الرئيسية » كتاب الأسبوع » كتاب”علم الصراع”

كتاب”علم الصراع”

 

* د.ابراهيم استنبولي

 

 

أنا أجزم أنه الكتاب الأول وربما الوحيد في المكتبة العربية الذي يبحث في الصراعات كعلم. والكتاب بالمناسبة تم تأليفه بتمويل من صندوق جورج سوروس ذائع الصيت!

أقدٌم هنا مقتطفًا منه حول آليات الدفاع النفسي. وتعد آليات الدفاع النفسي أشكالاً أساسية للخروج من الصراعات داخل الشخصية أو حلِّها.. وأهم آليات الدفاع النفسي هي:

– النكوص Regression؛

– التقمّص أو التمثّل Identification،

– الإزاحة Displacement

– النكران Denial؛

– الإعلاء أو التسامي Sublimation؛

– القمع أو الكبت Repression؛

– الاستبدال Replacement ؛

– الإسقاط Projection؛

– التعويض Compensation؛

– التبرير Rationalization.

 

ولنناقش ماذا يعني كل منها على حدة بالتفصيل.

*النكوص :لا يعتبر الطريقة الأنجع لحل الصراع داخل الشخصية، ولكن يمكنه أن يلعب دوراً إيجابياً ضمن ظروف معينة. ويتلخص جوهر هذه الآلية من الدفاع النفسي في إرجاع الفرد إلى نماذج السلوك التي تشكلت في سنوات الطفولة؛ أي إلى الأساليب العقلانية أو المنطقية من التعاطي مع الحالات الصادمة نفسياً وتحويل الحالات التي كانت في السابق مريحة وملائمة للإنسان إلى ملحة وعاجلة. تسمح هذه الآلية باستخدام التجربة الماضية في حلّ الصراع القائم، مما يسمح في الكثير من الحالات بالحصول على نتائج طيبة.

*التمثّل : تقوم هذه الآلية على قولبة أو صياغة سلوك شخص آخر في حالة مشابهة، وعادة ما يكون هذا الشخص مهماً بالنسبة لتلك الشخصية وأكثر استقلالية منها. تسمح هذه الآلية بإعلاء التقييم الذاتي للفرد وتساعده في التغلب على مشاعر القلق.

*الإزاحة :لقد قام فرويد بدراسة مفصلّة لهذا الطريقة من الدفاع النفسي، التي يتم من خلالها طرد الحالات المقلقة للفرد إلى حقل “اللاشعور”، وتتم إزاحتها نحو محيط إدراكه، ولكن بحيث يمكنها عند ذلك أن تمارس تأثيراً على سلوكه.

*النكران : إحدى أكثر الآليات بساطة في حل الصراع داخل الشخصية. والأفعال هنا تنشأ على أساس مبدأ “لا تلحظ ذلك”، أي أن الفرد يتجاهل الحالة القائمة، يكبح الانفعالات السلبية ويرفض القيام بأية حلول.

الإعلاء أو التسامي :تحويل الطاقة النفسية الناتجة عن ظهور مشاعر ما غير مناسبة ومرفوضة (جنسية، عدائية)، والانتقال بها إلى القيام بأفعال اجتماعية مرغوبة وملائمة. وأساليب الإعلاء أو التسامي مختلفة، ومنها الانتقال إلى ممارسة نشاط آخر، أو القيام بأعمال هامة اجتماعياً، مثلاً كالإبداع الفني أو الرياضي أو العلمي…

*الكبت :يتم اللجوء إلى هذه الآلية من الدفاع النفسي عن طريق محاصرة مشاعر الخوف واليأس وغيرهما من الانفعالات السلبية التي تنشأ خلال الصراع داخل الشخصية. وهي عبارة عن طريقة للخروج المؤقت من حالة الصراع الداخلي، ولكن دون أن تزيل أسبابه، وبالتالي لا يمكنها أن تكون طريقة للحل الدائم.

*الاستبدال :طريقة غالباً ما يتم استخدامها لكبح الغضب تجاه عنصر قوي أو ذي مكانة. إنها الحالة التي يزيح فيها الفرد التوتر عن طريق “الانفجار” (أو “الثورة”) ضد عنصر أضعف منه ذاته.

*الإسقاط :آلية دفاعية خاصة ونوعية لحل الصراع داخل الشخصية، وهي تنشأ كنتيجة لرفض المرء لذاته بذاته بسبب العجز عن التغلب على الصعوبات. ففي هذه الحالة يجري لصق مختلف المواصفات السلبية بمصدر المتاعب، مما يخلق الأساس الموضوعي لرفضه والقبول بالذات على خلفيته.

*التعويض :واحدة من أكثر آليات الدفاع النفسي تعقيداً، ويستخدم عن سابق وعي وإدراك في حل الصراعات داخل الشخصية. وهو يتجلّى في كبح مشاعر الحزن والألم من جرّاء فقدان حقيقي أو وهمي ويتضمن في داخله هكذا عمليات مثل عملية التقمّص والتخيل كطريقة للخروج إلى العالم المُتخَيل بهدف الهروب من المشكلة الحقيقية، التي تقوم في أساس الصراع داخل الشخصية.

*التبرير : آلية تقوم على البحث وعلى استعمال تفسيرات وتبريرات شبه حقيقية بالنسبة لتلك التصرفات، والأهداف والموتيفات التي ترفضها الشخصية، والتي تُستدعى من قبل مشاعر غير مقبولة ومكبوتة. ومن أساليب التبرير: الحطّ من الهدف، والحط من أهمية الآخر، الذي يرفض الاهتمام أو يرفض الدعم؛ وتضخيم الدور الذي تلعبه الظروف أو القوى الغيبية.

وهكذا، تعتبر آليات الدفاع النفسي التي تم تناولها بمثابة أشكال أساسية للخروج من الصراعات داخل الشخصية أو حلها، ويختلف دور كلٍّ منها في هذه العملية بكل تأكيد. ويمكن تقسيمها كلها إلى مجموعتين. المجموعة الأولى – تتضمن الطرق العقلانية، المفيدة للفرد والتي تساعده بأن يتصرف بشكل بنّاء في ظروف الصراع. وهذه الطرق هي التقمّص والإعلاء أو التسامي والإزاحة والتعويض. أما المجموعة الثانية – فتضم الأساليب غير المنطقية وغير المفيدة وغير المهمة – ومنها النكوص، والنفي، والاستبدال، أي تلك الطرق التي تسمح بنسيان الصراع مؤقتاً، ولكنها لا تزيل الأسباب الموجبة له ولا تقترح طريقة فعالة للخروج من الصراع داخل الشخصية. وجميع هذه الآليات, وبمعزل عن النتائج التي تفضي إليها, تحقق هدفاً بنّاءً وحيداً – تسمح للفرد بالحفاظ على استقرار عالمه الداخلي، وبالحفاظ على هوية “الأنا” عنده في ظروف المعاناة المُشوِّهة والتي تنشأ أثناء الصراع داخل الشخصية. وهذا هو الأهم.

كما توجد أساليب أخرى للتغلب على الصراعات داخل الشخصية، سواء علاجية نفسية وسلوكية، ولكنها تستخدم عندما يكتسب الصراع طابعاً مَرَضياً مزمناً. أما في باقي الحالات فإن الشخصية الناضجة اجتماعياً تكون قادرة على الخروج بمفردها من حالة الصراع، مستخدمة الأساليب الأكثر ملاءمة ونجاعة في حلّه.

 

من كتاب “علم الصراع” – ترجمة إبراهيم إستنبولي

صدر عن اتحاد الكتاب بدمشق في عام 2014

(موقع سيرياهوم نيوز1)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“فلسطين قضية وطنية”.. كتاب يصون ذاكرة المغاربة في دعم فلسطين

“دار الملتقى” في المغرب تصدر كتاب “فلسطين.. قضية وطنية”، الذي يوثّق كتابات ومواقف أعلام مغربية من فلسطين والقضية الفلسطينية.   صدر حديثاً عن “دار الملتقى” ...