د.سام دله
– لا بد من التأكيد بأن الغالبية العظمى من السوريين لديهم أمل وإرادة بنجاح (بل والعمل على إنجاح) المرحلة الانتقالية، وصولاً لبناء دولة قانون ومواطنة…الخ، بعيداً عن عقلية الاستئثار أو الإقصاء التي سادت في فترة النظام البائد.
– الحوار المأمول لبناء دولة القانون والمواطنة، يتطلب وجود طرفين أو أطراف (تيارات فكرية، قوى سياسية، شخصيات…) تنطلق من فكرة أن الحوار هو الفضيلة التي توصلنا إلى أفضل القيم والمبادئ والأفكار والآليات… لبناء دولة قانون ومواطنة.
– بالتأكيد إذا كان الحوار من لون أو تيار فكري واحد أو طاغي ننتقل من منطق الحوار Dialogue إلى حوار مع الذات Monologue وهذا إذا نظرنا إليه إيجابياً هو باللغة الفكرية والسياسية نوع من المراجعة الذاتية
– وبالتأكيد ليس الهدف من الحوار أن يلتحق طرف بآخر، وإنما في أحسن الأحوال الوصول إلى قواسم مشتركة يُبنى عليها، أو في الحالة الطبيعية أن تتقبل الأطراف ببعضها على اختلافاتها الفكرية والسياسية، وتنظر إلى هذه الحالة على أنها حالة تنوع وغنى يبُنى عليها أيضاً. وسياسياً ودستورياً يجسده القبول بمبدأ تداول في السلطة، من هو في السلطة غداً سيكون في المعارضة والعكس بالعكس.
– للوصول إلى هذا الهدف النبيل من حوار وطني يُفترض أن من يُنظم أو يُحضر أو يقود الحوار الإيحاء بشكل واسع بالثقة من خلال مؤشرات واضحة إن لم تكن ملموسة:
1. القبول من طيف واسع من المجتمع السوري، ولاسيما عدم الانحياز الواضح في الفكر أو الموقف السياسي لطرف من أطراف ومكونات الحوار.
2. أن يتسم بالحياد أثناء التنظيم أو التحضير أو قيادة الحوار (أولويات نظام عمله لإنجاح الحوار)، لأن عليه إتاحة الفرص المتكافئة للمتحاورين للوصول إلى القواسم المشتركة والبناء عليها أو تأطير اختلافاتهم والبناء عليه.
– انطلاقاً من ذلك، هل ما يجري يوحي بهذه الثقة أو يعززها؟
1. بغض النظر عن أسماء أعضاء لجنة الحوار، الغالبية العظمى، بحسب مما كُتب عنهم، هم من تيار فكري واحد ويعبر بشكل واضح عن إرادة السلطة القائمة.
2. بالطبع رُفع شعار “لا محاصصة”، هذا أمر إيجابي، لكن “لا محاصصة” لا يعني الإقصاء أو الاستئثار، وإنما الكفاءة وأحياناً الإيثار. ألا يوجد في بقية التيارات أو المكونات شخصيات كفؤة توحي بالثقة وتبعد شبهة/ذريعة الاستئثار؟
3. لا يرتبط بالتشكيل (أو بالشكل) وإنما يرتبط بالجوهر والموضوع والنتيجة. فالنظام البائد كان يراعي الشكل ويفرغ المضمون، ويكفي أن نعطي مثال عن مجلس الوزراء، الذي كان رئيسه وأعضائه بنسبة 90٪ من مكون، ولكن هذا المكون مُسيطر عليه ولم يكن يملك قراراه. كيف سنقنع الناس ونجعلهم يوثقون بأن المضمون سيكون مختلف ولا تتوقفون عند التشكيل أو الشكل.
4. فوق ذلك ما سمعناه البارحة في خطاب أولي من متحدث باسم اللجنة، الذي من المفترض أنه يتسم بالحياد والثقة: بغض النظر عن تكراره شعار “لا محاصصة”، كان خطابه مليء بالإقصاء لأطراف ومكونات قبل أن تجتمع لجنة الحوار.
– يضاف إلى كل ما سبق لا بد من خلق جو عام يؤسس لمناخ حوار مُنتج دون “محاصصة أو إقصاء”، وهذا يتطلب إجراءات ملموسة لبناء الثقة، لا مجرد البقاء عند شعارات تُرفع وتُكرر، وهنا سأشير إلى مكان يجب أن يكون المثال لمبدأ “لا محاصصة ولا إقصاء” وللإجماع الوطني، وهو “الجيش الوطني”: هل يمكن لأحد أن يعطي 3 أسماء لمنتسبين له من خارج مكون وحيد؟ أو يعطي 3 إجراءات تشجع للانتساب إليه من خارج مكون وحيد؟ وكذلك الأمر لجهاز “الأمن الوطني”.
أشرت إلى هذا المثال باعتبار أن النظام البائد استخدم هاتين المؤسستين للإقصاء وللسيطرة على المجتمع وللإجرام بحق السوريين، رغم رفعه شعارات براقة تتعلق بالتضحية وخدمة الشعب…!!!
سيقول البعض لا تستعجلوا… سأقول له لا تستسهلوا فعملية بناء وطن أساسها الثقة.
(أخبار سوريا الوطن ١-صفحة الكاتب)