استعراض المنجز الحضاري الذي أورثته تدمر للإنسانية جمعاء يجعلنا نتوقف عند المدافن التدمرية التي شكلت أحد أهم منعكسات تطور المدينة الاقتصادي والعمراني والاجتماعي وكانت بحق فناً عجيباً كما وصفها العلامة الشهيد خالد الأسعد.
وعبر كتاب أخذ طابعاً موسوعياً مشبعاً بالتفاصيل والمعلومات يقدم الباحث الأثري الدكتور همام شريف سعد شرحاً حول هذه المدافن وارتباطاتها شديدة الصلة ببيئتها المحيطة وما فيها من مواد أولية ساعدت على ظهورها وكيف تأثرت بغيرها من الفنون المجاورة ومحافظتها على شكلها العام الأصلي رغم التطورات التي طرأت عليها.
الكتاب الذي جاء بعنوان (المنحوتات والرسومات الإنسانية في المدافن التدمرية خلال العصر الروماني) يوضح أن هذه المدافن قسمها العلماء والباحثون الى مجموعات بناء على ما حملته شواهدها من رموز ونقوش فهي تضم شواهد القبور الفردية والمدافن العائلية والشواهد الصرحية والتي بدورها قسمت لمجموعات أصغر وأكثر تفصيلا.
ويبين سعد أن شواهد القبور الفردية قسمت إلى ثلاث مجموعات الأولى تضم الشواهد التي لا تحتوي أي تمثيل وهي ذات شكل نصف دائري في الأعلى أما الثانية فتضم شواهد حملت تمثيلاً رمزيا ذات شكل نصف دائري مع اطار فيما تحتوي الثالثة الشواهد ذات التمثيل الأدمي ذات شكل نصف دائري في الأعلى.
فيما ظهرت شواهد المدافن العائلية ذات الأشكال المستطيلة وفقاً لسعد نتيجة تحسن الأوضاع المادية لسكان تدمر وتطور العمارة الجنائزية.
ويلفت سعد إلى أن النوع الأخير يدعى بالشواهد الصرحية أي البرجية وقد ظهرت أعقاب حركة تطور تبنتها طبقة معينة في تدمر امتلكت قدرات مادية كافية سمحت لها بنحت صورة المتوفي على الشاهدة فأبدعت نوعاً جديداً من الأبنية الجنائزية تضم رب العائلة ممدداً فوق سرير يجتمع حوله بعض أفراد أسرته.
ويتوقف مؤلف الكتاب عند التماثيل النصفية التي وضعت عند حجرات المدافن وتميز بها التدمريون حيث جاءت مقطوعة عند الخصر وتعتبر غريبة عن الفن الشرقي فهي مستوحاة من منحوتات (زيوغما) الإغريقية ومن الفن الروماني على حد سواء.
ويفرد سعد فصولاً واسعة للحديث عن استحضار الوليمة والأسرة في المدافن التدمرية عبر لوحات من النحت النافر تحتوي مجموعة أشخاص في لقاء خاص يتألف من شخصية رئيسية وحوله العديد من الأفراد يحملون الطعام والشراب وغيرها من الأدوات التي تشير إلى الوليمة مبينا أن من أهم المدافن التي عثر فيها على ولائم (مدفن زبدا بن مقيمو) و(مدفن ارطبن بن عوجا).
كما يستعرض سعد في كتابه الرسوم الجدارية وأهميتها داخل المدافن التي ظهرت في العديد منها مشيرا إلى أن الأمثلة المتبقية تقتصر على ثلاثة مدافن تضم تصاوير إنسانية مهمة تتبع التقاليد الشرقية القديمة بإحاطة عناصر اللوحة بخطوط غامقة رغبة في تحديد كل منها وابرازها وذلك معروف في رسوم ماري وتل برسيب كما تتسم شخوصها بنظراتها الثابتة.
يذكر أن الكتاب صادر عن المديرية العامة للآثار والمتاحف مركز الباسل للبحث العلمي والتدريب الأثري للكاتب سعد الحاصل على دكتوراه في الآثار الكلاسيكية.
رشا محفوض
سيرياهوم نيوز 6 – سانا