| عبد الرحمن جاسم
قبل أيام، خسر «أبو ضفاف» معركته المريرة مع السرطان، وغادرنا عن 68 عاماً، تاركاً وراءه عشرات الأعمال المنوّعة، على رأسها الأغنيات التي أثرى من خلالها المكتبة الموسيقية العربية، وقرّب عبرها المحكية العراقية من الجمهور العربي
الراحل الذي تعود أصوله إلى ضاحية كرادة مريم في بغداد، قرض الشعر منذ نعومة أظفاره، إلا أنّ إبداعه لم يظهر إلا في عام 1973 حين استحالت قصائده أغنيات، ولا سيّما مع أغنية جعفر الخفاف الوطنية «الشمس شمسي والعراق عراقي». ذاع صيت كريم مجدداً عبر أغنية «يا أمي يا أم الوفا» بصوت سعدون جابر التي أطلقته خليجياً وعربياً أيضاً. خلال الخدمة العسكرية الإلزامية في عام 1987، سيتعرّف إلى كاظم الساهر ويبدآ معاً رحلة شهرةٍ خاصة، يصبح كريم عودة من خلالها كريم العراقي. الأغنية الأولى التي جمعت الثنائي كانت «شجاها الناس»، شارة بداية مسلسل «ناديا» المحلّي. كتب العراقي في بداياته العديد من الأغنيات الموجّهة للصغار، نذكر منها «الشميسة» و«يا خالة يالخياطة».
على إثر معاناة العراق داخلياً في مطلع تسعينيات القرن الماضي، قرّر كريم المغادرة شأنه شأن كثيرين من الوسط الفني والأدبي والثقافي. وبموجب عقد عمل، انتقل إلى سوسة في تونس، حيث عاش لسنوات، قبل أن يستقرّ في الإمارات حتى آخر أيامه.
خلال جلسات المرض العضال، بدت أنّ احترافية «أبو ضفاف» وشاعريته متّقدة تماماً، فأنهى الجزء الأوّل من فيلم «أنا ابن جلجامش» المبني على شخصية «جلجامش» الشهيرة من «الملحمة المعروفة» التي كانت في الأصل مسرحية غنائية، وكان من المفترض أن يؤديها كاظم الساهر قبل سنوات، لكن الظروف حالت دون ذلك. وكان كريم العراقي قد استعار بيتاً من تلك الملحمة ليصف حاله مع مرضه: «نعم أنا الذي رأيتُ كل شيء»، في إشارة إلى البيت المعروف الذي يصف الملك جلجامش بالطريقة نفسها: «أنت الذي رأيت كل شيء». في الإطار عينه، نظم عدداً كبيراً من القصائد إبان سنة العلاج وأثناء وجوده في المستشفى، أسماها: «على سرير الأمل»، وأشار فيها إلى أنّ «صبري أقوى من مرارتها» و«الصبر يعرف من أنا منذ الصبا، وشم له في أضلعي منحوتُ».
كُرّم العراقي أكثر من مرة من قبل مؤسسات عدّة، أبرزها حصوله من اليونيسف على لقب «أفضل أغنية إنسانية» عن «تذكّر» لكاظم الساهر. وفي عام 2019، حاز «جائزة الأمير عبدالله الفيصل» السعودية لتحفيز وتنمية الإبداع الشعري.
وبعيداً من الشعر، كتب كريم مسرحيات كلاسيكية وغنائية، عُرض معظمها على خشبات عراقية وعربية، من بينها: «يا حوتة يا منحوتة»، و«عيد وعرس»، و«دنيا عجيبة» و«يقظة الحراس». أما على صعيد السينما والتلفزيون، فوقّع سيناريوات «عريس ولكن»، و«افترض نفسك سعيداً»، و«مخطوبة بنجاح ساحق» وغيرها.
صاحب شهرة واسعة في العالم العربي، وخصوصاً بفضل قصائده التي أدّاها كاظم الساهر
امتازت قصائده بلغة شعرية مدهشة، قائمة أساساً على تقريب المحكية العراقية من الجمهور العربي، ما وسّع قاعدته الجماهيرية، ناهيك بالحزن الشديد الذي طبع أعماله. وقد وصفه أحد النقاد بأنّه «جميل» يجعل الحزن الثقيل مقبولاً وقابلاً للاحتمال.
خلّف الراحل مروحة واسعة من الدواوين، أبرزها «للمطر وأم الضفيرة» و«ذات مرة». كما ترك أعمالاً للأطفال تنوّعت بين الشعر والروايات، على شاكلة «سالم يا عراق»، و«الخنجر الذهبي»، و«الشارع المهاجر»، و«كسل وبغلته الرمادية». ومن ناحيتها، أصدرت «شركة روتانا» ألبوماً غنائياً للعراقي في عام 2005، بعنوان «دللول». وكعادته، كانت قصائد هذا العمل خليطاً بين حب الوطن والشوق إليه والحزن على فراقه، من دون أن ننسى ألبومه الصوتي «ها حبيبي» الذي يحتوي على 17 من أشهر القصائد التي غناها الساهر.
فور انتشار الخبر الحزين، غصّت مواقع التواصل الاجتماعي بالمنشورات التي تنعى كريم العراقي وتستذكر أبرز الأعمال الراسخة في الذاكرة. وفي هذا السياق، أشار كثيرون إلى أنّه برحيله، سيترك «ثغرة» كبيرة في عالم الأغنية الشعبية العراقية والعربية. إذ كان يعدّ «سفيراً للأغنية واللهجة العراقيتين»، كما قال الشاعر العراقي خالد اليساري.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار