القاهرة | خلُصت المناقشات الموسّعة بين القادة الأفارقة الستة الذين شاركوا في قمة «دول جوار السودان»، أمس، في العاصمة المصرية القاهرة، من أجل التوصل إلى «حل شامل» للأزمة في السودان، إلى التوافق على خريطة عمل لوقف القتال بين الأطراف السودانية المتنازعة، وسط تحذيرات من تداعيات النزاع الكبيرة على أمن واستقرار المنطقة والعالم. وفي ختام القمة، أعلن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي دعا إلى المؤتمر، «الاتفاق على إنشاء آلية وزارية تعقد اجتماعها الأول في تشاد لوضع خطة تنفيذية تتضمّن وضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ لوقف الاقتتال». وجاء ذلك بحضور رفيع المستوى ممثل بقادة دول: تشاد، وإريتريا، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإثيوبيا، ومشاركة رئيس «مفوضية الاتحاد الأفريقي» موسى فقيه، والأمين العام لـ«الجامعة العربية» أحمد أبو الغيط.
وإذ بدا واضحاً الحرص على عدم دعوة أيّ من طرفَي النزاع إلى القمة لتجنّب الدخول في سجالات ومتاهات سياسية تعرقل التوصّل إلى نتائج مثمرة، ظهر أن التحرّك المصري يستهدف حشداً إقليمياً من شأنه الضغط على طرفَي النزاع في السودان من أجل القبول بحوار ومفاوضات جادّة ومباشرة، من دون أي شروط مسبقة. وعلى العكس من إثيوبيا التي يرى قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، وفريقه أنها منحازة إلى قوات «الدعم السريع»، فإنّ لمصر علاقات متزنةً نسبياً مع الطرفين السودانيين المتنازعين، اللذين رحّبا بالتحرك المصري، وانتظرا الدعوة إلى القمة، إلا أن مصر اتّبعت مساراً لم يسمح بدعوتهما. ومع ذلك، من المرتقب أن تتمّ دعوتهما بعد الاتفاق على خطة عمل قابلة للتنفيذ من خلال الآليات الأفريقية القائمة، ستَجري من أجلها مناقشات موسّعة بين وزراء خارجية دول الجوار في العاصمة التشادية ندجامينا خلال الأيام المقبلة. ورحّب «مجلس السيادة السوداني» بمخرجات القمة، معلناً أن «القوات المسلحة مستعدّة لوقف العمليات العسكرية فوراً إذا التزمت قوات الدعم السريع بالتوقف عن مهاجمة الأعيان المدنية والمرافق الحكومية». وأضاف «مجلس السيادة» أنه ملتزمٌ بـ«بدء حوار سياسي فور توقف الحرب من أجل تشكيل حكومة مدنية تقود البلاد خلال فترة انتقالية تنتهي بانتخابات».
القاهرة ستتواصل مع الجيش السوداني، بينما يتواصل الجانب الإثيوبي مع «الدعم السريع»
وبحسب مصادر مصرية تحدّثت إلى «الأخبار»، يستند دور وزراء الخارجية، خلال المباحثات، إلى ما سيتمّ التوصل إليه عبر اتصالات ثنائية مع الأطراف السودانية، على أن تُعرض النتائج في القمة التي يُتوقع أن تحتضنها أديس أبابا خلال الشهر المقبل، أو مطلع شهر أيلول على أقصى تقدير، عندما تصبح الصورة واضحة وفق الجدول الزمني المقترح للعمل. وبينما أورد البيان الختامي أن الخطة التنفيذية تتضمن التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلفة، بالتكامل مع الآليات القائمة، بما فيها «الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا ـــ إيغاد» و«الاتحاد الأفريقي»، أفادت المصادر بأن مناقشات القمة ارتكزت على تقديم دول الجوار ضمانات لطرفَي النزاع لترسيخ الهدنة وعدم استغلالها في تغيير الوضع الميداني عسكرياً مثلما حصل خلال سريان الهُدن السابقة، والذي أدّى إلى إجهاضها، إلى جانب إشراك التيارات السياسية في الحوار بهدف إعادة بناء الثقة والاتفاق على خريطة انتقالية للبلاد تضمن الاستقرار السياسي. والجدير ذكره، هنا، أن القاهرة ستتواصل مع الجيش السوداني، بينما يتواصل الجانب الإثيوبي مع «الدعم السريع»، بحسب الاتفاق الضمني الذي خرج عن الاجتماع، وفق المصادر، التي أشارت أيضاً إلى أن نتائج الاتصالات على مستوى وزراء الخارجية إلى جانب أجهزة الاستخبارات ستكون حاضرة على طاولة الرؤساء بشكل شبه يومي.
وشدّد القادة المشاركون في القمة على احترام سيادة ووحدة الأراضي السودانية، وأهمية الحفاظ على الدولة السودانية ومؤسساتها ومنع تفكّكها أو تشرذمها في إشارة إلى ضرورة بقاء الجيش السوداني موحّداً، بالإضافة إلى المناشدات المتكررة بشأن ضرورة تجنّب إزهاق أرواح المدنيين ووقف الصراع العسكري. كذلك، شدّدوا على أهمية عدم تدخل أي أطراف خارجية في الأزمة، بما يعيق جهود احتوائها ويطيل أمدها، فيما نبّهوا إلى أهمية المساعدات المقدّمة للسودانيين وضرورة تحرك المجتمع الدولي لتقديم «مبالغ مالية مناسبة» كان أُعلن عنها في «المؤتمر الإغاثي لدعم السودان»، الذي عُقد يوم 19 حزيران الماضي بحضور دول الجوار، في ظل ضغط اللاجئين السودانيين على موارد تلك الدول بما يتجاوز قدرتها على الاستيعاب، وهو أمر باتت معنيّة به في المقام الأول مصر وإثيوبيا.
وبينما تركت القمة الباب مفتوحاً أمام سيناريوهات الحل من دون أن تضع صياغات أو شروطاً واضحة، تبقى الرهانات على ما يمكن أن يقدّمه كل طرف على أرض الواقع، علماً أن الجيش السوداني أبدى إلى الآن تحفّظات مبالغاً فيها بإقرار حتّى الأطراف الداعمة له، وهو ما سيتم الضغط عليه للعدول عن بعضها. وتؤكّد مصادر «الأخبار» أن الأيام المقبلة ستشهد محاولة للحلحلة عبر لقاءات واتصالات ستكون سرية في غالبيتها مع التشديد على إنهاء التصعيد العسكري، وبخاصة التحركات الجوية للجيش السوداني، وهو أمر سيكون قيد الاختبار العملي.
سيرياهوم نيوز3 _ الأخبار