آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » في هذا الشرق الحزين..

في هذا الشرق الحزين..

 

حسان نديم حسن

مع أولى أنفاس الفجر البارد بدت الشوارع وكأنها تتململ من نومٍ ثقيل، حيث يلف الصمت الأزقة بحزنٍ يعكس تعب الأرض من حكايات الألم المتكررة ، يثقلها صمت يحمل أصداء حكايات أزلية من الألم والحرب.

هنا، في قلب الشرق، الحياة ليست مجرد حياة، هي مسرح متجدد لملحمة دائمة. رقعة شطرنج كبرى، لكن القطع التي تتحرك عليها ليست جماداٌ، بل أرواحاً تنبض، تُقاد من أيادٍ خفية تجلس بعيداً عن الجراح، بعيداً عن صوت الأرض التي تنوح تحت أقدامهم.

على نافذة قديمة، امرأة تتأمل الأفق البعيد حيث السماء تبدو كمرآةٍ مكسورة تعكس جراحاً أعمق من أن تُرمم . همست لنفسها : إلى متى سنظل أسرى لعبةٍ لا نعرف قواعدها .. هل كُتب علينا أن نعيش كبيادق تتحرك وفق رغباتٍ لا تخصنا؟.
إلى جوارها، كان ابنها الصغير يرسم خطوطاً على الأرض،وكأنه يبحث عن خريطة تقوده إلى عالم خالٍ من هذا الخراب.

في الجانب الآخر، في قصرٍ غارقٍ في الضوء والترف كانت الخرائط تتكدس فوق الطاولات واللاعبون يتبادلون الضحكات والكلمات كما يتبادلون المصائر . قال أحدهم بابتسامة مشوبة بالخبث: الشرق لا يتغير، إنه رقعة الشطرنج الأبدية : طالما كانت القطع تسير وفق قواعدنا، ستبقى اللعبة في صالحنا.

وفي زاويةٍ مهجورة من المدينة، وقف رجلٌ أمام متجره الصغير، ينفض الغبار عن كتبٍ تراكم عليها النسيان. التفت إلى جاره الذي كان يراقب السماء وكأنها قد تحمل إجابة وقال : الشطرنج لعبة عظيمة لكن عندما تصبح الشعوب بيادق تتحول إلى لعنة : المشكلة ليست في اللعبة، بل في اللاعبين.

الشرق ليس مجرد مكان، إنه روحٌ تُعاد صياغتها مرة تلو الأخرى، لكنه يحتفظ دائماً بجوهره، هو اختبار مستمر للصبر، للقوة، للإيمان بأن الحزن لا يدوم، وأنه في كل هزيمة تختبئ بذرة انتصار.
(اخبار سوريا الوطن 2-الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إلاّ وطني.. سورية الشطر الآخر من القلب

    طلال أبوغزاله   لستُ هنا بصدد المشاركة في أفراح الشعب السوري، ولا في مشاطرة أتراح البعض منه، فالمرحلة التي تعبرها الدولة السوريّة، مرحلة ...