير من الإقبال وحقق انتشاراً واسعاً على الفضائيات العربية بعدما تمت دبلجته.
وتحت العنوان أعلاه نتابع الحديث حول أكثر المسلسلات الكرتونية التي لاقت النجاح لتركيزها على مباهج الحياة، كالموسيقا واستثمارها بتهذيب السلوك البشري وعلى الخصوص عند الأطفال، متجاوزين برفقة النغم المآسي التي تقحمهم بها الدنيا، كما في مسلسل « لحن الحياة» حيث يفقد الأطفال والدتهم، فهذا المسلسل مقتبس عن أحداث حقيقية لعائلة «فون تراب» التي عاشت في النمسا في العقود الأولى من القرن العشرين، والنسخة التي تمت دبلجتها للعربية، تحكي عن فتاة شابة يتيمة تدعى «صفاء» تعمل مربية للأطفال، تسافر تاركة قريتها بحثاً عن عمل، وإذ بها تتعرف على عائلة رجل ثري لديه 7 أبناء أشقياء منهم 5 بنات وولدان فتقرر قبول فرصة العمل والقيام بتربيتهم.
تعاني «صفاء» مدايقات مديرة المنزل السيدة العجوز التي كانت تؤثر في الأطفال ضد مربيتهم الجديدة، ولكن مع مرور الوقت يعتاد الأطفال عليها وينسجمون معها، ليقرر الأب في النهاية الزواج من المربية.
من الروايات…
فلونة وصاحب الظل الطويل والفتى النبيل
في هذا الجانب سنقف عند ثلاثة نماذج لمسلسلات كرتونية استوحت من الأدب العالمي، ومازالت حتى اليوم متابعة كثيراً، وسنبدأ بمسلسل «فلونة» قصته مستوحاة من رواية للكاتب السويسري «جوهان رودولف ويس»، وتدور الأحداث حول عائلة مكونة من خمسة أشخاص يواجهون خطر الموت في البحر بسبب غرق سفينتهم المتجهة لأستراليا من أجل عمل والد «فلونة» في مهنة الطب.
المسلسل إنمي ياباني عرض لأول مرة في 1981، وتجدر الإشارة هنا إلى أن «فلونة الشخصية الرئيسية في المسلسل لم تكن موجودة في الرواية الأصلية، وتمت إضافتها في المسلسل من كاتبه لغرض استقطاب مشاهدين من الأطفال وبشكل خاص الفتيات، لأن الشخصيات في الرواية الأصلية هم أب وأم وأربعة صبية.
وطبعاً محتوى المسلسل فيه الكثير من المرح والإشارة إلى المغامرات التي تواجهها «فلونة وعائلتها في الجزيرة النائية، مع أهمية أن يتعلم الأطفال ضرورة التكاتف الأسري بشكل دائم وبمواجهة صعاب الحياة، إضافة إلى أهمية الصبر للتأقلم مع الظروف المفروضة.
بينما قصة مسلسل «الفتى النبيل» تضع أطفالنا أمام مطب اجتماعي خطير، مستعرضاً عواقب كسر حاجز العادات والتقاليد الاجتماعية، وما العواقب، فالفتى النبيل «سيدريك» هو وريث عائلته الوحيد، وأصوله من عائلة أرستقراطية من إنجلترا، وجده قطع علاقته بوالده، بعدما خالف تقاليد العائلة بزواجه من فتاة أميركية فقيرة، فرفض الجد الاعتراف بهذا الزواج.
وتدور أحداث مسلسل «الفتى النبيل» الذي عرض لأول مرة في عام 1998، وأصله عن رواية أميركية للمؤلفة «فرانسيس هودسون برنيتول»، حول هذا الفتى الطيب القلب والذي يحب مساعدة الفقراء، ويعيش مع أمه في أحد الأحياء الفقيرة في الولايات المتحدة الأميركية، لتدور الأيام وتجبر الجد على الاعتراف بوريثه الوحيد «سيدريك» وإحضاره إلى إنكلترا ليفاجأ الطفل ببرود جده وقساوته، لكن هذا لم يقصه عن طباعه المرحة والدمثة في تقبل الظرف وكسب ود الجد عبر طيبة القلب وحسن الأخلاق ضمن أحداث تعلم الطفل المتابع للمسلسل دروساً تربوية مهمة في الحياة.
وأخيراً نتابع مع مسلسل «صاحب الظل الطويل»، المأخوذ عن رواية «أبي طويل الساقين» أو «Daddy Long Legs»، وهي إحدى روائع التراث الأميركي لمؤلفتها «أليس شاندلر وبستر» التي اشتهرت بالاسم الأدبي «جين وبستر»، تم إصدارها في عام 1912 واشتهرت بشكل واسع وتمت ترجمتها إلى عشرات اللغات، ولفرط جمال الرواية وبساطتها تم تحويلها إلى عروض مسرحيّة وموسيقيّة وأفلام ومسلسلات، فمسلسل «صاحب الظل الطويل» حاز على أفضل تصوير للرواية بسبب التزامه بروح النص الأصلي، ومع اختلاف ببعض النقاط البسيطة والتي غايتها استحواذ اهتمام الأطفال، فمثلاً بالرواية «جودي أبوت» البطلة هي فتاة جامعية، على حين في المسلسل الكرتوني تبدأ الحكاية منذ طفولة البطلة والتركيز على مرحلتها الثانوية وما بعد، وكيف تم تبنيها من رجل ثري دفع لها المنحة كي تتابع دراستها في الجامعة، التي تستقطب أبناء الذوات، وكيف أن مرح «جودي» وبساطتها لم يقحماها في التفكير بأنا ابنة يتيمة وعاشت في ميتم، أو بالعوز المادي والفرق الطبقي مع زميلاتها، بل عاشت حياتها الجامعية بتفاصيلها، مع سردها للأحداث برسائلها لصاحب الظل الطويل.
سيرياهوم نيوز 6 – الوطن