آخر الأخبار
الرئيسية » عربي و دولي » غزة تشغل الغرب عن حروبه الأخرى: لا وقت لأوكرانيا وهمومها

غزة تشغل الغرب عن حروبه الأخرى: لا وقت لأوكرانيا وهمومها

سعيد محمد

 

على خلفية تحوّل اهتمام العالم نحو الشرق الأوسط مجدّداً، حيث الحرب الإسرائيلية على غزّة، وتبخّر الآمال في قدرة الجيش الأوكراني على تحقيق أيّ إنجاز على الأرض في مواجهة روسيا، وكذلك تعدُّد الإشارات من واشنطن وبروكسل إلى صعوبات في تأمين مزيد من الدعم المالي للنظام الأوكراني، بدأ مسؤولون أميركيون وأوروبيون بالتشاور مع كييف، من وراء الكواليس، حول حجم التنازلات التي ينبغي تقديمها ضمن اتفاق سلام ينهي الصراع

 

قبل أيام قليلة من زيارة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى مقرّ «حلف شمال الأطلسي» في بروكسل، الشهر الماضي، كان مقاتلو المقاومة الفلسطينية قد تسبّبوا في صدمة عسكرية غير مسبوقة لكيان الاحتلال، في السابع من أكتوبر. وإذ سارع زيلينسكي، شأنه شأن المسؤولين الغربيين، إلى إظهار تعاطفه مع إسرائيل، فهو لم يتأخّر حتى اكتشف أن الحرب في غزة أزاحت صراع بلاده مع روسيا من قائمة اهتمامات قادة الغرب الذين التقاهم. وحاول الرئيس الأوكراني تدارُك الموقف عبر الربط بين الحربَين، فأخبر حلفاءه بأن «الإرهابيين، مثل (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، أو حماس، يسعون إلى اتّخاذ الدول الحرّة والديموقراطية كرهائن، ويحاربون أولئك الذين يسعون إلى الحرية»، لكن أحداً لم يأبه لكلامه. لا بل إنه عندما بعث برسالة إلى مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مستفسراً عمّا إذا كان في إمكانه زيارة تل أبيب مع القادة الغربيين الآخرين، لإظهار تضامنه مع الكيان، جاءه الردّ، وفقاً لما نقلت الصحف العبرية، مقتضباً وبارداً: «ليس الوقت مناسباً الآن لمثل هذه الزيارة».

ولاحقاً، فرضت غزة نفسها على اجتماعات دول الاتحاد الأوروبي بمختلف مستوياتها، واستهلكت معظم وقت قمّة القادة الأوروبيين العادية في بروكسل، في الوقت الذي أعربت فيه المجر وسلوفاكيا عن تحفّظهما العلني في شأن تقديم أيّ دعم جديد إلى أوكرانيا، أو فرض عقوبات إضافية على روسيا، وقالتا إنهما لن ترسلا مزيداً من الأسلحة إلى نظام كييف. ومن المعروف أن قرارات التكتّل تُتّخذ بالإجماع، ما يعني استحالة رصْد موازنات إضافية لدعم المجهود الحربي الأوكراني، من دون موافقة حكومتَي بودابست وبراتيسلافا.

وبدا الازدراء الذي تعرّض له طفل الغرب المدلّل حتى أشهر قليلة ماضية، بمنزلة إشارة رمزيّة إلى تحوّلات بدأت تطرأ على مواقف الحكومات الغربية وشعوبها من الحرب الأوكرانية، ولا سيما مع الفشل الذريع لمشروع الهجوم الأوكراني المضادّ، والذيول السلبية التي انسحبت على معيشة المواطنين الأوروبيين نتيجة الحصار الاقتصادي على روسيا، وإخفاق الغرب في استقطاب دول الجنوب إلى جانبه في المواجهة مع موسكو. ويبدو أن الحرب الإسرائيلية على غزة، والضغوط الشعبية المتفاقمة في الشارع، وفّرت للقادة الغربيين مخرجاً مناسباً للدفع في اتّجاه إغلاق الملف الأوكراني برمّته، والانتقال إلى التركيز على الأولويات الأخرى، وتحديداً الشرق الأوسط، والصين، إلى جانب الركود الاقتصادي.

وفي هذا الإطار، سرّبت شبكة «إن بي سي» نيوز الإخبارية الأميركية، الأسبوع الماضي، أنباء عن شروع مسؤولين أميركيين وأوروبيين بالتشاور، من وراء الكواليس، مع نظام كييف في شأن حجم التنازلات التي ينبغي له تقديمها إلى موسكو في إطار اتفاق سلام ينهي الصراع. ووفقاً للشبكة الوثيقة الصلة بأروقة السلطة في العاصمة واشنطن، فإن جانباً من المحادثات في هذا الشأن تمّ بالفعل في اجتماع عُقد الشهر الماضي لـ«مجموعة الاتصال للدفاع عن أوكرانيا»، التي تضمّ نحو 50 دولة حليفة لأميركا انحازت إلى جانب أوكرانيا، وإن مداولات ممثّلي الحكومات عكست اعترافاً بـ«وصول الحرب في أوكرانيا إلى طريق مسدود»، وإن ثمّة «ديناميات سياسية مستجدّة في الولايات المتحدة وأوروبا» تتوازى مع الجمود العسكري على الأرض، فيما تبادل مسؤولون أميركيون وأوروبيون وجهات النظر في شأن جدول زمني مقترح لتسوية الملف الأوكراني. ونقلت الشبكة عن مسؤولين أميركيين، في أحاديث غير رسمية، قولهم إن «أمام أوكرانيا حتى نهاية العام أو بعد ذلك بوقت قصير قبل بدء ضغوط أكثر إلحاحاً في شأن إطلاق مفاوضات السلام».

لكن أقوى الصفعات التي تلقّاها نظام زيلينسكي، جاءت من الكونغرس الأميركي، إذ وافق مجلس النواب على تشريع لتقديم مساعدات جديدة بقيمة 14 مليار دولار إلى إسرائيل من دون اعتماد أيّ تمويل إضافي لأوكرانيا. وأقرّ المجلس الذي يقوده الجمهوريون حزمة المساعدات للكيان، بغالبية 226 صوتاً، مقابل 196 صوتاً، فيما انضمّ 12 نائباً ديموقراطياً إلى الغالبية الجمهورية التي دعمت مشروع القانون، الذي عارضه جمهوريان اثنان. وقال السناتور جوش هاولي للصحافيين إن «إسرائيل تواجه تهديداً وجودياً، ويجب إعادة توجيه أيّ تمويل لأوكرانيا إلى إسرائيل على الفور»، في حين جادل سياسيون في واشنطن بأن «دعم إسرائيل ومواجهة الصين أولويات غير قابلة للتفاوض، ولو كان ذلك على حساب أوكرانيا». وأثار هذا المشروع امتعاض البيت الأبيض الذي يريد دعم حكومة تل أبيب في لحظتها الصعبة، لكنّه طلب أيضاً تمويلاً إضافيّاً قيمته 106 مليارات دولار، يشمل إلى الحزمة الإسرائيلية، مساعدات لأوكرانيا بقيمة 61 ملياراً، ونفقات إضافية في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ في إطار المواجهة الباردة مع الصين. ومن المتوقّع أن يلقى تشريع النواب الجمهوريين معارضة شديدة في مجلس الشيوخ – حيث لا يزال الدعم لنظام كييف قوياً -، أو أن يضطرّ الرئيس جو بايدن إلى استخدام «حقّ النقض» لإسقاطه (في حال مُرّر في الشيوخ)، ما يهدّد بوقف تمويل الحكومة الفدرالية في حال لم يتمكّن المشرّعون من الحزبَين من التوصّل إلى حلول وسط بحلول الـ17 من الجاري.

وتخشى الإدارة الديموقراطية من تحوّل ملحوظ في المزاج العام في الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا، كما يَظهر من استطلاعات الرأي، ما قد ينعكس سلباً على أداء الديموقراطيين في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. ويتكهّن الخبراء بأن فوزاً محتملاً للمرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري، الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بالمنصب مجدّداً ربّما يعني حجب المساعدات الأميركية عن أوكرانيا. ويعتقد عدد من الأميركيين العاديين، اليوم، بأن الأموال العامة يجب أن تُستخدم لتحسين ظروفهم المعيشية، بدلاً من إنفاقها على حروب خاسرة.

ومن شأن تراجع الدعم الأميركي لأوكرانيا أن يدفع الأوروبيين إلى إعادة حساباتهم أيضاً، إذ تقدّم مؤسّسات الاتحاد وحدها أكثر من ثلاثة أضعاف المساعدات الإنسانية والمالية التي تقدمها الولايات المتحدة، إلى كييف، فيما تقدّم الحكومات الأوروبية – بما فيها بريطانيا – ما يقرب من ضعف المساعدات العسكرية وغير العسكرية إلى الجيش الأوكراني التي ترسلها واشنطن. وتناقلت الصحف الأوروبية بتوجّس تصريحاً لجان كلود يونكر، الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية (حكومة الاتحاد الأوروبي)، قال فيه إن أوكرانيا غير صالحة لعضوية الاتحاد، لأنها «نظام فاسد على جميع مستويات المجتمع»، ما يشير بالطبع إلى توسّع نطاق النقاشات بين النخب الأوروبية حول جدوى الالتزام تجاه نظام كييف، في وقت يتحوّل فيه الأميركيون إلى أولويات أخرى.

تخشى الإدارة الديموقراطية من تحوّل ملحوظ في المزاج العام في الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا، كما يَظهر من استطلاعات الرأي

 

وانعكس هذا التحوّل في الاهتمام الغربي عن أوكرانيا، على تصريحات مختلف القادة الأوكرانيين. إذ انتقد أندريه يرماك، كبير مساعدي زيلينسكي وصديقه الشخصي المقرّب، الغرب، بسبب ما سمّاه «إرهاق الحرب»، ونُقل عنه قوله إن «أولئك الذين سئموا من حرب فلاديمير بوتين في أوكرانيا قد يستيقظون على عالم أقلّ حرية»، حاضّاً رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، على الإدانة بعدما قالت في مكالمة هاتفية – اعتقدت أنها كانت تتحدّث فيها إلى رئيس «الاتحاد الأفريقي» وتبيّن لاحقاً أنها بترتيب من مخادعين روس – إن «كثيرين سئموا من الحرب في أوكرانيا»، وهناك «كثير من التعب عند جميع الجهات»، وإن «الجميع يتفهّم أنّنا بحاجة إلى البحث عن مخرج». وحذّر يرماك من أن النكوص عن دعم أوكرانيا سيرتدّ سلباً على القوى الغربية بقدْر ما سيرتدّ على أوكرانيا، مدّعياً بأن سرديّة «إرهاق الحرب» ليست سوى نتاج حملة دعائية روسية لإضعاف عزيمة الحلفاء عبر استغلال انشغال العواصم العالمية بـ«الحرب بين إسرائيل وحماس»، كما أضاف.

 

ومن جهته، أعرب رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، يريلو بودانوف، في تصريح إلى صحيفة أوكرانية، عن قلقه حيال استمرار «الحرب بين إسرائيل وحماس» لوقت طويل، إذ «من المؤكد عندئذٍ، أنه ستطرأ مصاعب معينة في توفير الأسلحة والذخيرة لأوكرانيا». ويتمّ بالفعل إعادة توجيه عشرات الآلاف من قذائف المدفعية التي كانت مخصّصة لأوكرانيا – وتحتاجها بشدّة – إلى الجيش الإسرائيلي، رغم تصريحات رئيس أركان جيش زيلينسكي، فاليري زالوجني، إلى مجلة «إيكونومِست» البريطانية، والتي قال فيها إن «الوضع في ساحة المعركة (مع روسيا) قد وصل إلى طريق مسدود»، وعلى نحو جزئي بسبب عدم توافر الأسلحة والقذائف المناسبة للجيش الأوكراني.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مسيرات اليمن في 460 ساحة.. تحت شعار “مع غزة ولبنان.. دماء الشهداء تصنع النصر”

  خرجت مسيرات حاشدة، اليوم الجمعة، في محافظات صعدة ورَيْمَة ومأرب وعدد من مديريات محافظات عَمْران وإب وتعز وحَجَّة وذَمَار والجوف والمَحْوِيت نصرة للشعبين الفلسطيني ...