سعيد محمد
في عيد ميلاد الزعيم الراحل هوغو تشافيز، سيصوّت الفنزويليون، غداً الأحد، في انتخابات رئاسية بذلت الولايات المتحدة غاية جهدها لتكون في غير مصلحة نيكولاس مادورو، الرئيس الحالي وخليفة تشافيز، الذي يخوض المنافسة على المنصب في مواجهة مرشح المعارضة، الدبلوماسي المتقاعد إدموندو غونزاليس، المدعوم من الغرب. ووفق استطلاعات للرأي ليس معروفاً مَن يموّلها، فإن غونزاليس، الوجه غير المعروف شعبيّاً، يتقدّم على مادورو بما لا يقلّ عن 20 نقطة مئوية، فيما يقول مسؤولون في حملة الرئيس الحالي إن الاستطلاعات المشار إليها غير دقيقة، وإنها ليست سوى جزء من جهود مكثّفة تقودها واشنطن بهدف إسقاط “التشافيزية”، وإعادة فنزويلا إلى دائرة النفوذ الأميركي.وكان جرى استدعاء غونزاليس على عجل من قِبَل قوى المعارضة، ليحلّ محل المرشحة السابقة، النائبة الكاريزمية ماريا كورينا ماتشادو، التي مُنعت من خوض الانتخابات بعد الكشف عن “مخالفات قامت بها في الانتخابات التمهيدية”، في تشرين الأول الماضي. وتراهن المعارضة على سأم الفنزويليين من الأوضاع المعيشية الصعبة، للتخلّص من حكم مادورو، وتصعيد غونزاليس الذي وعد بتشكيل حكومة وحدة وطنية، في حال فوزه، والتفاوض على انتقال سلمي للسلطة “مع الاستفادة من أفكار النائبة ماتشادو – ابنه أحد أقطاب صناعة الصلب – حول الخصخصة، وتحرير الأسواق، واحترام الحقوق الفردية”.
وتعيش فنزويلا أزمة اقتصادية مستمرّة، على خلفية الحصار الأميركي المفروض عليها منذ أيام تشافيز، والذي جرى تشديده لاحقاً في عهد خليفته، مادورو، الذي يحكم البلاد منذ عام 2013. وانكمش الناتج المحلي الإجمالي لفنزويلا بنسبة 75% في السنوات الثماني حتى عام 2021، على رغم أنها تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، يبلع نحو 304 مليارات برميل – اكتشف ثلثاها خلال العقد الأخير -، وهو ما يمثل 18% من إجمالي الخام العالمي. ولكن الحصار تسبّب في شلّ هذه الصناعة الأساسية للاقتصاد الفنزويلي، فضلاً عن التراجع غير المسبوق في قيمة العملة المحلية، والتردّي في مستوى معيشة قطاعات عريضة من السكان، ما دفع الملايين منهم إلى الهجرة. وتوظّف الولايات المتحدة استراتيجية متأنّية لمحاربة الأنظمة السياسية التي تناصبها العداء، وذلك عبر خنق اقتصاداتها، وفرْض مستويات متراكمة من العقوبات عليها، إذ فرصت على مدى سنوات أكثر من 350 عقوبة اقتصادية على كاراكاس، إلى جانب مصادرة أصولها الضخمة لدى البنوك الأميركية، كما رصيدها من الذهب لدى بنك إنكلترا، ما خلق مصاعب معيشية للسكان تأمل الولايات المتحدة أن تدفعهم في النهاية إلى إطاحة حكومتهم.
ولطالما كانت فنزويلا منصّة لتصدير النفط، تحكمها طبقة فاسدة موالية للولايات المتحدة، إلى أن فاز هوغو تشافيز بالرئاسة في عام 1998، فتبنّى خطّاً اشتراكياً قومياً (البوليفارية) مناهضاً لواشنطن، وأعاد صياغة الدستور، و”طهّر” القوات المسلحة من الضباط الموالين لأميركا. كذلك، استفاد الرجل من ارتفاع أسعار النفط لتحسين أوضاع الأكثرية، فحصد تأييداً شعبياً عريضاً قبل أن يصاب بالسرطان، ويقضي في عام 2013. ولأن القوات المسلحة الفنزويلية تبدو، إلى الآن، عصيّة على الاختراق، وليست في وارد الانقلاب على الجمهورية “البوليفارية”، فقد حاولت واشنطن التخلّص من مادورو، من خلال الضغط الاقتصادي، والحصار الدبلوماسي، وتعبئة المعارضة الداخلية ضده. ومن أجل ذلك، قادت حملة كبيرة لشجب إعادة انتخابه في عام 2018، عبر التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية، فدعمت المعارض خوان غوايدو الذي نصّبته رئيساً مؤقتاً للبلاد اعترفت به غالبية العواصم الغربية، لكنه فشل في إحداث أيّ تأثير على مآل الأمور في البلاد. وفي أعقاب هذا الفشل، تخلّت الولايات المتحدة، في عهد الرئيس جو بايدن، عن غوايدو، في ما استهدف ترطيب الأجواء مع كاراكاس، وتعويض إمدادات النفط العالمي من رصيد فنزويلا، إثر فرض حصار أميركي – غربي على روسيا في عام 2022، تسبب، لوقت قصير، بأزمة نفطية عالمية.
يشكك فنزويليون في فرص مرشح المعارضة للفوز إذ توجد في البلاد قاعدة تأييد صلبة لـ«التشافيزية»
هكذا، وبعد سنوات من النهج المتشدّد الذي اتّبعه الرئيس السابق دونالد ترامب، اجتمع مسؤولون من إدارة بايدن مع نظرائهم الفنزويليين، العام الماضي، في الدوحة، وتداولوا في مبدأ رفع العقوبات الأميركية – الغربية التي أعاقت صناعة النفط الفنزويلي، في مقابل أن يضمن مادورو للمعارضة فرصة خوض انتخابات نزيهة في رئاسيات 2024. وقد كان لمخرجات لقاء الدوحة فعل السحر في تحفيز محادثات بين الحكومة الفنزويلية والمعارضة، تُوّجت باتفاق أواخر العام الماضي على إجراء انتخابات في الـ28 من تموز (غداً)، تخضع لمراقبة دولية. ورفعت إدارة بايدن، بعد هذا الاتفاق، حظراً على التداول الثانوي لبعض السندات الفنزويلية، وخفّفت بعض العقوبات المفروضة على قطاع النفط الفنزويلي لمدة ستة أشهر، ووعدت بالإفراج عن جزء من الأصول المحتجزة لأغراض إنسانية، إذا وفت حكومة كاراكاس بالتزاماتها. لكن واشنطن لم تفِ بتعهداتها، وأعادت العمل بالعقوبات مجدداً، ولم تفرج عن أيّ أصول محتجزة، ما قد يفسّر اللجوء إلى استبعاد ماتشادو، مرشحة الغرب المفضّلة من الانتخابات، كردّ على ذلك.
ويشكّك مراقبون فنزويليون في فرص مرشح المعارضة في الفوز، مؤكدين وجود قاعدة تأييد صلبة لـ”التشافيزية” في البلاد، على رغم كل مفاعيل الحصار الأميركي، فيما لا يزال من غير الواضح كيف ستتعامل إدارة بايدن مع نتائج تأتي لمصلحة مادورو. ويشعر بعض أقطاب المعارضة بالخشية من أن الإدارة الأميركية قد تضطر لقبول التعايش مع مادورو، في ظل حرص الدائنين على إعادة جدولة 160 مليار دولار من الديون السيادية الفنزويلية المعدومة إلى الآن، وتعزيز خيارات الغرب النفطية مع استمرار الصراع في أوكرانيا والحصار على روسيا، وربّما وقف تدفق اللاجئين الفنزويليين نحو الولايات المتحدة، أقلّه خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث تظلّ مسألة الهجرة حساسة بالنسبة إلى الناخب الأميركي.
وتقوم استراتيجية المعارضة لكسب الانتخابات، على حشد التأييد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومخاطبة السكان في منازلهم لتجنّب مراقبة الأجهزة الأمنية، وكذلك نشر آلاف الشهود في مختلف مراكز الاقتراع عبر البلاد لمراقبة عملية الإدلاء بالأصوات. وكانت ماتشادو كتبت للصحف الغربية، قبل أيام، عن ثقتها بأن حملة المعارضة ستنجح في حال أجريت انتخابات نزيهة، في إقصاء “التشافيزية”، لكنّ الحركة السياسية الاشتراكية “البوليفارية”، وبعد ربع قرن في السلطة، لا تظهر أيّ علامة على عزمها ترك حكم البلاد في أيّ وقت قريب. وعلى الأغلب، سيكون مادورو مجدداً رئيساً لفنزويلا لست سنوات مقبلة.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية