| علي عبود
بدأت الإجتهادات تنهمر على رؤوسنا بعد مناقشة جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت مطلع الشهر الجاري (ملف تحسين الوضع المعيشي وواقع الرواتب والأجور للعاملين في الدولة والمتقاعدين)!
البعض تفاءل كثيرا بزيادة لن تقل عن 300% ، والبعض الآخر كان منطقيا فجزم أنها لن تتجاوز نسبة الـ 40 %، والجامع بين المغرقين بالتفاؤل أو الواقعيين الذي يعرفون جيدا كيف تفكر الحكومة أو وزارة المالية هو أن هناك زيادة حتمية قادمة، ونسأل هؤلاء جميعا: عن أيّ زيادة تتحدثون؟
على حد علمنا لم تطرأ أي زيادة على الرواتب والأجور منذ عام 1986 أي بعد أول تعديل لسعر الصرف، وإذا كان من إقتصادي أو خبير مالي يخالفنا الرأي فليفحمنا ويكشف لنا عن زيادة فعلية واحدة طرأت على الرواتب منذ عام 1986، أو على الأقل منذ عام 2010؟
كتبنا في العدد الأول من صحيفة الأقتصادية بتاريخ 17/6/2001 مقالة بعنوان (الحكومة تقرّ قريبا خطة لإصلاح الرواتب والأجور واقتراح برفع الحد الأدنى إلى 18 ألف ل س شهرياً) قلنا فيها التالي:
(كيف يمكن لعامل أو لمعلم أو لقاضٍ أو لمفتش .. بل كيف لمدير أن يكون على درجة من الكفاءة والنزاهة والإخلاص أمام راتب لايؤمن له أكثر من 30 % من متطلبات الحياة الكريمة ؟!
نعم .. إن العاملين بأجر في القطاعين العام والخاص يواجهون أزمة حقيقية ، وعلى الجميع أن يعترف علناً بهذه الأزمة كي تتضافر الجهود لحلها ، وهذه الأزمة تتجسد في انخفاض القدرة الشرائية للأجر منذ عام 1987 ، وانخفاض الكميات من السلع التي يمكن شراؤها !
دعونا نتساءل وبصراحة مطلقة : كيف يمكن للأداء الإقتصادي أن يرتقي .. وكيف يمكن تطوير الكفاءات وجذبها للعمل في الوطن .. وكيف يمكن أن نزيد الإنتاج بمواصفات عالمية .. بل كيف يمكن للتنمية أن تنطلق بوتائر سريعة دون خلل أو عثرات أومعوقات .. إذا كان 96 % من العاملين بأجر في الدولة لاتغطي رواتبهم وسطي تكاليف المعيشة ، و68 % من هؤلاء العاملين لاتغطي أجورهم وسطي الإنفاق على المواد الغذائية الأساسية فقط ؟!
ألا ترى الحكومة أننا نعيش إشكالية خطيرة ؟
ألا ترى الحكومة الحالية ـ مثلما كانت ترى الحكومات السابقة ـ إن هذه الإشكالية هي السبب الرئيسي للرشوة والفساد الإجتماعي .. ومن ثم الفساد الإخلاقي ؟
ماذنب المواطن الموظف إذا كانت نفقات المعيشة للمواد الغذائية خلال السنوات 1987 ـ 2000 ارتفعت بنسبة 300 % في حين أن الحكومة لم ترفع راتبه خلال الفترة نفسها إلّا 154 % ؟!
أما الإشكالية الأهم التي لايستطيع أحد من العاملين بأجر في القطاعين العام والخاص إيجاد تفسير لها فهي أن النمو الإقتصادي في سورية خلال السنوات الماضية رافقه حتى الآن تدهور في مستوى المعيشة ، وهذا الأمر يطرح سؤالاً دائماُ : لماذا كانت حصيلة السياسات ، والخطط التنفيذية ، وإنفاق المال العام .. سلبية على العاملين بأجر ؟
لقد أصبح وسطي رواتب العاملين في الدولة بعد الزيادة الأخيرة في أيلول عام 2000 بحدود 5321 ل س في حين أن دراسة تكاليف المعيشة التي أجراها المكتب المركزي للإحصاء ، وباحثون ميدانيون تؤكد أن وسطي إنفاق اسرة من أربعة أشخاص على المستلزمات الأساسية ـ ودون أجرة السكن ـ لايقل عن 12 ألف ل س .. وهذا يعني أن كامل أجور فئات العاملين في الدولة لاتغطي وسطي تكاليف المعيشة .. !
ونزيد على ماسبق التالي: لو كانت الرواتب والأجور قبل الحرب على سورية كافية ووافية فلماذا اقرت القيادة القطرية لحزب البعث في عام 2001 مقترحا بزيادته أربعة أضعاف وفق برنامج على مدى اربع سنوات؟
كان الحد الأدنى المطلوب لمعيشة أسرة من أربعة أشخاص منذ 22 عاما لايقل عن 12 ألف ليرة باستثناء السكن،أي بما يوازي حاليا المليوني ليرة، وبما انه مامن حكومة أيام الرخاء الاقتصادي فعلتها، فإنه مان حكومة سابقة في سنوات الأزمة منذ عام 2011 فعلتها، وما من حكومة قادمة ستفعلها بعد اتساع الهوة مابين الأسعار والأجور، إلا بمعجزة إقتصادية!!
لقد لفت عضو مجلس الشعب السوري محمد زهير تيناوي إلى أن الوضع المعيشي للمواطن اليوم لم يعد مقبولاً بأي شكل مؤكداً أنه في ظل الظروف الحالية الصعبة والارتفاع الجنوني في الأسعار المطلوب زيادة الرواتب والأجور بنسب أعلى بكثير من 100 بالمئة ويجب أن يتراوح دخل المواطن كحد أدنى بين 800 ألف و1.200 مليون ليرة.(99 ـ 148) دولارا بسعر صرف المركزي وهو يقترب أو يزيد قليلا من وسطي الرواتب عام 2001 الذي كان 5321 ل س (113 دولارا).
وفي حال زادت (أي عدّلت) الحكومة الرواتب بنسبة 100% فإن الحد الأدنى للراتب لن يتجاوز 200 ألف (أقل من 25دولارا) أي سيبقى أقل من راتب 2001 (100 دولار).
هذه الأرقام تجعلنا نسأل كل من يترقّب زيادة محرزة للرواتب والأجور: عن أي زيادة تتحدثون؟
الخلاصة: نستغرب عدم مطالبة المعنيين بالشأن المعيشي للحكومة بالكف عن تخفيض، وليس زيادة، الرواتب والأجور، ومطالبتها بالعودة إلى راتب 2010، لا أكثر ولا أقل!!
(سيرياهوم نيوز3-خاص)