د.رحيم هادي الشمخي
يطلق بعضهم اسم مرحلة الطفولة المبكرة على مرحلة ما قبل المدرسة، حيث إنها تبدأ بنهاية العام الثاني من حياة الطفل، وتستمر حتى بداية العام السادس، وتعدّ مرحلة الطفولة المبكرة مرحلة مهمة في حياة الطفل، حيث إن نموّه فيها يكون سريعاً، وخاصة النمو العقلي، وتشهد هذه المرحلة مجموعة من التغيرات التي تطرأ على الطفل، كالاتزان الفسيولوجي والتحكّم في عملية الإخراج وزيادة الميل إلى الحرية، ومحاولة التعرف إلى البيئة المحيطة، والنمو السريع في اللغة، ونمو ما اكتسب ما من مهارات الوالدين، والتفريق بين الصواب والخطأ والخير والشر، وبداية نمو الذات وازدياد وضوح الفوارق في الشخصية حتى تصبح واضحة المعالم في نهاية المرحلة.
وفي هذه المرحلة ينمو وعي الطفل بالانفصال والاستقلالية، فلم يعد ذلك المخلوق الذي كان يُحمل على الكتف، أو يحبو إذا أراد أن ينتقل من مكان لآخر، بل صار الطفل الآن قادراً على الوقوف على قدميه والتحرك بوساطتهما، ما يجعله يعتمد كثيراً على التجوال هنا وهناك، مستكشفاً ومنقباً في اهتمام واضح، بل إنه يخاطر في تنقله، والمخاطرة تفتح له آفاقاً جديدة للمعرفة، ويستطيع هنا استيعاب الظواهر الخارجية، وفيها يتعرف إلى خواص الأشياء وعلاقة كل منها بالآخر، أي إن الطفل ينجذب إلى الاتصال بالعالم المحيط ومكوناته لاستكشافه والتعرّف إليه، فهو في هذه المرحلة يكتسب معلوماته من العالم الخارجي عن طريق حواسه، وقد أثبتت الأبحاث أن الحواس تولّد شعوراً باللذة عند الطفل أكبر مما تولّده عند البالغ، ويستمر النمو العقلي للطفل في هذه المرحلة بمعدلات سريعة، ففي هذه المرحلة تنمو لدى الأطفال نماذج من المهارات تسمى الذكاء العام، وذلك إضافة إلى استقرار وثبات مهارات أخرى مثل الإدراك والذاكرة والتعلم وحل المشكلات، وفي هذه المرحلة يتلقى الطفل للمرة الأولى معلومات عن كل ما يحيط به، كما أنه يبدأ في تكوين المفاهيم المعرفية المختلفة، ما يوضح ضرورة تعريض الطفل في هذه المرحلة لأكبر قدر ممكن من المعلومات والمفاهيم المعرفية المختلفة بطريقة مبسطة وصحيحة، لتسهل عليه عملية اكتسابها، ولتضمن له نمواً معرفياً سليماً، حيث إن تلقي الطفل في هذه المرحلة لأي معلومة خاطئة يصعب تغييرها لاحقاً، ما يؤثر في ثقافة الطفل، كما أن حرمانه من التعرض لهذه المعلومات والمفاهيم يؤثر سلباً في نموه المعرفي.
وتؤكد الاتجاهات المعاصرة في تربية أطفال ما قبل المدرسة أهمية تعريض الطفل للمثيرات الحسية المختلفة، وإكسابه المفاهيم المناسبة، ما يساعده على اللحاق بهذا الركب الهائل من التطوّر التكنولوجي والعلمي المعاصر، حتى لا نضيّع عليه الوقت وحتى لا نهدر الكثير من طاقاته وقدراته العقلية، وحتى لا نفقده الكثير من الخبرات قبل أن يصبح في عمر اللحاق بالمدرسة.
سيرياهوم نيوز 6 – تشرين